كأننا قد أصبحنا نعيش في غابة, وأن القانون قد خرج في إجازة إلي أجل غير مسمي!.. هكذا يبدو المشهد العام في محافظة السويسالتي تسيطر عليه حاليا حالة من الفزع والرعب بين المواطنين بعد مقتل طالب الهندسة . وبصحبته خطيبته علي يد ثلاثة من الملتحين الذي يرتدون الملابس القصيرة, وأجهزوا عليه بعد نقاش حاد فأردوه قتيلا! والسؤال الآن: من هؤلاء القتلة؟.. هل ينتمون لمن يسمون أنفسهم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ذكر البيان رقم10 للهيئة المزعومة في صفحتها علي موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك, والذي أعلن مسئولية أعضاء الهيئة عن الحادث؟.. أم هناك طرف ثالث من بلطجية النظام السابق أو فلوله الذين يريدون إفساد العرس الديمقراطي الذي شهدته مصر أخيرا بانتخاب الرئيس محمد مرسي, ومن ثم الوقيعة بين التيارات الإسلامية والشعب المصري, وتأجيج مشاعر الرعب والخوف بين المواطنين من صعود الدكتور مرسي إلي السلطة, وإفساد جهوده في إعادة الأمن والاستقرار خلال المائة يوم الأولي من حكمه؟ وإذا كان من الصعب- حتي وقت كتابة هذه السطور- تحديد هوية مرتكبي الحادث, وهو ما تحاول الأجهزة الأمنية بالسويس كشف تفاصيله حاليا, لكننا نتساءل: هل من حق أحد من أفراد المجتمع تطبيق الشريعة بيده, وفرض الوصاية علي الشعب باسم الدين؟ نبدأ بالبيان الذي تداوله العديد من مواقع الإنترنت, والمنسوب إلي من يسمون أنفسهم بهيئة الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر والذي أشار إلي أن القتيل الشاب أحمد حسين عيد الطالب بكلية الهندسة الشاب وجد مع امرأة أجنبية عنه, بغير ذي حق ولا عقد في ساعة متأخرة من الليل. وأن أعضاء الهيئة المزعومة علي حد تعبير البيان- كانوا يقومون بواجبهم وكان أحدهم ينوي ضرب الشاب ضربة خفيفة لا تؤذي بعصا من الخيزران والتي كان يحملها بيده, ثم نهره ونصحه بعدم الإتيان مرة أخري بمثل ما أتي من مخالفة لشرع الله ومعصية لأوامره, إلا أن الشاب رفع صوته عليهم ونهرهم وسبهم وقام بدفع عضو الهيئة علي الأرض, وهو ما دعاهم إلي ردعه بالقوة ولكنهم لم يقصدوا قتله, وأشار البيان إلي أن الهيئة ستفتح تحقيقا داخليا مع عضو الهيئة ووعدت بتفتيش أعضائها تفتيشا دقيقا وكاملا قبل انطلاق حملاتهم, وذلك للتأكد من عدم حمل أي نوع من أنوع الأسلحة. الإخوان يصفونهم بالإرهابيين كما تداولت المواقع الإلكترونية علي شبكة الانترنت بيانا صادرا عن جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة بالسويس استنكرا فيه حادث مقتل طالب الهندسة علي يد بعض الأشخاص الذين زعموا انتماءهم لما أطلقوا عليه جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, مؤكدة أن من قام بالحادث لا يتبع الجماعة او الحزب بصلة, ووصف البيان مرتكبي الواقعة بالإرهابيين والخارجين عن القانون, مطالبا بمعاقبتهم لأنهم لا يعرفون شيئا عن الإسلام وأخلاقه ويحاولون تشويه صورة الإسلاميين. السلفيون يطالبون بالقصاص وعلي موقع التواصل الاجتماعي تويتر يذكر الدكتور نادر بكار, المتحدث الإعلامي باسم حزب النور السلفي, أن أعضاء من حزب النور بالسويس شاركوا في تشييع جثمان طالب كلية الهندسة أحمد حسين عيد, مطالبا بتطبيق القصاص العادل, كما طالب الشرطة بتكثيف تحرياتها للقبض علي الجناة, وقال: نحن دعاة نبصر فقط بالحق ولا ننصب أنفسنا قضاة علي الناس, مشيرا إلي أنهم في أثناء اضطهادهم من أمن الدولة كان العلماء يربون الشباب السلفي علي حرمة الدماء وفهم فقه الدعوة قبل البدء فيها. الجماعة الإسلامية تنفي أما الجماعة الإسلامية فقد نفت في بيان لها أي صلة بالحادث, وأكد مفتيها الدكتور عبد الآخر حماد أنه لا يوجد كيان حقيقي تحت مسمي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وان تغيير المنكر باليد له ضوابط شرعية تحكمه, كما أن من يدعون أنفسهم بهيئة الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف يريدون تشويه صورة الدعاة الإسلاميين العاملين بالدعوة الإسلامية, وان هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي انتشرت علي موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك يقف وراءها شباب جاهل لا يعرف مفاهيم الشريعة الإسلامية, وفلول الحزب الوطني والنظام السابق. الحدود مسئولية الحاكم وهنا يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر سابقا إن تطبيق الحدود مسئولية الحاكم, وإلا إذا أصبحنا نعيش في غابة, كما أن مهمة تطبيق القانون مسئولية الأجهزة الرسمية في الدولة كالشرطة والنيابة والقضاء, وقد قال الله سبحانه وتعالي لرسوله في كتابه الكريم ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن( صدق الله العظيم). والحقيقة, أن محاولة البعض تطبيق الشريعة بأيديهم يحول المجتمع إلي ساحة للفوضي, يمكن أن تنشأ معها حرب أهلية بين الناس, وعلي أجهزة الدولة أن تسارع في ضبط القتلة, واتخاذ إجراءات حاسمة ضدهم, وتقديمهم للمحاكمة العاجلة, فمصر لا تحتاج إلي تلك الهيئة المزعومة المسماة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, لان المتجمع المصري متدين بطبعه, ويستنكر الفحش والفجور, والسوء من القول والعمل, وهناك أجهزة رسمية يمكن أن تقوم بهذه المهمة. أولو الأمر أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجب ألا يقوم به إلا أولو الأمر, ذلك أن تطبيق الشريعة لابد أن يخضع لقوة القانون والفهم الصحيح للشرع, ولاشك أن من يحاولون تطبيق الشريعة في الشارع لا يملكون ذلك الحق, كما أن النفس البشرية لها حصانتها وقدسيتها في الدين الإسلامي, وتفوق قدسية الكعبة, وتستشهد الدكتورة آمنة نصير بما ورد في الأحاديث عن- النبي صلي الله عليه وسلم- حين نظر إلي الكعبة وقال لها ما أبهاك وما أجملك لكن النفس البشرية أعز علي الله منك.. وقوله تعالي من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا صدق الله العظيم.. ومن الضرورات الخمس في الإسلام حماية النفس, والعرض, والنسل, ومن يسعي لقتل الناس باسم تطبيق الشريعة فهو يبيح لنفسه ما حرم الله تحريما مؤبد وقاطع, ومن ثم لابد أن تتصدي الدولة بأجهزتها المختلفة لمثل هذه المحاولات التي تثير الفوضي وتنشر الرعب والخوف بين الناس, ولابد من تطبيق القانون بحزم وبشدة علي كل من تسول له نفسه انتهاك حرمات الله. إسقاط دولة القانون والحال هذه, يبدأ الدكتور رفعت سيد أحمد الخبير في الإسلام السياسي حديثه بسؤال: هل حادث مقتل طالب الهندسة جنائي أم أن وراءه تيارا من التيارات الإسلامية, والتي تريد فرض الوصاية علي الناس باسم الدين, وهذا ما ستكشف عنه التحقيقات التي تجريها أجهزة الأمن حاليا.. وبشكل عام, فإن ما أثير حول قيام ثلاثة من الملتحين بارتكاب الحادث من منطلق تطبيق الشريعة, فهو في رأيي يعد تطورا طبيعيا لتنامي ظاهرة التدين المغشوش- إن جاز التعبير-, بمعني أن يقوم البعض بتطبيق الشريعة وهم يفهمون الإسلام في سطحه دون جوهره, كما يفهمون الشريعة في حدودها دون جوهرها ومضمونها ومنهجها في إرساء العدل, وتلك الظاهرة قد تنامت خلال الآونة الأخيرة, حيث يتصور البعض ممن ينتمون للتيار الإسلامي أن وصول الدكتور محمد مرسي إلي السلطة, ودعمهم له يمنحهم الحق في تطبيق الشريعة, والرجل برئ من ذلك لأنه أكد في خطاباته المتعددة أن لن يمس حريات الناس بأي صورة من الصور, وهنا تقع علي الرئيس مسئولية إدانة مثل هذه التصرفات ومعاقبة المتجاوزين فورا وفقا للقانون, كما أن محاولة البعض تطبيق الشريعة تتناقض مع مفهوم الإسلام حسب فهمي المتواضع- وقبل الحديث عن تطبيق الشريعة لابد من إقامة دولة الإسلام, وتحقيق الكفاية والعدل والشوري والديمقراطية, ثم بعدها نتكلم عن تطبيق الحدود, وعند تطبيق الشريعة لابد أن تتولاها الدولة وليس الأفراد, لان ترك هذه المهمة للأفراد في المجتمع يؤدي حتما إلي نشر الفوضي, كما أن الأفراد حين يطبقون الشريعة سيعملون علي تطبيق الحدود بالشبهة وهو ما يتناقض مع المفهوم الإسلامي لتطبيق الشريعة, كما أن فرض الوصاية علي الناس باسم الدين يسقط دولة القانون. تهديد السلم الاجتماعي وبشكل عام, فإن الدكتور عصام مليجي مستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية يري أنه يجب عدم استباق نتائج التحقيقات, لكن المناخ الحالي يشجع علي وجود مثل هذه الظواهر, وعلي الرئيس الجديد أن يواجه كل من يحاول فرض الوصاية علي الشعب باسم الدين, وألا يخشي أحدا ممن دعموه في الانتخابات الرئاسية, لأن دولة القانون يجب أن تسود علي الجميع, وأن نعلي المصلحة العليا للوطن علي أي مصالح أخري, والمشكلة الحقيقية هي أن هناك في مصر من يتخيل نفسه متحدثا رسميا باسم الدين, وهذه كارثة, تنشر الرعب والخوف بين فئات المجتمع, وتهدد استقراره وأمنه, وإذا كان الرئيس الجديد قد اصدر تعليماته للأجهزة الأمنية باستعادة الأمن, واستعادة هيبة الدولة, فإنه من الضروري مواجهة أي محاولة لتهديد الأمن والسلم الاجتماعي ولو باسم الدين, كما أن مجرد شعور المواطنين بأن هناك من يحاول تقييد حرياتهم يثير الذعر والخوف, ويوجد مناخا من عدم الاستقرار, ويؤدي حتما إلي تقسيم المجتمع المصري إلي فئات متناحرة, في وقت أصبحنا بحاجة للاتجاه نحو بناء الدولة بدلا من الدخول في متاهة جماعات تريد فرض سطوتها علي المجتمع باسم الشريعة, مما يهدد أمنه واستقراره, ويعوق كل الجهود الرامية لتطويره وتنميته.