قبل أن تتحول الدماء المصرية المسفوحة على أعتاب كنيستى "مارجرجس بطنطا –المرقسية بالإسكندرية" إلى ذكري، واستباقاً لطى الزمن آثار صدمة الانفجار وتداعيات الاستهلاك الإعلامى للفاجعة، وبعيداً عن أن تتحول هذه الأسطر إلى بكائية تدغدغ مشاعر وطنية ملتاعة بفعل هول الحدث، وآلام الفقد، ومشاهد أشلاء الضحايا. فإن هذه الأسطر تستهدف التحول إلى دليل تنبيه، موجه إلى كل مَعْنِيٍ بمستقبل مصر الوطن، وبرعاية حماها، بداية من أكبر ولاة أمرها مسئوليةً، وصولاً إلى مكونها الرئيس "المواطن"، حيث إن الجميع فى هذا الوطن على قدم المساواة فى أمانة الحماية، كما هم على نفس القدر من الاستهداف فى مشروع هدم الوطن. وبالتالى فإن أول ما ينبغى أن يترسخ فى وعى الجميع، هو إن (مشروع التطرف المنطلق من أسس دينية إسلامية) هو مشروع قديم بدأ مع نهايات عصر الاحتلال التقليدى لأوطاننا العربية والإسلامية وتحديداً فى عام 1928م، عندما أسس إمام كل الكيانات الإرهابية (حسن البنا) تنظيمه (الإخوان) بدعم مالى من حكومة الاحتلال الانجليزى لمصر وقدره خمسمائة جنيه. إذن نحن أمام تنظيم (أم) اسمه (الإخوان)، نما على عين المحتل، وترعرع مدعوماً بماله، وتمدد عالمياً باحتضان الأرض الانجليزية له حين لفظته أوطاننا فى الخمسينيات من القرن الماضى وحتى اليوم. أما عقيدة هذا التنظيم فهى تلك التى يلخصها شعاره المتمثل فى سيفين متقاطعين وتحتهما كلمة (وأعدوا) اختصاراً للآية القرآنية {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}، والطريق الذى يرسمه التنظيم لقواعده هو (الجهاد سبيلنا)، والوعد الذى يمنيهم به هو (الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا). وبالتالى فإن كل من يقع فى شراك هذا التنظيم يتلقى منذ اللحظة الأولى أسساً تطالبه بأن (يُعِدَ) للجهاد باعتباره سبيل (التمكين)، وأن يستعد للحظة تحقيق (أسمى أمانيه) والتى هى (الموت). عند هذه النقطة يجب أن يتنبه المتلقى إلى إن هذه الركائز الأساسية لتعميم ثقافة (الموت)، والتى يزرعها الإخوان فى وعى قواعدهم، ويوزعونها جراثيم أفكار تتطاير فى فضاء المجتمع لتهيئة أفراده لتقبلها، تحول القواعد إلى قنابل موقوتة، أزرار التحكم فيها تبقى فى يد (قيادة التنظيم). وحال قرر (عضو) أو مجموعة من الأعضاء الانتقال إلى مرحلة تنفيذ أفكار (الجهاد الإخوانية) بمعزل عن القيادة، فإن القيادة تدعى لفظه بدعوى علنية هى (استباق أهداف الجماعة واستعجال النصر)! وعبر التاريخ الحديث يمكن حصر جميع تنظيمات الدم والإرهاب ذات المرجعية الإسلامية بداية من (التكفير والهجرة) ووصولاً إلى (داعش)، ولن يعدم المدقق فى المشهد رابطاً فكرياً وتنظيمياً يربط بين هذه التنظيمات وبين حاضنتها الأولى (الإخوان)، بل إن شهادات موثقة لقيادات تنظيمية دولية تؤكد ذلك وفى مقدمتهم اليمنى (عبد المجيد الزنداني) وشهادته حول إخوانية (أسامه بن لادن)، والمصرى (يوسف القرضاوي) وذات الشهادة حول (أبو بكر البغدادي). وكامل هذه التنظيمات عندما تقرر ضم أتباع جدد، فإنها لا تسمى ذلك (تجنيدا)، كما هو متعارف عليه فى عموم التنظيمات والكيانات، بل إنها تعرف ذلك بما عرفه به إمامها حسن البنا (الدعوة الفردية)، وتسمى إجراءات العضوية بما سماه البنا (البيعة) التى تتجاوز المعايير القُطْرِية فاصلة العضو عن وطنه ليرتبط بوطن التنظيم حيث الحدود ما تحدده القيادة وساحات العمل ما يوجه إليه القادة. وحتى نكون واضحين مع أنفسنا، تختلف مسميات المنفذين، وتتعدد ولاءاتهم التنظيمية لكن يظل (الإخوان) هو المعين الذى ينهل منه الجميع، ويظل حسن البنا هو الأصل لكل أدبيات الإرهاب ومنظريه، وما أسطورة (سيد قطب) إلا حيلة لصرف الأنظار عن الحاضنة الرئيسة للتطرف الإسلامى فى العالم. ووصولاً إلى واقعنا، فإنه ومنذ تمكين التنظيم فى (غزة)، ودخول أوطاننا ما سمى الربيع العربي، دخل التنظيم الإخوانى وجميع التنظيمات النامية عنه مرحلة (التمكين)، وهو ما استدعى تحقيق الشعار الأساسى (وأعدوا) عبر تطوير الأدوات المؤهلة لامتلاك قوى ردع الأعداء وسحق مناهضى (التمكين)، وهو ما تحقق فى صورة ميليشيات أولية تحولت لجيوش كان منها (فجر ليبيا – الجيش السورى الحر). وهو ما تحقق فى مصر عبر (فرق التأمين والردع) التى تحولت فيما بعد ثورة 30 يونيو 2013م، إلى (اللجان النوعية) واستدمجتها هياكل التنظيم الإخوانى فى خطة (2014) أملاً فى تحقيق هدف إسقاط الدولة فى يناير 2015م، وعندما لم يتحقق ذلك قررت قيادة التنظيم التبرؤ منها علناً، مع استمرار دعمها سراً وبتوجيه فردى غير مباشر من القيادة. ويعنى ذلك باختصار فتح جحور تنظيمية لإطلاق (ذئاب فردية) قادرة على تحقيق استراتيجية (إشاعة الفزع)، دون أن يتحمل التنظيم المسئولية المباشرة عن ذلك، وهو الإجراء الذى تم فى نفس توقيت اعتماد (الذئاب المنفردة) كأحد أساليب (داعش) الناشرة للفزع. يصطاد التنظيم الإخوانى وكل تنظيمات الإرهاب (ذئابه) فى ضوء معايير وأسس، ويعدها وفق عمليات منضبطة شديدة الدقة والتعقيد، وتتعدد ساحات التدريب داخلياً وخارجياً، بل إن الخطير هو أن السجون تمثل واحدة من هذه الساحات التدريبية، وحين يطمئن التنظيم لقدرات (الذئب) يقرر إطلاقه ليسير منفرداً فى السبيل الذى حدده البنا (الجهاد)، وليحقق منفرداً أسمى الأمانى التى صاغها البنا (الموت)، وليعم الفزع فى أرجاء الوطن العربى والإسلامى .. إنها دراما الفزع التنظيمية التى نستكمل رصدها فى المقال المقبل إن شاء الله. لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى;