عديد الصفات والمجازات الفخيمة يمكنك استخدامها بلا تجاوز عندما يستدعى هذا الاسم العلم مصريا وعربيا ودوليا، الشيخ الأكبر، والفقيه الأكبر، وعالم الاجتماع البارز، ورائد علم الاجتماع القانونى، وأول منظرى علم الاجتماع الأدبى، والباحث الإستراتيجى الكبير مكانة وقامة، ومؤسس مدرسة مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام الأهم عربيا وشرق أوسطيا بامتياز. المدرسة الوطنية وبيئة التعلم ودائرة الحوار الممتدة فى ظل حضوره الطاغى، وفكره المتألق، وروحه المشعة بالأخوة والشفافية ونزوعه إلى الحرية والديمقراطية الأكاديمية. واحد من السلسلة الذهبية للعقول المصرية العظمى التى لولاها لأجدبت بلاد وأمة ودولة تحت سطوة التسلطيات السياسية والدينية، وهيمنة الضحالة والتفاهة وكراهية الحداثة والمواطنة والحريات. كبيرنا الذى علمنا السحر، ومغاليقه وأسراره وتمائمه وأساطيره وألغازه، من خلال ولعه وتألقه ومواهبه الاستثنائية فى تدريس وتعليم وممارسة الدرس المنهجى فى النقاشات والجدالات والسجالات. شيخ أساتذة المنهج الذى كان أول مؤلفاته أسس البحث الاجتماعى –مع جمال زكى-، ولم يقتصر فقط على التنظير فى مناهج البحث ومقارباته واستراتيجياته فى مجال العلوم الاجتماعية، وإنما كان يتابع بدقة منهجية دؤوب وصارمة كل التغيرات والتحولات فى المناهج، حتى الألسنية وما بعدها، وفى النظم السياسية المقارنة، وفى العلاقات الدولية، وفى التحليل الثقافى، وفى الحداثة وما بعدها وما بعد بعدها، وفى العولمة وما بعدها. كبيرنا الذى دربنا وعلمنا أهمية المنهج، ودقة المفاهيم، وصرامة استخدام المصطلحات، والدرس التاريخى المقارن والجذور السوسيو / ثقافية للظواهر والمشكلات والأزمات والإشكاليات موضوع البحث أيا كان. الباحث الأكبر المنقب فى دخائل موضوعاته وصولا إلى أحدث المقاربات، والنظريات والتطبيقات والمصطلحات. شيخ المجددين فى الرؤى والنظرات والكتابات. أحد المبصرين العظام للآتى والمبشرين بالمستقبل رجل وعالم ومثقف عظيم وطنه المستقبل، لا يؤمن بالحنين إلى الماضى ولو كان بالأمس أو لساعة أو دقيقة، عينه على البعيد كونيا وعربيا ومصريا، وأين دوره ومكانة بلاده فى إطاره. إنسان كبير فى رحابة عقله وقلبه وروحه التى وسعت العالمين حتى من اختلف فكريا أو سياسياً معه وحتى هؤلاء الذين أساءوا إليه سرعان ما يلتمس لهم الأعذار. أى روح جميلة سكنت وتألقت فى جوانح وخلايا هذا العقل والإنسان الكبير. مولع بالفلسفة، وعاشق لمتونها التأسيسية، ومتابع نقدى يقظ لشروحها وتطوراتها. فقيه كبير فى القانون الجنائى وعلم الإجرام والعقاب كما برز فى كتابيه المهمين والرائدين «دراسات فى السلوك الإجرامى ومعاملة المذنبين»، و«السياسة الجنائية المعاصرة» دراسة تاريخ وتطورات نظرية الدفاع الاجتماعى لدى القانونى والفقيه والقاضى الفرنسى مارك أنسل. ناهيك عن كتابه المهم «دراسات فى علم الاجتماع القانونى». من أين يمكن الكتابة عن الباحث الكبير والمثقف العلم، والفقيه المتميز، وشيخنا الأكبر متعدد التكوين والمعرفة والخبرات فى كتبه عن الشخصية العربية؟ أم فى كتاباته عن العولمة، والهوية، وعن الدولة التنموية؟ أم فى مطارحاته وانتقاداته للأصولية الإسلامية المتشددة والراديكالية ومشايخها؟ أم فى تحليله الثقافى للظواهر الاجتماعية والسياسية؟. مكتشف المواهب والإمكانيات والتصورات الواعدة لدى الأجيال الجديدة الشابة، القابلة للصقل والتطوير، وهو القادر دائما كأستاذ على تعليمها وتطوير مهاراتها وإعطائها الفرص لاستكمال تكوينها فى جامعات الغرب الشهيرة، كان يتابعنا ونحن ندرس فى السوربون، ويجلس معنا ومع أستاذنا العلم دومينيك شيفالييه فى منزله الباريسى الفخم بجوار متحف اللوفر، بعيدا عما كنا نسميه معه «رواق الشفالكه» فى الجامعة الأعرق فى فرنسا وأوروبا. كان يتابعنا عن كثب، ويتعرف على آخر ما قرأناه من كتب وأحدثها، وعن المعارض التشكيلية، والمسارح، والسينما ومقاهى الجاز التى نرتادها. يعرف باريس وديجون كما عرف الإسكندرية والقاهرة فى خبرة لدخائلها وأسرارها، ومقاهى المثقفين فى الحى اللاتينى والسان جيرمان والسان ميشيل ومونبارناس، والشانزليزيه فى مقاهى كلينى، والفلور، والدوم، والسلكت، وكافيه دوبارى، يجلس ليتأمل البشر وسلوكهم. الشيخ الأكبر متأمل بصير فى الحياة والناس ومعرفته وحكمته جعلته شخصية مترعة بالسخرية الضاحكة والحس الفكاهى النبيل، فى أعقد الظروف والأزمات، لديه نزعة التفاؤل الحذر الرصين. الكاهن الأكبر مناور بارز ومحترف وموهوب مع حمقى السلطة لحماية مشروعه الفكرى ومدرسته البحثية فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام. رجل كبير المكانة والمقام، عظيم المعرفة، جُم الأدب والخلق، مستقيم السلوك، نزيه المقصد، وطنى وقومى عربى وأنسانوى بامتياز. يعيش من كدُّ يده وذوب عقله وإبداعه البحثى والثقافى، واحد من أبرز المثقفين العرب فى النصف الثانى من القرن العشرين، ولا يزال فى صدارتهم بعقله وفكره الوثاب وضميره الوطنى اليقظ، وحسه العدالى الاجتماعى، ونصاعة يده، ورحابة أسلوبه وفصاحته وموضوعيته، إنه كبيرنا الذى علمنا السحر، وشيخنا الأكبر، والأستاذ العلم السيد يسين، نحبك حباً جماً ونشكر عطاءك الوافر لنا ولآخرين كثرُ. أطال الله فى عمرك وأمدك بالصحة والعافية ليغمر عطاؤك حياتنا. لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح