تواجه مصر مخاطرالإرهاب الأسود ، الذى يهدد بشكل واضح أمن مصر والمنطقة والعالم بأسره، ويحظى الخطاب الإعلامى المصرى بأهمية خاصة فى ضوء تشكيله الرأى العام إزاء قضية الإرهاب بكل مخاطرها الحالية والمستقبلية، وكذلك دور فى تحقيق جبهة داخلية متماسكة ومساندة لدور الدولة فى المواجهة الشاملة للإرهاب. ويحسب للإعلام المصرى فى مواجهة الإرهاب تخصيص مساحات إعلامية كبيرة لتقديم تطورات ما تشهده البلاد من حوادث إرهابية، وعظمت وسائل الإعلام دور الأجهزة الأمنية في ضبط الخارجين على القانون، والقبض على الشخصيات النافذة فى التخطيط للعمليات الإرهابية، وضبط كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات التي كان يتم إعدادها لتنفيذ عمليات إرهابية، كما قدمت وسائل الإعلام تضحيات رجال الجيش والشرطة في مواجهة الإرهاب. وأفردت وسائل الإعلام مساحات واسعة لتحليلات الخبراء والمتخصصين وعلماء الدين لتفسير دوافع سلوك التطرف والإرهاب، وأبرزت طبيعة التحالفات الإقليمية والدولية التي تستهدف استقرار مصر، ومعالجة الإرهاب الذى تواجهه مصر فى إطار نظرة شاملة لما تواجهه المنطقة برمتها من مخططات، وتنمية الوعى بسيناريوهات تمثل خطرا حقيقيا على الأمن القومى المصرى والعربى فى حال تنفيذها. ولا تمنع الإيجابيات السابقة في معالجة أحداث التطرف والإرهاب وجود بعض المآخذ على الأداء الإعلامي في معالجة هذه الأحداث ، حيث افتقدت بعض وسائل الإعلام المهنية فى التعامل مع حرمة الموت في تغطية الأحداث الإرهابية ، و أصبح عرض صور جثامين الموتى ومشاهد العنف أمرا معتادا على شاشات الفضائيات ، كما روجت بعض المعالجات الإعلامية العديد من فيديوهات الذبح والقتل البشع الذى نفذته المنظمات الإرهابية ، ودعم نشر هذه الفيديوهات بشكل غير مقصود الحرب النفسية التى تنفذها هذه المنظمات ، وخلطت بعض المعالجات الإعلامية في معالجتها حوادث الإرهاب بين الإعلام والدعاية ، كما خلطت المعلومات بالآراء على حساب المهنية، إضافة إلى التأثير السلبي للسبق الإعلامي على دقة ما ينشر من أخبار بشأن بعض حوادث الإرهاب التي شهدها المجتمع المصري. وتحتاج التغطية الإعلامية لحوادث الإرهاب فى مصر إلى كود مهني يرتقى بأداء الإعلام في التعامل مع حوادث الإرهاب،ويتضمن مجموعة المبادئ المهنية التى ترشد أداء الإعلاميين فى تغطية حوادث الإرهاب والتطرف، وتشمل فى مقدمتها عدم نشر صور الضحايا وجثث الموتى إلا فى حالات استثنائية تستوجبها المصلحة العامة، والاستعاضة عن ذلك بالأساليب الفنية والتشخيص الجرافيكى والإخراج الفنى الملائم، وكذلك عدم نشر ما يسىء إلى كرامة المصابين، وعدم إجراء حوارات معهم وهم فى حالة هلع نتيجة معايشتهم الأحداث المؤلمة ، والتعاطى الحذر مع مواقع التواصل الاجتماعى كمصدر للمعلومات، وعدم التورط فى نشر شائعات وأخبار كاذبة تستهدف جهات معادية بثها فى هذه الظروف لإثارة الذعر فى أوساط الرأى العام ، وفرض حالة من الارتباك فى أداء أجهزة الدولة فى مواجهة هذه الأحداث، وكذلك عدم نشر معلومات تفصيلية عن الموقف الأمنى قد تلحق الضرر بحياة رجال الأمن، ومراعاة مشاعر أهالى الضحايا و الجمهور الذى يتابع التغطية الإعلاميةلمثل هذه الحوادث. ونحن فى حاجة ملحة أيضا إلى استراتيجية إعلامية متكاملة الأهداف والملامح توجه أداء كل وسائل الإعلام المصرية العامة والخاصة فى مواجهة أحداث التطرف والإرهاب . كما نحتاج فى مصر إلى مرصد إعلامي يهتم بمتابعة وتقييم الأداء المهني للإعلام المصري في تغطية حوادث الإرهاب لرصد نقاط القوة والضعف في الأداء الإعلامي. ومن الضرورى أن يقوم الإعلام المصرى بالضغط على أجهزة الدولة لتبنى إستراتيجية شاملة تضمن تخطيط وتنسيق الجهود التي يمكن أن تسهم بها كل أجهزة الدولة والمجتمع المدني في تحقيق المواجهة الشاملة للإرهاب. وتفعيل دور الإعلام فى متابعة ورصد وتقييم أداء كل المؤسسات الدينية والثقافية والتعليمية فى مواجهة الفكر المتطرف. ومن المفيد جدا دمج قضايا الإرهاب ومخاطره فى الإنتاج الدرامى، لأهميته الكبيرة فى جذب اهتمام الجمهور وإقناعه بدور أكثر إيجابية فى مواجهة الإرهاب بكل صوره وأشكاله. ومن الضرورى تخطيط وتنفيذ حملات إعلامية تقدم فى كل وسائل الإعلام العامة والخاصة تستهدف تنمية وعى الجمهور بمخاطر الإرهاب، ومساندة الدولة فى التصدى للإرهاب. كما نحتاج من وسائل الإعلام تكثيف استضافتها علماء الدين الثقاة لتقديم موقف الدين الإسلامى فى القضايا المعاصرة التى تتصل بالواقع ، وتستجيب لاحتياجات المواطنين المتصلة بالدين، والاهتمام بتطوير الشكل والقالب الفنى للبرامج الدينية . ويستلزم هذا الأمر تفعيل دور الإعلام فى تقديم المبادرات الإيجابية والأفكار الإبداعية والخلاقة للتصدى السريع لمشكلات المجتمع، واستضافة الخبراء القادرين على تقديم حلول تنفيذية ملائمة لواقع وظروف المجتمع، واستدعاء التجارب التاريخية والوطنية لنجاح الشعب المصرى فى تجاوز العديد من المحن والأزمات بفضل تماسك الجبهة الداخلية ومؤازرة الدولة فى مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وإيثار الوطن والمصلحة العامة على المصالح الذاتية، وإعلاء قيم الوطنية والانتماء وقدسية الأرض والوطن. لمزيد من مقالات د. عادل عبدالغفار;