رنين الهاتف أيقظَه، حرَّكَ سماعة أذنِه لالتقاط صوتها البعيد، كانت تحدِّثه مِن منطقة بعيدة فى قلبِه، أنصَت صامتًا بعد أن تحكّمتْ فى لسانه، فلم يعُد يستطيع النطق أمام حبال كلماتها التى كبَّلَته والتى يبدو أنها قد أعدّتها وجهّزتها لِتُتم بها جريمتها التى تَحدث الآن.. هذا لا يمنع مِن أن عقله كان يعمل بمنتهى السرعة لينقِذ نفسه مِن ورطته تلك وحصارِه هذا، لذلك فقدْ أسرع فى محاولة يَائسة لمنع إتمام الجريمة بإغلاق باب قلبه الداخلى لمنع خروجها- بمفتاح حبِّه، ثم شَد الباب الحديدى الخارجى لقلبها والذى كان قد اشتراه ودَفع تكاليف تركيبه فى مكانه بعد ملاحظته أن بعض العيون تتلصص عليها، وتحاول التسلل إليه فى الفترات الطويلة التى كان يضطر بسبب كلماتها الحارقة الحادة إلى الابتعاد عنه تارِكَه لها وحدَها.. الآن.. تقول له.. إنها لن تستطيع البقاء.. صَمَتَ.. إنها قد فتحت الأبواب فى غيابه.. أطرق برأسه.. إن هناك مَن دخل دون أن.. أدرى أو أنتبِه.. وإنه أدار قلبها فى اتجاه آخر مما جعل قلبها يفقِد إشارات قلبه، فلم تعُد تتلقى كلماتِه ولمساته على قناة الحُب التى كانا يلتقيان عليها مِن قبل ويشاهدان حياتهما مِن خلالها.. فرّت الدمعة الأولى منه.. ثم تركت سماعة أذنِه مفتوحة فى العراء لتصل إلى سمْعه ضوضاءُ عالية مصحوبة بصافرة طويلة حادة كأنها إنذار بأن شيئًا ما يشتعل، لم يكن أمامَه الكثير من الوقت ليفكر فى فِعل ما يجب لإنقاذ الموقف ومنْع امتداد الحريق، لكن فى محاولة منه لإطفاء النيران المشتعلة داخله وإيقاف هذه الصافرة الممتدة والتى تمزق طبلة أذنِه الداخلية.. ألقى بنفسه المشتعلة فى نهر الدموع الذى كان يتجمّع تحت قدميه واستسلم تمامًا لمياهِه الراكدة وأسماكِه الحية / ذكرياته التى كانت مثلَه تشكو الجوع!