لماذا لم يهتز الضمير العربى الإسلامى جراء الصدمات المتوالية والصواعق المحدقة بالهوية العربية؟ فهل تصدعت تلك الهوية بحيث يحال جمع أشلائها، أو أنها قد صارت غير مكترثة حتى لو كانت مستهدفة فى العمق؟ من ثم هل لم تعد الهوية هى قضية وجود فى المحيط العربي؟ وماهى القضية المحورية البديلة التى يمكن الاستعاضة بها؟ وهل يمكن أن تدخل قضية الهوية دائرة المساومات السياسية؟ وماهى الاستراتيجية الفاعلة فى استعادة ظلال الهوية وأطيافها لتتصدى لتلك الهويات القاتلة؟. إن ضراوة الحروب الثقافية قد غدت متجاوزة آليات الحروب المعاصرة، لأنها ذات تقنيات ذهنية مؤثرة فى تفتيت الكينونة وتحللها، ولعل تأزمات قضية الأقصى وتوعكاتها تعد أثرا بارزا من آثار تلك الحروب القائمة على الصراع الفكرى وبتر الانتماء التاريخى وطمس الجغرافيا السياسية والعصف بمفردات المنطق واعتماد فلسفة أحادية تقوم على الاعتداد المطلق بالأنا المتجبرة، فبين طرفة عين وانتباهتها تتجدد الاعتداءات السافرة على الأقصى متخذة إطارا تقليديا فى شكلها لكن فى مضمونها تطرح من المعانى والاستفزازات مايستوجب تحريك العقل الاسلامى وانتفاضته فى مواجهة تحديات عظمى تتمدد مع الزمن ويصعب احتواؤها واستقطابها، فلاتزال الدولة العبرية تدفع بأولئك المتطرفين لاقتحام باحات الأقصى واختراق ساحاته من جهة باب المغاربة، وتكليلا لذلك فقد قضت محكمة الصلح الاسرائيلية أن يكون الأقصى هو مكان مقدس لليهود ويحق لهم الصلاة فيه باعتبار ذلك حقا طقوسيا عقائديا له ديمومة الممارسة، كما أدانت استنكار العالم الإسلامى ذلك!! ولعل ما يدعو للوقفة هو ما رصدته مراكز الأبحاث المعنية بقضية الأقصى فى جملتها وتفصيلاتها من أنه وخلال الشهر الماضى فقط بلغ عدد المقتحمين نحو ألف وخمسمائة، ومن هنا يمكن تصور كم الكتائب المتطرفة التى ستعاود الاقتحام بطرق وطرائق أخرى تخطط لها الدولة العبرية مستقبلا فى إطار ملفات الفحش الاستراتيجي. إن التآمر على اغتيال الهوية العربية الاسلامية يعد من أخطر الموبقات السياسية المهددة بإشعال صراع دينى له أبعاده الخطرة لاسيما بعد أن هب المجتمع الدولى ممثلا فى قرارات الأممالمتحدة واتفاقيات جنيف وقرار اليونسكو القاضى فى مضمونه باعتبار الأقصى مكانا للعبادة خالصا للمسلمين وهو ما يتحتم معه ضمان حرية العبادة وحماية كل المقدسات الاسلامية والمسيحية فى القدس. لكن ماهو مردود تلك الصحوة الدولية أمام السطوة الزائفة للدولة العبرية؟ وهل تغير شيء إزاء مفردات تلك القضية أو غيرها؟ إن الشواهد التاريخية والاهابة بالضمير الكونى إنما تنفى أى تغير إيجابى بل وتؤكد وتقطع بوجود تحولات سلبية ليست على الاطلاق فى صالح العالم العربى الاسلامي. وكيف يتأتى ذلك التغيير الايجابى ونحن لم نسع نحو حدوثه أو معايشته واعتباره هو الواقع الطبيعى الذى يجب أن تتمحور داخله تلك الهوية العربية الأصيلة التى صدرت للعالم من قبل مبدأ رفيعا هو أن الانسانية هى أهم القواسم المشتركة بين البشر، لكن حان لها أن تؤمن بمبدأ آخر يؤازر ذلك حماية لذاتها ودرءا لجموح الآخر المتربص وهو أن كل الأسلحة تصدأ إلا سلاح الروح. لأنه ذلك السلاح الذى دعم تلك الهوية طيلة ثمانية قرون خلت وهو الأولى أن نستلهمه لشحذ الذات الاسلامية، فهو الذى سيسحق الصراع حول احتكار السلطة وانتزاعها من عقول أصحابها قبل أيديهم، ذلك أن الخصم الاستراتيجى إنما يقوم بتوظيف مبدأ آخر يتمثل فى أن الهويات التى نشكلها بالنسبة لأنفسنا والهويات التى نشكلها بالنسبة للآخرين لاتبدو كأنها مختلفة من حيث النوع فالهوية هى الهوية وإنما الذى يتغير هو الوضعية التى نمنحها لهم، كما أكد «جون جوزيف» وتلك هى إحدى أضاليل الدولة العبرية المستحوذة على قناعتها السياسية والاستراتيجية والتى أنصفتها حين لكنها لن تخول لها الاستمرارية وعرقلة المد التاريخى فى ديناميته التى تحداها شارون فى لحظة جنونية مرددا.. أعطونى خمسة وعشرين عاما وستتغير الخريطة تماما ولن يكون فى مقدور الأممالمتحدة أو الولاياتالمتحدة ولا أى قوة فى العالم أن تغير من سياسة الأمر الواقع. لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبو العلا;