الزيارة المهمة التى يقوم بها الرئيس اللبنانى العماد ميشيل عون الى مصر، تلبية لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي، تأتى فى توقيت بالغ الأهمية، بعد اكتمال جميع الاستحقاقات بانتخاب الرئيس، وتشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري وتتسم العلاقات المصرية اللبنانية بجذورها التاريخية، وتتميز دائما بالتوافق التام تجاه القضايا السياسية المطروحة على الساحة، بالإضافة إلى أن دور مصر مرحب به من جانب الأطياف والقيادات اللبنانية تجاه معظم القضايا الراهنة بالمنطقة، وتعتبر مصر الدولة العربية الأولى التى اعترفت باستقلال لبنان فى الأربعيات، وشكلت القاهرة مركزاً للتفاوض على استقلال لبنان، واستضافت اجتماعا حضره كل من الرئيس بشارة الخورى و رياض الصلح برعاية رئيس وزراء مصر الأسبق مصطفى النحاس باشا فى الأربعنيات ونتج عن الاجتماع إعلان التحالف بين الخورى والصلح وصياغة «الميثاق الوطني»، الذى أسس نظام الحكم فى لبنان فى مرحلة ما بعد انتهاء الانتداب الفرنسي. وقد تطورت العلاقة المصرية اللبنانية إلى الأفضل وخاصة فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر بسبب دعمه المستمر للبنان والدول العربية وخصوصًا بعد إنشاء الجمهورية العربية المتحدة والتى رحبت بها لبنان، ومجابهة العدوان الثلاثي. وبعد رحيل عبد الناصر وتولى السادات حكم مصر استمرت العلاقة الوطيدة بين مصر ولبنان، وامتدت العلاقة خارج الإطار السياسى ودعمت مصر الدول العربية ومنها لبنان فى حربهم ضد إسرائيل، كما وقفت لبنان والدول العربية بجوار مصر فى حرب أكتوبر 1973 وشهدت العلاقة توترًا بعد أن تخلت لبنان والدول العربية عن مصر بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، ولكن عادت العلاقة بين البلدين عقب القمة العربية فى عمان 1987. و فى أعقاب اغتيال رفيق الحريرى عام 2005 لعبت مصر دورًا مهمًا مع المنظومة العربية والعالمية ووقفت بجانب الشعب اللبنانى ودعمته فى حربه ضد العدوان الإسرائيلي. وفى عام 2008 عقدت قمة مصرية لبنانية للتأكيد على دعم وقوة العلاقة بين البلدين، وأكدت مصر حينها دعمها للجيش اللبنانى باعتباره صمام الأمان للدولة اللبنانية التى تتكون من نحو 17 طائفة. وعقب ثورة يناير 2011 ومن بعدها 30 يونيو تأثرت لبنان بحالة عدم الاستقرار التى شهدتها مصر، وتراجعت العلاقات السياسية بين البلدين نتيجة الانشغال المصرى بالشأن الداخلى ،ولكن بعد وصول الرئيس السيسى إلى الحكم عادت الأمور إلى نصابها، وكذلك الاهتمام المصرى بلبنان وحرصها على استقرارها من خلال دعمها المستمر. وخلال العامين والنصف الماضيين، عانت لبنان من شغور منصب رئاسة الجمهورية فى لبنان، ثم انتخب مجلس النواب اللبنانى العماد ميشيل عون رئيسًا للجمهورية، ليكون الرئيس ال13 فى لبنان، والذى جاء تنصيبه بعد اكتساح التصويت فى الجلسة الثانية التى حضرها 127 نائبًا من أصل 128 حيث صوت لعون 83 نائبًا وفور إعلان مجلس النواب اللبنانى تنصيب عون رئيسًا للبنان بادرت الرئاسة المصرية بالتهنئة للشعب اللبنانى . وكانت تأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة، ولقاؤه مع مسئولين لبنانيين، حرص مصر واهتمامها بالحفاظ على أمن واستقرار لبنان، ووقوفها إلى جانبه ودعمه فى مواجهة التحديات الراهنة، وعلى أهمية الحفاظ على وحدة الشعب اللبنانى ودعم مؤسسات الدولة اللبنانية. و تم ذلك أيضًا من خلال الزيارات المتعددة لوزير الخارجية المصرى سامح شكري، خلال الفترة الماضية قبل وبعد اكتمال الاستحقاقات، حيث قام الوزير بزيارتين لبيروت خلال 4أشهر، الأولى تركزت فى أغسطس الماضى على دعم مصر للأطراف اللبنانية المختلفة لتشجيعها على تحقيق التوافق المطلوب الذى يضمن الخروج من مأزق الشغور الرئاسى الذى دام لعدة سنوات، وشملت لقاءات مكثفة مع المسئولين اللبنانيين، حيث تعتبر مصر استقرار لبنان أمرًا مهما، فهى دولة عربية شقيقة واستقرارها وسلامتها يهم المنطقة العربية وصيانة الأمن القومى العربي، كما أن مصر لديها تفهم كامل لطبيعة المجتمع اللبناني، وهدفها دعم التواصل مع كل المكونات السياسية اللبنانية، وتوفير أرضية لمزيد من التفاهم، لأنه السبيل للخروج من الأزمة الحالية والاستقرار . و خلال الزيارة التى قام بها وزير الخارجية شكرى لبيروت منتصف نوفمبر الماضي، استقبله الرئيس ميشيل عون فى قصر بعبدا ببيروت، وتسلم رسالة تهنئة وتضامن من شقيقه الرئيس عبدالفتاح السيسى تضمنت دعوة الرئيس اللبنانى لزيارة مصر وتم الاعراب خلال اللقاء عن سعادة مصر بما تم تحقيقه من نجاح على مسار استقرار الحياة السياسية فى لبنان كما كانت هناك لقاءات مكثفة مع وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمى الاشتراكى، والدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، والرئيس الأسبق أمين الجميل رئيس حزب الكتائب اللبنانية. ومن المعروف أن معظم الأطراف اللبنانية يعتبرون أن لمصر وضعية خاصة ومتقبلة إذ المعروف عنها أنها لا تناصر فريقا على آخر، وإنما هى تهدف لتحقيق المصلحة اللبنانية . وكان لمصر العديد من المواقف والمحطات المهمة التى لا يمكن اغفالها تجاة لبنان، ومن أبرزها وقوف مصر مع لبنان، حيث ساندت مصر لبنان فى أثناء العدوان الإسرائيلى عليها عام 2006. كما ساهمت مصر بدور فعال فى إعادة إعمار لبنان، ونفذت جميع الأعمال الكهربائية اللازمة لإعادة التيار إلى الشبكة الكهربائية بالأماكن المضارة بلبنان الشقيق جراء القصف الإسرائيلى لها. وفِى أزمة الاستحقاق الرئاسى وفشل مجلس النواب اللبنانى فى تأمين نصاب الجلسة فى نوفمبر 2007 لاختيار رئيس جديد للبنان خلفاً للرئيس العماد أميل لحود المنقضية ولايته، كان لمصر موقف واضح وصريح. ومن هذا المنطلق أكد الموقف المصرى فى تعامله مع أزمة الاستحقاق الرئاسى فى لبنان على الدعوة إلى رفع الأيدى عن لبنان وتركه لأهله يقررون ما يريدونه بأنفسهم. وفى 11 يوليو 2008 عبرت مصر عن ترحيبها بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية الذى يعد إستكمالا لتفعيل المؤسسات الدستورية اللبنانية بعد مرحلة طويلة من التعطيل مشيرا إلى أن مصر سوف تدعم الحكومة الجديدة فى الاضطلاع بمهامها خلال الفترة المتبقية وإلى حين إجراء الانتخابات النيابية اللاحقة. وقد توالت على لبنان العديد من الأزمات التى تمثلت فى أزمة لجنة التحقيق الدولية لاغتيال الحريرى وإسقاط حكومة سعد الحريرى مؤخرا فى نهاية عام2010 وكان الموقف المصرى دائما يدعو للحفاظ على الوحدة الوطنية للشعب اللبنانى وعدم التدخل فى شئونه الداخلية. وفى أبريل 2014 أقلعت طائرة عسكرية الى مطار بيروت وعلى متنها 12 طنا من الأدوية والمستلزمات الطبية.