أكتب إليك وقد اقترب العمر من نهايته، وأوشكت على الرحيل ربما أجد لديك إجابة على سؤال يحيرنى منذ سنوات الصبا وحتى الآن، فأنا رجل تعديت الستين ببضع سنوات، وشهدت حياتى الكثير من المآسى والأحداث المروعة، ودعنى أروى لك قصتى منذ البداية، فلقد نشأت فى أسرة ثرية بإحدى قرى محافظة الغربية لأب غنى، ورث ثروة طائلة عن جدى، وكان وحيد أبويه، وأم ربة منزل من أسرة بسيطة، وكان قد تزوج قبلها مرتين، ولم ينجب من زوجتيه، لا الأولى ولا الثانية، وعندما ارتبط بأمى كان عمرها ثلاثة عشر عاما، وتتمتع بطيبة شديدة، ولا تفهم شيئا فى أمور الدنيا حولها، وقد أثرت نشأة أبى وحيدا عليه بالسلب، إذ تركه أبواه يفعل ما يحلو له فانجرف إلى أصدقاء السوء، وبعد رحيلهما عن الحياة أصبح فريسة سهلة لأتباع الشياطين، وعرف طريق القمار والمخدرات، والسلوك السيىء، وفى تلك الفترة أنجبنى وأختا لى رحلت عن الحياة بعد ولادتها، وبقيت وحدى، وعانت أمى الأمرين معه، لكنها لم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة، ولم يجرؤ أحد من طرفها على الحديث معه فيما يفعله، وخلال أربع سنوات باع الأرض، وبعثر الأموال التى ورثها عن أبويه، وشيئا فشيئا انفض الجميع من حوله، فانتابته حالة ضيق شديدة، فطلق والدتى، وباع البيت وطردنا إلى الشارع، ثم غادر القرية إلى غير رجعة، وحاولت أمى بكل السبل أن نظل فى مكاننا لكن أصحاب المنزل الجدد رفضوا إعطاءنا ولو حجرة واحدة إلى أن ندبر أمورنا، فحملتنى والدتى، وسارت فى الشوارع هائمة على وجهها بعد أن مات أبواها، ولم يعد لها هى الأخرى أى سند فى الحياة، إذ ابتعد عنها أشقاؤها، وفور أن رأوها أغلقوا الباب فى وجهها، ولم تجد لقمة عيش واحدة تعطيها لى وأنا أبكى من شدة الجوع، وكان عمرى وقتها ثلاث سنوات، بل إننى عرفت فيما بعد أنها أكلت «طوبا أحمر» فى تلك الليلة وربطت بطنها الخاوى من الطعام لعدة أيام، وانتحت جانبا من الشارع ونامت وهى جالسة، وما أن بدت تباشير الصباح، ورآها عمال اليومية الذين يعملون فى الحقول حتى عرضوا عليها أن تعمل معهم ففرحت وأخذتنى معها إلى «الغيط»، واستأجرت حجرة بسيطة فى منزل قديم، ومر عام كامل على هذه الحال، وذات يوم شاهدها رجل فاضل كان يتردد على القاهرة لشراء بضاعة لمحل يملكه، فأبلغها أنه باستطاعته توفير عمل لها فى العاصمة بدلا من البهدلة والذل ليلا ونهارا، فاستجابت على الفور، وعملت خادمة عند أناس محترمين، ومر عامان آخران، وهى تتطلع إلى غد أفضل، وتتضرع إلى الله بالدعاء أن يلهمها الصبر، وأن يكتب لنا الفرج من حالة الضيق، فأصعب شىء على المرء ألا يجد من يأنس به أو يبثه همومه وأحزانه، ويسترشد برأيه فيما يعانيه من مشكلات، وكانت برغم هذه المتاعب جميلة، يرتاح لها كل من ينظر إليها، فجذبت برقتها وجمالها الهادىء رجلا يعمل فى «بنزينة»، ولمّا عرف حكايتها طلبها للزواج، لكنها رفضت خشية أن تتكرر حكايتها مع أبى، ولم ييأس، وواصل إلحاحه عليها مرات عديدة، وأخذ يبثها قصصا ومواعظ تدل على أنه رجل تقى يخاف الله، وأنه سوف يعوضها عما لاقته من عذاب، ويعاملها معاملة حسنة، فأخبرته من باب «جس النبض» أن معها خمسة أولاد من مطلقها، فقال لها: «مهما يكن عددهم سيكونون أولادى»، فاطمأنت إلى أنه سوف يعاملنى، وأنا ابنها الوحيد، كإبن له، وكان عمرى وقتها ست سنوات، وانتقلت معها إلى بيت زوجها، والتحقت بالمدرسة، ومر عام بدا فيه الرجل عند الظن به، ثم أنجبت أمى منه أخا لى، ولم تمض أسابيع على ولادته حتى انقلب الملاك إلى شيطان، وأذاقنى أشد ألوان العذاب بلا ذنب ولا جريرة، وحاولت أمى أن تعرف ما حدث، وما الذى تغير فيه لكى يتحول هذا التحول الرهيب، فلم تفلح، ثم تبين لها أنه أدمن المخدرات، وأصبحت تنتابه هذه الحالة إذا لم يأخذ المخدر فى موعده، وكان «يكتفنى» بالحبل ويعلقنى فى السرير، فإذا تدخلت أمى لإنقاذى منه ينهال عليها ضربا وركلا، فتصرخ بأعلى صوتها، وتتقطع أنفاسها ولكن من يسمعها وقد كتم أنفاسها وأنفاسى، وهددنا بالموت إذا أحس أحد من الجيران بما يفعله بنا؟!. وخشيت أمى أن يفتك بى بعد أن وجدت فى عينيه نظرة الغدر، فطلبت من صاحب ورشة خشب أن أعمل لديه بعد خروجى من المدرسة، وأن «أبات» عنده حتى الصباح، فوافق الرجل مشكورا، وبدأت حياتى الجديدة، فكنت أستيقظ مبكرا فأفتح الورشة، وبعد أن يأتى صاحبها أسلمها له، وأذهب إلى المدرسة، وبعد عودتى منها أتأكد أولا من أن زوج أمى غير موجود، فأسرع إلى المنزل أبدل ملابسى، وأتناول بعض الطعام، وهو غالبا «العيش الحاف»، وأعود إلى الورشة، ويعطينى صاحبها آخر اليوم وجبة طعام ثم يغلق علىّ بابها حتى الصباح!.. إنها حياة مؤلمة لكنى تعودت عليها، واستمررت على هذه الحال إلى أن وصلت إلى الصف الخامس الابتدائى، ففى ذلك الوقت كانت والدتى قد أنجبت من زوجها ثلاثة اخوة لى، فضاق ذرعا بها وبأولادهما وتركهم لمصير مجهول، وخرج إلى مكان غير معلوم، فأخرجتنى من المدرسة، وتوليت مهمة الجلوس مع اخوتى الثلاثة، وخرجت هى للعمل فى البيوت، ومرت سنوات أخرى على وضعنا الجديد، ثم ظهر زوجها مرة أخرى، فتوقفت عن العمل، ودفعتنى مكانها فى خدمة البيت الذى كانت تعمل فيه، فعرفت مسح البلاط، وكنس البيت، وأبلغتنى صاحبته أن والدتى تأخذ راتبى منها، ثم أنجبت أمى أختا رابعة لى، وإذا تصادف ورأتنى فى إحدى زياراتها لهذه السيدة تقول لى: «معلش يا ابنى، كان لازم أضحى بواحد علشان أربعة، بس أخوتك مش حينسوا جميلك أبدا ولا حيسيبوك».. واستمررت فى المعيشة فى كنف صاحبة المنزل، وتحسست منها أخبار أمى واخوتى وزوجها، وعرفت أنها تحيا معه فى غير استقرار، فتارة يتركها، وتارة أخرى يعود إليها، ورضيت بما قدره الله لى، ولم أتذمر، ولم أحمل حقدا ولا غلا لأحد، ولم يكن معى أى «فلوس»، حتى ولا قرش صاغ واحد، وحدث بعد ذلك أن والدتى غابت أربعة شهور لم تطرق خلالها باب صاحبة المنزل التى أعمل عندها، وكان عمرى وقتها خمسة عشر عاما، فطلبت هذه السيدة الفاضلة أن أسأل عن أمى، فربما يكون قد أصابها مكروه، وأعطتنى العنوان الذى كانت تحتفظ به، فذهبت إلى هناك ولم أجدها، ولما سألت الجيران عنها أبلغونى أن زوجها أخذها إلى أهله فى عزبة بإحدى المناطق الشعبية، ووصفوا لى الطريق إليها، فقصدتها، وهناك التقيتها، وإذ بى أجدها «ذابلة» و«منكسرة» تماما، وشرحت لى بعض مشاهد العذاب التى تعرضت لها، فأهل زوجها أخذوا منها أولادها، وحبسوها فى حجرة طوال المدة التى غابت فيها عنى، وأرادوا الخلاص منها بأى شكل، فهدأت من روعها، وقلت لها: لن أتركك، فقالت لى: «ابعد عن المكان ده لأنهم ممكن يموتوك، ومحدش حيعرف عنك حاجة، ودى مشكلتى وأنا ححلها»!، فخرجت من عندها باكيا على حالها، وساخطا على حالى لأول مرة فى حياتى، فلقد كان مشهدا داميا ذلك الذى رأيتها عليه، وعدت إلى السيدة، ورويت لها ما حدث، وظللت مستمرا فى المعيشة والعمل معها، ولم أنس أمى فتابعتها، وعرفت أن اخوتى الأربعة «ثلاثة أولاد وبنت» تفوقوا فى دراستهم، وعندما بلغت ثمانية عشر عاما، وجدتنى مضطرا للعودة إلى بلدى فى الغربية، وعملت بالفلاحة، وعشت فى منزل بالإيجار، ثم استقررت فى مزرعة، وصار لى دخل لا بأس به، وتزوجت بفتاة بسيطة وطيبة رضيت بظروفى، وشاركتنى «الحلوة والمرة» فى حياتى، ولم تنقطع صلتى بأمى وأخوتى، فكانوا يزوروننى باستمرار، وواصلوا تفوقهم، ولم أبخل عليهم بشىء برغم بساطة حالى، وكثيرا ما رددت أمى على مسامعهم ألا يتركونى وحدى، وأكدت عليهم أن وصيتها الوحيدة لهم ألا يقطعوا صلتهم بى، وألا يتركونى وحدى، وأفاضت فى شرح ما قدمته من أجلهم، وتعاهدت معهم على ذلك، ثم رحلت عن الحياة. وكان زوجها حتى ذلك الوقت هائما على وجهه، ثم هداه الله واستقام وعمل على «تاكسى»، واحتوى أبناءه، لكنه ظل معاندا لى، ولم يسأل عنى مرة واحدة، ومرت الأعوام وتخرج اخوتى جميعا فى الجامعة، والتحقوا بوظائف مهمة، وصار لكل منهم زوجة وبيت وأولاد، كما تزوجت أختى من رجل مهم، وفتح الله عليهم أبواب الرزق، ويوزعون الأموال من زكاة أموالهم على الفقراء والمساكين بينما ينسون أخاهم الذى ذاق الأمرين من أجلهم.. أتتخيل يا سيدى أننى لم أر أيا منهم منذ وفاة أمى؟.. إنهم لا يريدون أن يعرف أحد أننى أخوهم وتبرأوا منى خوفا من العار الذى يظنون أنه سيلحق بهم لو ظهرت الحقيقة للناس!.. لقد تحملت العذاب والهوان طول عمرى وعجزت فى الفترة الأخيرة عن علاج زوجتى من السرطان الذى أصيبت به وأظهرته الأشعات والفحوص، وظننت أننى سأجد العون من أخى الذى يلينى فى السن، وكان يشغل مركزا مرموقا بجهة كبرى قبل إحالته إلى التقاعد، فذهبت إليه لكى أبلغه بأن زوجتى مصابة بمرحلة متقدمة من سرطان الكبد، وأن الدواء الذى وصفه لها الأطباء لا طاقة لى بثمنه الباهظ، وعندما طرقت باب شقته فى العنوان الذى وصفه لى أحد معارفنا، فتحت لى سيدة سألتها عن أخى، وقلت لها اننى أخوه، ونظرت إلى داخل الشقة ووجدته جالسا فى مواجهتى، وما أن سمع إسمى حتى أصابته حالة هلع، واختبأ وراء الستارة وأشار إليها بيده لإبلاغى أنه «مش موجود»، أى بدلا من أن يتذكر جزءا مما فعلته من أجله هو واخوتنا، ويأخذنى بالأحضان، إذا به يتنكر لى، وعدت أجر أذيال خيبتى فى اخوتى، والندم على عمرى الذى راح فى خدمة من تركونى نهبا للزمن. إننى أعيش حياة قاسية فى الوقت الذى ينعم فيه اخوتى بمناصبهم، وقد صار لهم أحفاد وأسر مستقرة، أما أبوهم فمازال موجودا على قيد الحياة، وتزوج من سيدة تصغره بعشرات السنين، لكنه غير مرتاح البال، بعد أن تركوه هو أيضا يصارع الحياة، فهم أصحاب «نفوس ميَّتة» لا يتخيلون أنهم سوف يتجرعون كأس المرارة التى تجرعتها مهما تطل السنين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. ولكاتب هذه الرسالة أقول: فى قصتك عبر ومواعظ كثيرة، أهمها ضرورة أن يتخير الأهل لابنتهم زوجا مناسبا قادرا على إقامة بيت ناجح، وأسرة مستقرة، فلا يهم أن يكون ثريا ومرتاحا ماديا فقط، وإنما الأهم من ذلك أن يكون ذا شخصية سوية، وقادر على تحمل المسئولية، وهو ما لم يكن أبوك مؤهلا له منذ البداية.. صحيح أنه كان من أعيان قريتكم، وكان يملك الكثير من الأراضى والأموال الطائلة، لكن أبويه لم يحسنا تربيته، وتركاه فريسة لأصدقاء السوء وأهوائهم فانصاع لهم وانجرف فى تيارهم، فأضاع كل شىء، ثم خرج بلا عودة حتى إنك إلى الآن لا تعلم له مكانا، ولا تعرف هل مازال على قيد الحياة أم رحل بلا رفيق ولا أنيس، ولا حتى مقبرة معلومة له؟! أيضا فإن إقدام المطلقة التى معها أولاد من آخر، على الزواج له محاذيره الكثيرة، وينبغى أن يكون مقرونا بحسابات كثيرة فى حضور أهالى الطرفين، فزوج الأم ليس ملزما بتربية أبنائها وحبهم، كما أن إعادة ترتيب العائلة معه مرهونة بتوافر المحبة والحنان اللازمين لتحقيق الثقة المتبادلة والعيش المشترك بين الجميع، فهناك أبناء كثيرون يرفضون زواج أمهاتهم مرة أخرى خوفا من أن يحل رجل آخر محل أبيهم، ويعتبرون سلطته عليهم غير شرعية، كما يغيرون على أمهم بعد أن أصبحت تحت هيمنة رجل غريب، وقد تتركهم لتعيش مع زوجها الجديد كما فعلت أمك معك، وهى وإن كانت الظروف قد لعبت دورها ضدها فإنه كان يتعين عليها ألا تترك الحبل على الغارب لإنجاب الأطفال وإلقاء المسئولية كلها عليك لتربيتهم، فعندما أذاقها العذاب بعد أن وضعت ابنها الأول منه، كان ينبغى عليها أن تتريث بعض الشىء ولا تنجب آخرين، وأن تدرك أن لها ابنا آخر وقفت ظروف الحياة ضده، فذاق مرارة الحرمان منذ سن الطفولة، ولا يدرى أين أباه، ولا ما هى عائلته، ولا ما الذى أدى به إلى الحرمان والذل الذى يعيشه؟، ولو أنها أخذت ذلك فى الحسبان لتغيرت الأوضاع وربما أنقذتك من المصير الذى انسقت إليه رغما عنك، فلم يكن معقولا ولا مقبولا أن تخرجك من المدرسة، وأن تجعلك خادما فى البيوت من أجل أن تصرف عليهم، وكان ينبغى عليها إن لم تعاملك مثلهم على قدم المساواة أن تدعك وشأنك، وقد كنت كفيلا بفعل عوامل الزمن أن تتعلم وتخدم السيدة التى عشت فى كنفها، وما كنت أظنها ستتخلى عنك أبدا، ولكن على أى حال مادمت قد قدمت تضحيتك الكبيرة لأخوتك فإن عليهم أن ينزلوك منزلة الأخ الأكبر الذى يفخرون به لا أن يتخلوا عنك، وان يستجيبوا لوصية أمكم بأن يؤازروك فى محنتك، ويمدوا جسور التواصل معك، ويوفروا العلاج لزوجتك على الأقل من زكاة أموالهم، فمن حقك أن تنال قسطا منها، إذ لا مانع من دفع الزكاة للأخوة والأخوات ماداموا يستحقونها بصفة من الصفات المذكورة فى الآية الكريمة «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (التوبة 60)، بل إن دفع الزكاة لهم فى هذه الحالة صدقة وصلة، وخير الصدقة ما كان على الأهل، وإن خيرية المرء مرهونة بخيريته لأهله، فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى»، كما أن رابطة الأخوة متينة وتعميقها وترسيخها دليل على تفهم الجميع معنى الأخوة، وبرهان على رقى وضعهم الأخلاقى، ولذلك أحسب أن عليهم الآن وقبل فوات الأوان، السعى إلى أن يطرقوا بابك وأن تتكاتفوا معا للوصول إلى «بر الأمان الأخوى»، وتصبحوا منسجمين برغم تفاوت مستوياتكم الثقافية والفكرية، والنفسية والصحية والميول والمؤهلات التعليمية والذاتية، ويتحقق هذا الانسجام بالحب والإيثار والتضحية، والتعاون والاحترام، والعفو والتسامح، ففى ذلك بركة للجميع. وأقول لكم: إن السيطرة على النفس من أن ترتكب بحق الأخوة حماقات، كما فعل أخوك معك، أو تضمر الكراهية لأحدهم، هذه السيطرة تعد نقطة البداية نحو تسوية ما يعلق بالنفوس، وجعلها تحيا من جديد، لا أن تصبح نفوسا ميَّتة، كما هى حال أخوتك الآن، فلو أن أخاك استقبلك، وأعطاك مما أفاض الله عليه من نعمه لهدأت نفسك تجاهه تماما، ولاعتبرت ذلك إحسانا منه وعطفا عليك، وفى ذلك يقول تعالى: «الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» [ال عمران 134]، وقد سئل أحد السلف رحمهم الله تعالى: «أيها أحب إليك.. صديقك أم أخوك؟، فقال إنما أحب أخى لأنه صديقى». ومن هذا المنطلق أدعوكم جميعا إلى تجاوز الماضى بكل ما فيه، فلسنا اليوم بصدد إلقاء اللوم على أحد، فالأخوة أيا كانوا غير معصومين من الذلل، ويتعرضون للخطأ، وتصدر عنهم الهفوة، ويقعون فى الكبيرة، فإن بدر منهم شىء من ذلك فتلتزم جانب العفو معهم، فإن العفو من شيم المحسنين، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، مع قبول عذرهم إذا أخطأوا، فلقد فعل أخوة يوسف عليه السلام ما فعلوا به، وعندما اعتذروا له قبل عذرهم، وصفح عنهم الصفح الجميل ودعا الله لهم بالمغفرة حيث يقول تعالى «قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» (يوسف 92)، وإنى أطالب أخوتك بأن يبادروا بالاتصال بك، ولا تأخذهم العزة بالإثم، فأنت أخوهم، وكل من حولك يعلمون ذلك، ولن يتنصلوا من هذه الحقيقة أبدا، وعليهم أن يعودوا إلى رشدهم، وليتقوا الله فيك، وأذكرهم بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» رواه مسلم، و»الكلمة الطيبة صدقة» متفق عليه، و«من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته» متفق عليه، و«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه البخارى، وأطالبهم بأن يحسنوا إليك بزيارتك، وتفقد أحوالك حتى يوسع الله عليهم ويزيدهم فى العمر، ويجعل نفوسهم آمنة مطمئنة.. وليعلموا أن الإنسان كما يدين يدان، فلا بقاء لحال، وليتذكروا دائما قول الحق تبارك وتعالى: «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ» (ال عمران 140).. أسأل الله أن يحيى نفوسهم الميَّتة، وأن يسارعوا إلى علاج زوجتك، وهو وحده المستعان.