محمود محمد طالب بالفرقة الأولى بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، كان له السبق بتكوين أول فريق تمثيل فى جامعة الأزهر العريقة من 18 طالبا من المحبين للفنون الراقية الهادفة، وقرر أن تكون باكورة أعمال فرقته الواعدة مسرحية عن قضية الطلاق الشفهى التى اثارت جدلا رهيبًا فى المجتمع المصرى فى الأسابيع المنصرمة، حول ضوابطه واشتراط توثيقه من عدمه. غير أن الفنان الشاب واجهته عقبة كئود، هى أنه لا يوجد أصلا مسرح بجامعته، ويسعى بدأب لإقناع قيادات الجامعة بتخصيص مكان يقام عليه، وأن يوافقوا على مشاركة الفتيات فى فريقه التمثيلى بعد أن ابدوا رفضا لمشاركتهن بدعوى أن الاختلاط حرام. بموازاة ذلك كانت فرقة «وادى المعرفة» الطلابية بجامعة الأزهر تطلق مسابقة «نجم الأزهر» لاكتشاف المواهب فى الشعر والرسم والتصوير والانشاد، وتفاعل معها عشرات الطلاب المتشوقين لاستعراض مواهبهم الفنية، الطالب محمد بالى المتحدث باسم المسابقة يقول إن القائمين عليها استأجروا بأموالهم الخاصة قاعة قرب الجامعة لاستقبال المتسابقين وعرض ابداعاتهم أمام لجان متخصصة تتولى اختيار أربعة فائزين منهم. المعنى الظاهر فى الواقعتين أن الأزهريين يواجهون عقبات فى إظهار ميولهم ونوازعهم الفنية والثقافية ربما بحكم أن دراستهم متصلة بالعلوم الشرعية وما تستدعيه من تركيز وتفرغ وجدية، ولا مكان وسطها للمسرح والرسم والتصوير وخلافه، وأنه لابد من المحافظة على خصوصية وتفرد جامعة الأزهر عن بقية الجامعات الحكومية التى لا تجد غضاضة فى رعاية واحتضان المواهب الفنية، وخرج من بينها شخصيات بارزة لها بصمتها الواضحة والمؤثرة فى القطاعات الفنية المتنوعة. وكم سيكون عظيمًا وبديعًا أن يتلقف الأزهر الشريف هذه الفرصة السانحة، لأنه باغتنامها سيرد ردًا عمليًا مشهودًا على الاتهامات الموجهة إليه بالتقاعس عن القيام بما يلزم لتجديد وتحديث الخطاب الديني، وقبل أن تعلو وجهك امارات الاندهاش بشأن علاقة الأمرين ببعضهما البعض دعنى أوضح لك ما يلي: إن الأزهر يعد ركنًا أساسيًا وحيويًا من أركان وركائز قوة مصر الناعمة التى نجاهد لاستعادة مجدها الغابر ولا خلاف حول ذلك، ويقف إلى جواره أطياف من الفنون والأدوات الثقافية المتنوعة، لأجل هذا فهو مطالب بالتفاعل والتواصل مع عناصر القوة الناعمة الأخرى حتى تكتمل ويصبح لها قوة دفع تؤتى الثمار المرجوة من خلفها، تواصله سيكون من خلال زيادة جرعة الأنشطة الثقافية والفنية فى جامعة الأزهر طالما أنه لا يوجد فيها ما يحض على الاسفاف والرذيلة ويعادى الدين ويخل بثوابته المستقرة، فما الحائل دون إقامة مسرح يتفاعل عبره الطلاب مع القضايا المجتمعية ويبدون فيها وجهة نظرهم ورؤية الأزهر أيضا؟. هذه الأنشطة ستكون دافعا لتوسيع مدارك ووعى الأزهريين بواسطة تنمية حاسة التذوق الفنى لديهم، فالارتقاء بها سيجعلهم أكثر استنارة وانفتاحا، وسيصبح لدينا داعية أزهرى مستنير قادر على الموازنة بين تقديم الأطر الحقيقية للدين بكل ما فيها من سمو ورفعة وتسامح وبعد عن الغلو والشطط والجمود عند تفسير آيات القرآن وأحاديث نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وبين الدعوة لإعمار الدنيا والإخلاص فى العمل والدفاع عن الوطن. وغنى عن البيان أن الاستنارة أداة واجبة لمحاربة الإرهاب الذى يزحف ابتداء من التطرف والغلو، ولسنا فى حاجة للتذكير بالمآسى التى عاصرتها جامعة الأزهر بعدما تسلل إلى رحابها جماعة الإخوان الإرهابية التى روجت لأفكارها المغلوطة والهدامة والمتشددة بين طلابها وكانت من بين أسباب تطرف الكثيرين منهم، وهؤلاء هم من قاموا بإحراق مبانى جامعتهم وحاولوا إشاعة الفوضى فيها، عقب خلع محمد مرسى من الحكم، وبعضهم التحق بميليشيات اخوانية مسلحة ثبت تخطيطها وتنفيذها للعديد من الهجمات الإرهابية ضد قوات الجيش والشرطة المدنية لاحقا. فلو كانت هناك حركة نشطة دءوب لأرباب الثقافة والفنون بالجامعة لربما أسهمت إلى حد بعيد فى التخفيف من وطأة حدة التطرف المؤدى بلا ريب للإرهاب، من خلال تشريح الأفكار الاخوانية المستندة لمبدأ السمع والطاعة والعزوف عن إعمال العقل وقبول ما يصل لمسامعهم من تبريرات وتأويلات للأحداث الماضية والجارية، وتلك خواص ستجدها متكررة فى كل الجماعات المتطرفة والإرهابية المنبثقة من رحم الإخوان، ودقق النظر فى أن هذه الجماعة الإرهابية لا يخرج منها لا أديب ولا شاعر ولا ممثل ولا رسام ولا مصور، فهم يخاصمون كل ما له صلة بابداعات العقل الحر المستنير المتفتح. والتقط عبارة وردت ضمن إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك وهو وثيقة مهمة للغاية حبذا لو جرى نشرها على أوسع نطاق وتقول نصا: «ونحن مسلمين ومسيحيين محتاجون للمزيد من المراجعات من أجل التجديد والتطوير فى ثقافتنا وممارسات مؤسساتنا»، فالعبارة دالة وتشير من طرف خفى إلى أن الوقت قد حان لكى يراجع أزهرنا الشريف علاقاته مع الفنون، وأن يهيئ لها مساحة معتبرة بجامعته طبقا للمعايير المتعارف عليها، تلك المساحة ستكون اسفنجة تمتص معها دعوات التشدد وستعضد المنهج الوسطى الذى يتبعه الأزهر ويتمسك به، وستقطع الطريق على دعاة القتل والترهيب باسم الدين، والاعتداء على بيوت المسالمين الآمنين من المسلمين والأقباط، مثلما يفعلون الآن فى العريش. واختم برأى عن المسرح كتبه الشيخ الجليل الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الراحل وأحد المجددين الأزهريين العظام، حينما كان عميدًا لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، يقول فيه: «نحن إذن نحارب مبدأ سائدًا فى المسرح، ولا نحارب المسرح، والمبدأ الذى ندعو إليه ويدعو إليه علماء الدين فى كل مكان، ويدعو إليه فريق كبير من المفكرين والمصلحين، وهو الفن الموجه»، فلنقدم لأبنائنا فى جامعة الأزهر ما يشجعهم على الانفتاح والاستنارة ولنحتضن مواهبهم سريعا. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;