دائما ما يتحدث الجميع عن منصب رئيس الجمهورية باعتباره قمة النجاح في الحياة وفي تحقيق الأهداف, وهو أمر صحيح إلي حد كبير فلا أحد يصبح رئيسا بين عشية وضحاها, بل يتطلب الأمر قدرا كبيرا من الجهد والعمل الدؤوب لسنوات طويلة.ومع التسليم بأن الوصول لهذا المنصب الرفيع. لابد أن يسبقه تاريخ من الانخراط في العمل السياسي أو الخبرة الواسعة في مجال الإدارة إلا أن إلقاء نظرة سريعة علي تاريخ رؤساء أكبر وأهم دولة في العالم وهي الولاياتالمتحدة تثبت أن هذه النظرية ليست صحيحة علي الدوام, فالسيرة الذاتية لعدد من ساكني البيت الأبيض الذين طالما اعتبروا أهم صانعي القرار في العالم تشير بوضوح إلي أن عددا كبيرا منهم لم يمارسوا السياسة منذ شبابهم المبكر وأنهم لم يولدوا لعائلات سياسية أو حتي ثرية, بل العكس هو الصحيح. ومع أن دراسة القانون أو العمل بالتدريس اعتبرا عاملين مشتركين بين معظم الرؤساء, إلا أن هناك قائمة كبيرة من المهن الطريفة والغريبة التي مارسوها في صباهم وشبابهم المبكر لإعالة أنفسهم واستكمال تعليمهم الجامعي, قبل اتجاههم للعمل السياسي الذي أوصلهم للجلوس في المكتب الابيضاوي. وكلها مهن بسيطة للغاية لم تكن تشير أو تنذر إلي أن أيا من هؤلاء سيصبح رئيسا لأقوي وأغني دولة في العالم. وقد رصدت مجلة ناشيونال جيوجرافيك قائمة طويلة للمهن الطريفة للرؤساء, منها علي سبيل المثال أن الرئيس الأمريكي رقم36 ليندون جونسون عمل في احدي مراحل حياته جامعا للقمامة ضمن مهن متعددة مارسها في صباه المبكر مثل ماسح أحذية وعامل مصعد وبواب وعامل مطبعة وعامل مزرعة قبل أن يتجه للسياسة ويصبح عضوا بمجلس النواب ثم الشيوخ ثم رئيسا للولايات المتحدة. ولم يكن جونسون الوحيد الذي عمل بمهنة بواب, فقد عمل بذات المهنة الرئيس العشرون جيمس جارفيلد الذي حكم لمدة قصيرة لا تتعدي شهر, حيث عمل نجارا ومشغل قوارب, وقد عمل في مهنة غسل الصحون تحديدا ثلاثة رؤساء هم إلي جانب جونسون كل من جيرالد فورد ورونالد ريجان. وبذكر الرئيس فورد فسنجد أنه عمل لفترة من حياته عارض أزياء من بين مهن أخري مثل فراش وطاه وغاسل صحون وعامل حدائق ومدرب كرة قدم أمريكية ومدرب ملاكمة. أما ريجان الذي يعد من أشهر الرؤساء العصاميين الذين بدأوا كفاحهم من أول السلم, فقد عمل في صباه وشبابه في عدة مهن بسيطة منها عامل في السيرك وعامل بناء وغاسل صحون ومنقذ شواطيء ومدرب سباحة ومذيعا ثم ممثلا ولم يكن من نجوم الصف الأول قبل أن يصبح من أشهر الرؤساء في تاريخ الولاياتالمتحدة. ومن المهن الغريبة كذلك مهنة الحياكة التي عمل بها رئيسان هما الرئيس الثالث عشر ميلارد فيلمور والسابع عشر أندرو جونسون. ومن العصاميين الأخرين وهم كثر في تاريخ الرؤساء الأمريكيين الرئيس رقم31 هربرت هوفر الذي تولي الرئاسة في عام الكساد العظيم, حيث كان في صباه عامل في مصبغة وموزع جرائد وساعي في مكتب ثم ماسح جغرافي. أما الرئيس رقم37 ريتشارد نيكسون فقد عمل لفترة حطابا, بينما كان الرئيس الثامن مارتن فان بورن عامل توصيل طلبات ثم نادلا في حانة, كما عمل الرئيس ال18 أولسيس جرانت سايس خيول, بينما عمل هاري ترومان كمتخصص في الملابس الرجالية ومكملاتها مثل القبعات, حيث افتتح محلا لذلك لكنه فشل في هذا المجال ولم يستمر. هذه البدايات المتواضعة ليست حكرا علي الرؤساء الأمريكيين فقط, فهي علي ما يبدو سمة تجمع بين بعض الرؤساء علي مستوي العالم, فالرئيس البوليفي ايفو موراليس عمل كمزارع وعازف موسيقي ولاعب كرة قبل أن ينخرط في عالم السياسة, بينما كان كل من الرئيس البولندي السابق ليخ فاونسا والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا من القيادات العمالية. إن نظرة سريعة علي تاريخ كفاح هؤلاء الرؤساء وبعضهم ارتبط اسمه بانجازات كبيرة حفرت له مكانا في التاريخ وبأحداث سياسية وعسكرية غيرت شكل ميزان القوي, يثبت أن الثراء ليس ضمانة أكيدة للنجاح, وأن تواضع البدايات ليس دائما مؤشرا علي الفشل بل العكس هو الصحيح فربما كان دافعا لبذل مزيد من الجهد والسعي وراء النجاح.