امتازت مجتمعاتنا الشرقية عمومًا بالحفاظ على الأسرة التي هي أساس بناء المجتمع، لكن هذا البنيان اليوم يتعرض لهزات عنيفة في مواجهة تحديات عصر المعلومات، فنحن مجتمعات مستهلكة للتكنولوجيا للأسف ولسنا صانعيها، ومن هنا صرنا صرعى لعصف موجاتاها العاتية. لقد أضحت الأسر اليوم تعاني جفافًا في المشاعر من قبل الأبناء؛ بسبب الانكفاء على وسائل الاتصال وما تقدمه لنا من خدمات معلوماتية واجتماعية وترفيهية، وأصبح كل رب أسرة أو ربة أسرة يعاني الأمرين يوميا مع أولادهما بسبب عدم التحكم في التدفق المعلوماتي وكيفية استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة. لكي نواجه التحديات التي تفرضها علينا ثورة المعلومات والاتصالات لا بد من اتباع الخطوات الآتية: 1- إعادة النظر في الاهتمام بعناصر الأسرة (الأب - الأم) وما حاجتنا إليها في هذا العصر: فالأسرة أولاً هي الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية، وهي التي تغرس لدى الطفل المعايير التي يحكم من خلالها على ما يتلقاه فيما بعد من سائر المؤسسات في المجتمع، فهو حينما يغدو إلى المدرسة ينظر إلى أستاذه نظرةً من خلال ما تلقاه في البيت من تربية، وهو يختار زملاءه في المدرسة من خلال ما نشأته عليه أسرته، ويقيِّم ما يسمع وما يرى من مواقف تقابله في الحياة، من خلال ما غرسته لديه الأسرة، وهنا يكمن دور الأسرة وأهميتها وخطرها في الميدان التربوي. أ - دور الأب: للأب دور مهم جدا في رعاية أولاده؛ لأن كل ولي أمر مسئول أمام الله عز وجل يوم القيامة عن رعيته، وفي ذلك يقول ربنا: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة…"، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: "كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته، فالرجل راع ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها…" الحديث. وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا في الحديث المتفق عليه "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" والنصوص والآيات كثيرة في هذا المقام؛ فمن هنا يتوجب على الأب أن يهتم بالرعاية الثقافية والأخلاقية لأولاده وخاصة في عصر التحدي المعلوماتي. ب – دور الأم: إن مرحلة الطفولة المبكرة مهمة لتنشئة الطفل، ودور الأم فيها أكبر من غيرها، فهي في مرحلة الرضاعة أكثر من يتعامل مع الطفل، ولحكمة عظيمة يريدها الله سبحانه وتعالى يكون طعام الرضيع في هذه المرحلة من ثدي أمه، وليس الأمر فقط تأثيراً طبيًّا أو صحيًّا، وإنما لها آثار نفسية أهمها إشعار الطفل بالحنان والقرب الذي يحتاج إليه، ولهذا يوصي الأطباء الأم أن تحرص على إرضاع الطفل، وأن تحرص على أن تعتني به وتقترب منه لو لم ترضعه. فالمقصود أن الأم في هذه المرحلة تتعامل مع الطفل أكثر مما يتعامل معه الأب، وفي هذه المرحلة سوف يكتسب العديد من العادات والمعايير، ويكتسب الخلق والسلوك الذي يصعب تغييره في المستقبل، وهنا تكمن خطورة دور الأم فهي البوابة على هذه المرحلة الخطرة من حياة الطفل فيما بعد، حتى أن بعض الناس يكون مستقيماً صالحاً متدينًا، لكنه لم ينشأ من الصغر على المعايير المنضبطة في السلوك والأخلاق، فتجد منه نوعاً من سوء الخلق وعدم الانضباط السلوكي، والسبب أنه لم يتربَّ على ذلك من صغره؛ ومن هنا فعلى الأم أن تطور نفسها معلوماتيا، وتثقف نفسها جيدا من أجل تربية نشء يستطيع مواكبة ومواجهة تحديات عصر المعلومات. الأكثر من هذا أن بعض الباحثين قد ذهب إلى أن الأم عليها أن تجلس في بيتها -بعد أن تحصِّل هذا الكم الهائل من المعلومات والثقافة- وذلك من أجل إعداد طفلها ثقافيا لمواكبة تحديات عصر المعلومات. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر ;