يعقد قادة وزعماء الدول العربية قمتهم الثامنة والعشرين بالأردن يوم 29 مارس الجاري، وسط ظروف بالغة الدقة والحساسية نتيجة حالة عدم الاستقرار الأمنى التى تمر بها معظم دول المنطقة، فى ظل اتساع نطاق الخلافات العربية/ العربية، وتزايد معدلات التدخل السلبى من القوى الإقليمية غير العربية فى شئونها الداخلية، فضلاً عن تنافس القوى الدولية على تقاسم مناطق النفوذ وتقسيم دول المنطقة ومشاركة بعضها فى حروب بالوكالة بدفع من الدول الكبرى التى تعيد تشكيل العدائيات وتوزيع المخاطر والتهديدات على دولها ، ليصبح الصراع السني/الشيعى بديلاً عن الصراع العربي/ الإسرائيلي، وإنعكاس ذلك على الواقع العربى الذى فضلت منظماته الفاعلة فى المنطقة الإستعانة بتلك القوى لحل مشاكل دولها، حيث إستعانت منظمة دول مجلس التعاون الخليجى فى قمتها الأخيرة ببريطانيا لتكوين تحالف إستراتيجى وإقامة ثلاث قواعد بالمنطقة لمواجهة المد الشيعي. وليس من قبيل المصادفة أن تسعى القوى الإقليمية والدولية لتوسيع نفوذها فى المنطقة على حساب الدول العربية التى تمر بحالة غير مسبوقة من الضعف والتشرذم شجعت تلك القوى على التدخل فى شئون الدول العربية وإدارة الصراعات داخلها، وهو ما عكسه التنافس الإيراني/التركى على استدعاء الملف الفلسطينى لتفعيل دورهما الإقليمي، وإختراق أحد الملفات الإستراتيجية التى كانت تقليدياً حكراً على الدول العربية، بالتزامن مع تدخل إسرائيلى لتشجيع الإنقسام الفلسطينى والجغرافى والديموجرافى والمؤسسى بين الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن ثم فهناك ضرورة لصدور بيان قوى يدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى إطار مبادرة السلام العربية الرامية لإقامة دولة فلسطينية فى الضفة والقطاع على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، مع توظيف الدور التاريخى للأردن فى الإشراف على المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس للتأكيد على عدم التهاون مع الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب لإستكمال تهويدها، فضلاً عن المساعدة الجادة فى إنهاء الإنقسام الفلسطينى عبر تخلى الأطراف العربية والفلسطينية عن أحلام الزعامة التى تضر بمستقبل القضية الفلسطينية وتخدم الكيان الصهيوني. لقد ساهم إحجام الدول العربية عن التدخل بفعالية لتسوية الأزمات التى تشهدها كل من العراقوسوريا واليمن وليبيا فى تهيئة المجال أمام التدخل السلبى لكل من تركياوإيران فى شئون تلك الدول ودعم التنظيمات المسلحة لزعزعة إستقرار أنظمتها وتغيير هويتها والإستيلاء على ثرواتها، وممارسة الضغوط على القوى الكبرى لإشراكهما فى إدارة النزاعات الداخلية فى الدول العربية وصياغة أسس التسوية السياسية لتلك الأزمات بما يحقق أهدافهما التى تتعارض مع مصالح الدول العربية. وفى الوقت نفسه جاء الإعتراف الإسرائيلى بتوجيه ضربة جوية ضد أهداف ومواقع عسكرية سورية بدعوى عدم السماح بنقل صواريخ سكود المتطورة لحزب الله تأكيداً للخطوط الحمراء التى وضعتها لمنع كافة أشكال التواجد الإيرانى فى سوريا بعد انتهاء الأزمة السورية للحيلولة دون مكافأة إيران أو حزب الله على دورهما فى دعم النظام السورى ، لاسيما مع تطلع طهران لإنشاء قاعدة بحرية للأسطول الإيرانى فى ميناء طرطوس من ناحية، وتخطيط الحرس الثورى وحزب الله لتعزيز وجوده فى المنطقة الجنوبية لإستعادة السيطرة على هضبة الجولان من التنظيمات المسلحة وإعادتها للنظام السورى من ناحية أخري. وبالتالى فقد دخلت إسرائيل ضمن حسابات القوى الإقليمية غير العربية التى تعمل على تأمين مصالحها الإستراتيجية فى سوريا، وعدم السماح بتكوين هلال شيعى خاضع لسيطرة إيران يمر من طهران للعراق وسوريا ولبنان بشكل يمكن أن يمثل تهديداً للأمن القومى الإسرائيلي. ولاشك فإن التدخل السافر للقوى الإقليمية فى صياغة ترتيبات الأمن بالمنطقة وبموافقة ضمنية من القوى الكبرى سيمثل تهديداً للأمن القومى العربي، وبما يتطلب ضرورة تصرف القادة العرب بمسئولية مع متطلبات المرحلة الراهنة وعدم الإكتفاء بصياغة نص فى بيان القمة بمنع تدخل إيران السلبى فى بعض الدول العربية أو تكرار مطالبتها بالإنسحاب من الجزر الإماراتية الثلاث لأنها لن تستجيب، وبالتالى ينبغى التفكير فى خطوات عملية لتقويض النفوذ الإيرانى والتركى فى المنطقة وتبدأ بإستعادة سوريا للصف العربى والمشاركة، سواء فى صياغة مستقبل التسوية السياسية للأزمات التى يشهدها الإقليم، أو فى ترتيبات الأمن الإقليمي، مع عدم السماح بإنفراد إيرانوتركيا وروسيا والولايات المتحدة، ومن خلفها إسرائيل فى إعادة تنظيم الأوضاع بالمنطقة وفقاً لمصالحهم. فضلاً عن أهمية بلورة رؤية عربية موحدة لمكافحة الإرهاب الذى تمارسه التنظيمات التكفيرية المدعومة من بعض القوى الإقليمية والدولية، وفضح ممارسات تلك القوى للحد من دورها المخرب فى الإقليم، مع كسب تأييد القوى الدولية لجهود التسوية السياسية فى ليبيا لتوحيد أراضيها وشعبها وجيشها مع رفع الحظر المفروض على تسليحه لتمكينه من القيام بواجبه فى مواجهة تهديدات التنظيمات التكفيرية المنتشرة على أجزاء واسعة من الأراضى الليبية. نتوجه قبل القمة للقادة العرب بضرورة التوافق على مصالح الأمة ونستصرخهم للتخلى عن المكاسب الذاتية لتحقيق الأهداف القومية والحفاظ على الحد الأدنى من التوحد خلف الثوابت العربية قبل أن تتكالب علينا الأمم، فكلنا دول مستهدفة إلا من رحم ربي، ولا طاقة لنا لمواجهة المخاطر والتهديدات المحدقة بالأمة العربية إلا بالإعتصام بحبل الله وعدم التفرق وإظهار وحدتنا أمام العالم . مدير وحدة الدراسات الإسرائيلية/ الفلسطينية لمزيد من مقالات لواء. محمد عبد المقصود;