حين يكون الحديث عن الأفكار فإنه يحمل فى طياته الكثير من العمق، والحزن فى بعض الأحيان. وفى القارة الأفريقية تجارب تشير فى معظمها إلى أحداث مظلمة وقاسية على العقل الأفريقى الذى عاني، ولا يزال، من ويلات الاستغلال، وذهب الأمر إلى أبعد من ذلك بإيذاء الكرامة الأفريقية عبر قرون طويلة، والأفكار الأفريقية مزجت قوة العقل بشراسة الكفاح ضد الاستغلال والاستعلاء الاستعمارى الذى مارسه الإنسان الأبيض فى ربوع القارة تحت مزاعم ورايات كاذبة. وكان «ستيف بيكو» أحد رواد العقول الأفريقية الشابة الذى نشأ على قيم الحرية والاستقلال والكرامة، ونادى بها آباء الاستقلال، على رأسهم كوامى نكروما الذى نادى بالوحدة الأفريقية، مع التشديد على الوحدة الثقافية والفهم المشترك للخصوصية الأفريقية كعنوان لهوية أفريقية جامعة وتأثر أيضا بجومو كنياتا، وسينجور، وإيمى سيزار، وعلى مزروعي، ورودني، وآخرون. وكان «بيكو» أحد رواد ومفكرى حركة الوعى الأسود، ولد عام 1946 وتعلم فيها ايضا، وتعلم فى ظل النظام العنصرى وتربى على كراهية العنصرية التى مارست كافة أنواع التنكيل ضد الإنسان الأسود وأصحاب الدار، ووقف صلبا أمام هذا النظام، ولم يقف الأمر عند أفكاره فقط بل كان له نشاط سياسى يفخر به الأفارقة. وجدير بالذكر أن حركة الوعى الأسود على الرغم من نشأتها فى الولاياتالمتحدةالأمريكية إلا أنها امتدت إلى جنوب أفريقيا حيث أن واقع التمييز من جانب النظام العنصرى ضد أصحاب الدار من السود الأفارقة دفعت الجماعة السوداء إلى طريق الممارسة ودفع الظلم الممتد عبر سنوات طوال فى هذه البقعة من العالم. أما عن أهم أفكاره فكانت نظرته إلى الحرية التى تعكس ضرورة تخليص العقل الأفريقى من العبودية البيضاء والقضاء نهائيا على كل عقد النقص والدونية التى كانت مغروسة فى العقول السوداء تجاه المستعمرين ووصفهم بالسود الأفارقة، وبأنهم لا يستطيعون فعل أى شئ إلا من خلال قيادة بيضاء، ودعا إلى رفض كل القيم التى تدعو إلى التقليل أو التحقير من الإنسان الأفريقى ونادى بضرورة إعادة دراسة التاريخ الأفريقى والعودة إلى الأصول التى تاهت بفعل بفاعل، وكانت نظرته للوحدة تعتمد بالأساس على اللون الأسود كرابط موحد ومصدر فخر واعتزاز وذهب إلى التأكيد على أن الشعور بالنقص بسبب اللون بمثابة الاعتراض على مشيئة الرب، وكانت رؤيته هذه بمثابة الدعوة إلى حرية الإنسان الأسود من عبودية من استغله وزرع فى عقله قيم بالية ينبغى أن تزول سريعا، هذه الأفكار تحولت إلى جدار حركى وتنظيمات ترفض الممارسات العنصرية من النظام السياسى فى بلاده. وذهب أيضا إلى رفض المسيحية البيضاء معتبرا إياها سببا فى عبودية الإنسان الأسود، ونادى بتعليم وثقافة سوداء بالأساس بعيدا عن التعليم والثقافة البيضاء ورفض الثقافة البيضاء التى ترسخ من قيم الأنانية والفردية مؤكدا أن الثقافة الأفريقية منذ زمن بعيد أعلت من شأن الجماعة والوحدة، ودعا إلى كتابة التاريخ الأفريقى بأيدى الأفارقة والتعظيم من الأبطال الأفارقة الذين قاوموا المستعمر مثل قادة ممالك «الزولو» ، وقد كان حادا فى وصفه عندما قال أن جنوب أفريقيا تنتمى للأفارقة وتنتمى لهم فقط. ونادى «بيكو» بمسيحية سوداء «ولاهوت» مسيحى أسود بعيدا عن المسيحية البيضاء التى تكرس لعبودية الإنسان الأسود، ونادى باستقلال الكنيسة السوداء ورجال الدين السود عن غيرهم. رحل «بيكو» عام 1977 متأثرا بنزيف فى المخ نتيجة تعذيبه بعد احتجازه نتيجة لمشاركته فى مظاهرات ضد النظام العنصرى وأنكر نظام «الأبارتيد» ، وكانت جنازته حاشدة، رحل دون أن يرى بلاده تتغير كما تمني. تاركا أفكارا ونضالا يفخر به كل أفريقى فى ربوع القارة.