إشتعلت درجات حرارة الجو ونحن نتقدم بثبات إلى بداية موسم الصيف. وفى تلك الظروف المليئة بالحرارة والعرق وجفاف الحلق لا يوجد أفضل من تناول كوب من الماء البارد فهو الوحيد القادر على إكتساح جحافل العطش وطرد المواد السامة من الجسم وإعطاء الشعور بالراحة والطمأنينة. دفعتنى تلك الحقائق إلى وضع كوب وإبريق زجاجى شفاف ملئ بالماء البارد على مكتبى وأخذت أتطلع إليه وقد غطته طبقة ضبابية رقيقة من الرذاذ فى إشارة مطمئنة إلى برودة الماء بداخله. وذهبت بنظرى إلى حيث يوجد تقرير جديد صادر عن المخابرات الأمريكية. لم يكن صدور التقرير عن مكتب مدير المخابرات الوطنية (وهو المشرف على ما يقرب من 17 وكالة من وكالات المخابرات الأمريكية بما فيها المخابرات المركزية سى.أى.إيه) هو المهم وإنما كان ورود تقديرات عن نهر النيل ودول حوض النيل هو الذى أضفى قدرا من الأهمية على التقرير. وبإختصار فقد كلفت وزيرة الخارجية الأمريكية أجهزة المخابرات فى بلادها ومجلس المخابرات القومى بالتعاون معا لوضع تقديرات مستقبلية عن أثر مسائل المياه فى العالم على المصالح المتعلقة بالأمن القومى للبلاد حتى عام 2040 تقريبا. وتوصل الخبراء المخابراتيين بعد دراسة مستفيضة لأحواض الأنهار الرئيسية فى العالم، وفى مقدمتها نهر النيل، إلى عدة نتائج من أبرزها: 1- ستسهم مشكلات المياه فى نشر عدم الإستقرار بدول هامة لدى الولاياتالمتحدة خلال العقد القادم. 2- لا يتوقع حدوث منازعات أو صراعات مسلحة بين الدول حول المياه خلال العقد القادم. 3- إستنفاد مصادر المياه الجوفية خلال العقد القادم ستسهم بشكل كبير فى تفاقم أزمات الغذاء. 4- وجود تقديرات تؤكد أنه وبحلول عام 2040 سيتسبب نقص المياه والتلوث فى الإضرار بالإقتصاد لدى شركاء الولاياتالمتحدة التجاريين. 5- يمكن مواجهة مشكلة نقص المياه بحلول عام 2040 من خلال تحسين أساليب إدارة المياه وزيادة الإستثمارات فى القطاعات المتصلة بالمياه وستكون التكنولوجيا هى الوسيلة المثلى لمواجهة ندرة المياه خاصة فى حالة التوصل إلى طرق متطورة لخفض إحتياجات قطاع الزراعة من المياه. فمن المعروف عالميا أن قطاع الزراعة يستهلك ما يقدر ب70% من موارد المياه العذبة فى العالم. ويمكن تصنيف التقديرات سالفة الذكر على أنها تقديرات عامة أما فيما يتعلق بنهر النيل على وجه التحديد فقد وجدت فى الصفحة الخامسة من المقدمة جدول يلقى نظرة مختصرة على بعض أحواض الأنهار الرئيسية فى العالم ومن بينها نهر النيل. وأشارت تقديرات المخابرات الأمريكية إلى أن المسائل الرئيسية المتعلقة بحوض نهر النيل ستكون: إنخفاض نصيب الفرد من المياه المتاحة، ووجود هياكل للإدارة وإتفاقيات مائية غير ملائمة، والتذبذب الكبير فى المياه المتوفرة، وتعرض تدفق المياه للإعاقة فى ظل ملئ الخزانات الخاصة بالسدود الجديدة، وتآكل دلتا الأنهار فى حوض النيل. ووفق التقديرات الأمريكية فإن المشكلات المرتبطة بالمياه والزمن المتوقع لحدوثها فى حوض النيل ستكون كما يلى: تدهور فى الأمن الغذائى فى الفترة ما بين عامى 2012 و2040، وإنخفاض المرونة فى التعامل مع حالات الفيضانات والجفاف منذ اليوم وحتى عام 2040، وتزايد مستوى التوتر الإقليمى حول المياه وإستخدامها كأداة للتفاوض والضغط منذ اليوم وحتى عام 2040. وأصدقكم القول فإن التقرير يثير القلق فى النفس ولكنه فى ذات الوقت يمثل قوة دافعة لنا كمصريين للتقدم نحو القارة الأفريقية والتوغل فى قلب دول حوض النيل وإحتضان أو إحتواء قلوب وعقول شعوب الإقليم. فبإختصار تمثل أفريقيا أحد أفضل الأسواق المرشحة لتسويق منتجاتنا المصرية خلال الفترة المقبلة فى ظل التدهور الإقتصادى الكبير الذى يجتاح الأسواق الأوروبية. كما أن دول الإقليم بمواردها الهائلة القريبة منا جغرافيا يمكنها أن تسهم بفعالية كبيرة فى الإرتقاء بالصناعات المصرية وبما تقدمه من منتجات للأسواق العالمية على المدى الزمنى المتوسط والبعيد. قفزت تلك الأفكار إلى ذهنى فاتجهت بنظرى نحو إبريق الماء البارد المنعش وملأت الكوب وشربت لأروى جسدى وعقلى وروحى قبل أن أنحى الكوب جانبا وأنظر إلى الأفق فى صمت. المزيد من مقالات طارق الشيخ