عندما كنت أزور الراحل العلامة السيد يسين في مكتبه أجده يبادرني بسؤال ... أين أنت يا أستاذ.. ما هي أخر ابداعاتك ؟ ,.. كنت أعتقد أنني الوحيد الذي يسأله هذا السؤال.. وما أن أجلس أمامه لمدة دقائق معدودة الا وأجده يطرح ذات السؤال علي القادمين اليه أفواجا شخصا بعد شخص وكلهم باحثون متعددو الاتجاهات الفكرية والمشارب الثقافية لكن جمعتهم مدرسة السيد يسين معا , وهنا يدور حوار راق وجاد بين الأستاذ وتلامذته يطرحون عليه اجاباتهم كل في مجاله , وهو مستمع جيد يسجل ملاحظاته بدقة متناهية ثم يبدأ في تفنيد ما طرح عليه ويحاور صاحبه محاورة ابداعية منهجية يستفيد زائره منها خير استفادة في مشواره البحثي . السيد يسين بنموذجه هذا بني أجيالا من الباحثين المصريين والعرب من أنصار مدرسة النقد الاجتماعي البناء ومنهج التحليل الاجتماعي الثقافي لظواهر المنطقة والعالم من حولنا , وأشرف أنني من تلامذة هذا العلامة وقد كتب عن كتابي (البحث عن مصر ... أمة في انتظار التغيير) الصادر عام 2005 عمودا في جريدة القاهرة , كما كتب مقدمة كتابي ( الليبراليون والفرصة الثانية) بعنوان تواصل الأجيال , وهو بحق يؤمن بضرورة هذا التواصل لأن مشروع النهضة من وجهة نظره يحتاج للتراكم العلمي المعرفي الذي تقوم به أجيال متعددة كل يبني علي انجازات سابقه . السيد يسين ابن عروس البحر المتوسط يلاحق الأفكار والنظريات الفكرية الجديدة كما تتلاحق الأمواج , يصطدم بها ويفندها بعقل نقدي ابداعي , وهو يعد من مؤسسي مدرسة النقد الاجتماعي الثقافي البناء في وطننا العربي ومساهما فاعلا في هذه المدرسة علي المستوي العالمي , يؤمن بعبقرية الانسان المصري والعربي وقدراته الفكرية كما أمن العلامة جمال حمدان بعبقرية الجغرافيا السياسية لمصر , وهو يري مركزية الدور المصري في مشروع النهضة العربي , لكن هناك اشتراطات حددها العلامة السيد يسين لنجاح هذا المشروع لعل أهمها وجود كتلة صلبة من المثقفين المصريين والعرب كقوة ناعمة دافعة وملتزمة بنشر فكر النهضة والدفاع عنه , وثانيها وجود تحديث ديمقراطي حقيقي في النظم السياسية العربية يؤمن بتداول السلطة وتداول البرامج والسياسات ومن ثم قبول الرأي الأخر المختلف والاستفادة منه , وثالثها نهضة علمية حقيقية ,وتعليم مدني حديث , فمبقدار اعتماد الدولة ومؤسساتها علي البحث العلمي بقدر ما تتحقق النهضة والعكس بالعكس , ورابعها أن تكون الصناعة جوهر ومركز عملية التنمية الشاملة , ويسين في هذا الطرح يبني علي ما طرحه مفكرو عصر النهضة العربي منذ القرن التاسع عشر وحتي الان , أي منذ أطروحات رفاعة الطهطاوي وحتي يومنا هذا . رحم الله عالمنا العلامة السيد يسين وجزاه خيرا عما تركه لنا من علمه الغزير وجعله صدقة جارية عليه واليه الي يوم الدين . لمزيد من مقالات مختار شعيب