أكد إعلان «عمان» الذى صدر فى ختام القمة العربية فى الأردن 29 مارس الماضى مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للأمة العربية، والتمسك بالمبادرة العربية للسلام التى تربط تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل بمنح الفلسطينيين الحق فى إقامة دولتهم المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف، مع مطالبة المجتمع الدولى بإيجاد الآلية المناسبة لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016 الذى اعتبر الاستيطان الإسرائيلى انتهاكاً للقانون الدولى وعقبة فى طريق السلام، ومطالبة إسرائيل بالوقف الفورى لجميع الأنشطة الاستيطانية بالمناطق الفلسطينية المحتلة، والتى شكلت فى مجملها حدود الموقف العربى من جهود التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وظهرت فى زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لواشنطن ولقائه مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الاثنين الماضي، وستكون محور اهتمام العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى رئيس القمة العربية خلال زيارته لواشنطن اليوم، كما تختتم بزيارة الرئيس الفلسطينى محمود عباس ولقائه ترامب نهاية الشهر الحالي. وجاء رد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو على نتائج قمة «عمان» بمصادقة المجلس الوزارى المصغر 30 مارس المنصرم على بناء مستوطنة جديدة على أراض فلسطينية بالقرب من مستوطنة «شيلو» شمال رام الله بدلاً من بؤرة «عمونا» العشوائية التى أخليت منذ شهرين، حيث ستكون هذه المستوطنة الأولى التى تبنى بقرار حكومى منذ عام 1992، بعد أن كانت الحكومات السابقة تكتفى بتوسيع المستوطنات القائمة، فى إطار مساعى نيتانياهو لكسب مساندة القوى والتيارات اليمينية المتشددة فى الداخل، وتخفيف الضغوط التى يمكن أن تمارس عليه لتبكير الانتخابات، على خلفية تقديم لائحة اتهام ضده فى قضايا الفساد التى يجرى التحقيق معه بشأنها. وبالتالى يقوم بالمزايدة على القوى اليمينية المتطرفة أملاً فى الحفاظ على تماسك ائتلافه الحكومي، خاصة أن حزب البيت اليهودى الداعم للاستيطان يعد أحد الشركاء الرئيسيين فى هذا الائتلاف الذى يحتفظ بأغلبية بسيطة داخل الكنيست (67 مقعداً من أصل 120 مقعداً)، وبما يعكس حرص الحكومة الإسرائيلية على تقويض حل الدولتين بتسريع وتيرة الاستيطان ومصادرة الأراضي، بالتوازى مع مواصلة مخططاتها لاستكمال تهويد القدسالشرقية، وتغيير هويتها وطابعها، وعدم احترام الوضع التاريخى القائم لمقدساتنا الإسلامية والمسيحية بالمدينة . ورغم إدانة غالبية القوى الدولية للقرار الإسرائيلى والتنديد بالإجراءات أحادية الجانب، فإن البيت الأبيض تجاهل توجيه النقد لتفادى حدوث فجوة فى العلاقة مع حكومة نيتانياهو، فى ظل عدم ارتياح مسئولى الإدارة الجمهورية للأسلوب والسياسات التى تنتهجها تلك الحكومة.، لاسيما مع طلب الرئيس الأمريكى من نيتانياهو سواء بشكل مباشر فى القمة الأمريكية الإسرائيلية، أو بصورة غير مباشرة عبر محادثات مبعوثه الشخصى لعملية السلام جيسون غرينبلات بضرورة وقف البناء فى المستوطنات مؤقتاً لحين بلورة رؤية أو صفقة سياسية بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطيني، والتى سيحاول خلالها الضغط على القيادة الفلسطينية لتقديم تنازلات جديدة لصالح إسرائيل، مقابل تقديم حزمة تسهيلات لتحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين. ومن ثم فالرئيس ترامب يواجه اختباراً لمصداقية توجهه نحو تحريك عملية السلام. تجدر الإشارة إلى اهتمام الإدارة الأمريكية فى المرحلة الراهنة بالتعرف على مواقف الطرفين من عملية السلام وفرص تقريب وجهات النظر بينهما، خاصة إزاء القضايا الجوهرية فى التسوية، مثل القدس واللاجئين، ومستقبل المستوطنات والسيطرة على منطقة غور الأردن، من خلال عودة الولاياتالمتحدة للإشراف على المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وإيجاد مسار آخر تشارك به بعض القوى الإقليمية المؤثرة، حيث تتطلع واشنطن لعقد مؤتمر دولى برعاية الرئيس الأمريكى خلال الصيف القادم بالأردن يجمع بين نيتانياهو وأبومازن فى حضور بعض القادة العرب، للمساعدة على استئناف المفاوضات المباشرة، وتشجيع الجانبين على تقديم تنازلات يعتد بها للتوصل إلى تسوية مقبولة لعناصر الخلاف المثارة بينهما. تدخل الإدارة الأمريكية الجديدة فى إدارة ملف النزاع الإسرائيلى الفلسطينى سيقود إلى مربع المواقف الأمريكية التقليدية حتى لو إنحازت لإسرائيل لأن الولاياتالمتحدة سواء دعمت حلاً ثنائياً، أو فى إطار إقليمى أو دولى ستكون مبادرة السلام العربية هى الأساس لأية تسوية مستقبلية. وبالتالى العودة إلى صيغة حل الدولتين على حدود عام 1967، الأمر الذى يسبب قلقاً لنيتانياهو تحسباً من إمكانية تخلى حلفائه فى الائتلاف عنه حال اضطراره لإبداء مرونة تسمح باستئناف عملية السلام، خاصة مع تحفز نفتالى بينيت زعيم حزب البيت اليهودى لإسقاط نيتانياهو واللجوء للانتخابات المبكرة فى ظل تقدم حزبه فى استطلاع الرأى الذى أجرته الإذاعة الإسرائيلية العامة الأسبوع الماضي. وبما سيدفع نيتانياهو لانتهاج سياسة التسويف والمماطلة للتخلص من الضغوط التى تمارس عليه لتقديم تنازلات سياسية، وتوظيف عامل الوقت لاستكمال تنفيذ مخططاته الاستيطانية فى المناطق المحتلة وفرض أمر واقع جديد فى المناطق المحتلة، يضع مزيداً من التعقيدات أمام فرص تحقيق حل الدولتين، والرهان على حدوث تطورات إقليمية تخدم مصالحه، لاسيما مع سعيه لتغيير سواء أولويات المبادرة العربية ببناء أطر للعلاقات مع الدول العربية قبل الانسحاب الكامل من المناطق المحتلة، أو اتجاهات الصراع فى المنطقة، وتقديم نفسه كحليف للعرب فى تشكيل جبهة ضد إيران، وترسيخ التحول الإستراتيجى للمخاطر والتهديدات التى يتعرض لها الإقليم من الصراع العربى الاسرائيلى إلى الصراع السنى الشيعى الذى تنحاز فيه إسرائيل للدول السنية. على جانب مقابل تكتسب الزيارة المقررة للرئيس محمود عباس لواشنطن أهمية خاصة باعتبارها الخطوة الأخيرة لرسم وتحديد ملامح الموقف الفلسطينى من عملية السلام ، وفرصة لتوصيل رؤية القيادة الفلسطينية للسلام العادل والشامل فى الشرق الأوسط، والذى يرفض الحلول المؤقتة، أو دمج القضية فى إطار إقليمي، فضلاً عن عدم السماح بإدخال أية تعديلات على جوهر ومضمون مبادرة السلام العربية التى أقرتها القمة العربية فى بيروت عام 2002، وبما يحول دون تمكين إسرائيل من ابتزاز بعض الدول العربية بدعوى المشاركة فى مكافحة الإرهاب ومواجهة النفوذ الإيرانى فى المنطقة، مع ضرورة وضع سقف زمنى للمفاوضات الرامية لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس. ومن ثم تركيز المفاوضات على الجوانب الفنية لشكل الدولة الفلسطينية وطبيعة حدودها المستقبلية، ومن المفيد أن يسمع الرئيس ترامب من أبومازن الرؤية الفلسطينية للتسوية المدعومة من قادة الدول العربية فى قمة عمان، وإيضاح أن الدولة الفلسطينية ليست منة أحد، وإنما أصبحت واقعاً حقيقياً على خريطة النظام الدولي، ومساهمة إدارته فى تطبيق حل الدولتين على أساس حدود 1967سوف يحقق السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط، ويحد من فرص مزايدة القوى المتطرفة والإرهابية لاستغلال القضية الفلسطينية، ومعاناة الشعب الفلسطينى لتحقيق أهدافها وزعزعة مناخ الاستقرار الإقليمى. لمزيد من مقالات لواء. محمد عبد المقصود