لم تكد تمر أيام قليلة على بيان قمة منظمة التعاون الإسلامى التى عقدت باسطنبول وأدانت فيه التدخلات الإيرانية فى المنطقة العربية, حتى جاء تصريح الرئيس حسن روحانى والذى يقر فيه بأن بلاده أرسلت قوات إلى سورياوالعراق تحت زعم الدفاع عنهما ومحاربة الإرهاب. والواقع أن تصريحات روحانى ليست بجديدة, فالتدخل الإيرانى معروف وموجود سواء بشكل مباشر عبر إرسال قوات ومليشيات مسلحة إلى العديد من الدول العربية مثل فيلق القدس وجيش بدر فى العراق, والمليشيات المسلحة التى تقاتل إلى جانب قوات النظام السورى, والخبراء العسكريين الموجودين فى اليمن, أو بصورة غير مباشرة من خلال دعم الأذرع العسكرية الحليفة لإيران مثل قوات حزب الله فى لبنان والحوثيين فى اليمن وقوات الحشد الشعبى فى العراق, إضافة إلى التدخل فى شئون الدول الخليجية مثل البحرين والكويت وتأجيج الثورات فيها, لكن الأمر الغريب هو تبرير روحانى للتدخل الإيرانى بأنه دفاع عن الدول العربية ومحاربة الإرهاب, وهو ما يحمل مغالطات كثيرة وتبريرات واهية. أولا: خبرة العقود الثلاثة الأخيرة أوضحت بجلاء أن الدور الإيرانى والتدخل فى القضايا والأزمات العربية كان دورا سلبيا ساهم بشكل كبير فى اندلاع تلك الأزمات وتعقدها وإطالة أمدها وفشل الحلول السياسية لتسويتها, فبعد الانسحاب الأمريكى من العراق سعت إيران لملء الفراغ السياسى فيه وأدى ذلك إلى تزايد حدة الاستقطاب فى المجتمع العراقى بين مكوناته الدينية المختلفة, حيث دعمت طرفا بعينه على حساب أطراف أخرى وكانت المحصلة هو استمرار العراق فى دوامته السياسية والأمنية, واستمرار البيئة المواتية لنمو التنظيمات الإرهابية مثل داعش, والتى لعبت على أوتار اضطهاد السنة لمواجهة المليشيات الإيرانية, وفى سوريا دعمت طهران بكل إمكانياتها السياسية والعسكرية قوات النظام فى قتاله ضد الشعب السورى وفصائل المعارضة المسلحة, ولم يكن دفاعها عن النظام والتمسك ببقائه سوى بهدف ضمان نفوذها ومصالحها فى سوريا, وذات الحال فى اليمن حيث ساهم الدعم الإيرانى للحوثيين فى تشدد موقفهم والانقلاب على الشرعية ورفض الحل السياسى. ثانيا: المنطق الإيرانى فى التدخل تحت مسمى نصرة المظلومين والمقهورين, إنما هو فى الحقيقة نصرة ودعم فئة بعينها موالية لها سياسيا ودينيا, على حساب الفئات والطوائف الأخرى والتى تعانى من المظلومية والأوضاع الإنسانية المتدهورة, وهو ما كرس حدة الاستقطاب الداخلى فى هذه البلاد, كما أنه كرس حدة الصراع الداخلى على أسس طائفية, وبالتالى أجج الصراعات العربية وأدخلها فى دوامة لا نهائية من العنف الذى راح ضحيته مئات الآلاف من الأشخاص وملايين المهجرين وتدمير البنية الأساسية ومؤسسات الدولة. ثالثا: تمدد النفوذ والدور الإيرانى فى القضايا العربية يعود بشكل أساسى لحالة الفراغ والضعف العربى والتى زادت بشكل كبير بعد ثورات الربيع العربى, وانسحاب الدور العربى فى معالجة تلك الأزمات, مما أعطى الفرصة للدور الإيرانى بأن يتصاعد على حساب المصالح العربية, ومن ناحية أخرى ساهمت الازدواجية الغربية فى التعامل مع قضية الإرهاب فى نمو الدور الإيرانى السلبى, ففى الوقت الذى أعلن فيه الغرب الحرب على الإرهاب وعلى التنظيمات الإرهابية السنية مثل القاعدة وداعش وجبهة النصرة وغيرها, فإنه تغاضى عن التنظيمات الإرهابية الشيعية والتى لا يقل خطرها عن التنظيمات السنية, وتمارس نشاطها بوضوح فى العراقوسوريا واليمن, بل إن أحد عوامل نمو تنظيمات مثل داعش والقاعدة كان رد فعل على تعاظم دور التنظيمات الشيعية المسلحة التى تدعمها إيران. رابعا: أن إيران لم تنتقل حتى الآن من مرحلة الثورة وتصديرها إلى الخارج إلى مرحلة الدولة التى تلتزم بعدم التدخل فى شئون الدول العربية واحترام سيادتها, وإذا كان من حق النظام الإيرانى أن يسعى لتعظيم مصالحه ودوره الإقليمى, فليس من حقه أن يكون على حساب الدور العربى واستغلال حالة السيولة التى يعيشها العالم العربى حاليا فى العديد من دوله, ولذلك من مصلحة الطرفين العربى والإيرانى أن تكون هناك علاقة احترام متبادل وتعاون تجارى واقتصادى بما يخدم مصالح شعوب المنطقة, فالدول العربية تعترف بحق إيران فى تطوير قدراتها النووية السلمية لكنها تتحفظ على امتلاكها لقدرات عسكرية تشكل تهديدا واضحا لأمن واستقرار المنطقة, كما أن هناك تحفظات ومخاوف عربية مشروعة من تنامى الدور الإيرانى السلبى فى المنطقة بعد توقيع اتفاقها النووى مع الغرب, وسياساتها لتوظيف هذا الاتفاق لزيادة قدراتها المالية والعسكرية فى إطار مساعيها لبسط نفوذها وسيطرتها على المنطقة, وهو ما أقره به قائد الحرس الثورى الإيرانى عندما أعلن قبل شهور سيطرة بلاده على أربع عواصم عربية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. ولاشك أن وجود علاقات صحية بين إيران والدول العربية سوف يخدم أمن واستقرار المنطقة ويخدم الطرفين, بشرط أن تتخلى طهران عن تدخلاتها السلبية فى القضايا والأزمات العربية, وأن تتخلى عن منطق الثورة وما تدعيه نصرة المظلومين, وأن تلعب دورا إيجابيا بحكم نفوذها فى سورياوالعراق واليمن ولبنان, فى تهدئة الأزمات المستعرة فى تلك الدول, وفى اتخاذ موقف حيادى من أطراف الأزمة والتوصل إلى حل سياسى توافقى يشمل الجميع, ويحافظ على استقلالية تلك الدول ووحدتها, ومن هنا فإن الكرة الآن فى الملعب الإيرانى لتغيير مواقفها وسياساتها, وهو أمر لن يتحقق إلا إذا اقتنع النظام الإيرانى بأن التعاون والاحترام, وليس الصراع والتدخل, هو فى مصلحة الجميع. لمزيد من مقالات د . أحمد سيد أحمد