مهما تتعدد وسائل الاتصال الحديثة والعصرية، عبر الهاتف المحمول، أو البريد الإلكتروني، أو أي وسيلة أخرى من وسائل التواصل، يبقى جلوس السائل إلى الفقيه، هو الأصوب لمعرفة حكم الدين. أول بادرة فى التنسيق بين المؤسسات الدينية، اتفقت وزارة الأوقاف ودار الإفتاء على تفعيل» مجالس الإفتاء «في لقاءات جماهيرية أسبوعية مباشرة مع العلماء المتخصصين والمؤهلين للفتوي، مما يسهم في معالجة فوضى الفتاوى والقضاء على الفكر المتطرف، ويخرج الناس من حالة الحيرة والبلبلة بسبب الآراء الشاذة التي أدت الى القتل والتدمير والتخريب والاعتداء على الحرمات وبيوت العبادة والممتلكات العامة والخاصة. وفي أول تفعيل لخطة دار الإفتاء المصرية لعام .2017 عقد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، اجتماعا موسعا لأمانة الفتوى بالدار لبحث آلية العمل والتطوير للفتوى والعملية الإفتائية وبحث المتغيرات والمسائل المستجدة، والقضايا الإفتائية المعاصرة التي تطرأ على الساحة، ومناقشتها بالمنهجية العلمية المنضبطة التي تعتمدها دار الإفتاء التي من أهمها إدراك الواقع ومراعاة المآلات والمقاصد وتحقيق مصالح البلاد والعباد، حتى تستقيم حياة الناس ولا نترك الساحة لغير المتخصصين ليشتتوا الناس ويتسببوا في فوضى الفتاوى. وتعد فكرة «مجالس الإفتاء» دعوة ومبادرة للتواصل عن قرب مع جمهور المستفتين بمختلف طوائفهم، وتفعيلا لعامل التفاعل الحقيقي بين المفتي والمستفتي، وحفظا لمقام الإفتاء من استغلال غير المتخصصين، وتصحيحا للمفاهيم المغلوطة التي انتشرت بين الناس بسبب تصدر غير المختصين والمؤهلين للإفتاء. ورحب علماء الدين بمشروع مجالس الإفتاء، باعتباره آلية ووسيلة جيدة، لتوصيل الحكم الشرعى الصحيح، بطريقة مباشرة لطالبى السؤال من جمهور المستفتين، بغير غلو وتشدد أو تفريط، من خلال علماء متخصصين ومؤهلين لذلك. يقول الدكتور مجدي عاشور، المستشار الأكاديمي للمفتي والمشرف على مجالس الإفتاء، إن المجالس هي مجالس العلماء المؤهلين، وهي ردّ الشيء إلى أصله وطبيعته، وهي أمل لكل باحث عن الحقيقة، عن العلم الشرعي الوسطى الصحيح، بل هي أمل للحائرة نفوسهم في كثير من المسائل سواء في مجال العبادات، أو في مجال المعاملات، أو في مجال الأحوال الشخصية، كمسائل الزواج والطلاق، أو في غير ذلك من المجالات. وأضاف: إن المجالس تعقد في أيام محددة، يعلن عنها في مكان بارز بكل مسجد على حدة، ويقوم على هذه المجالس العلماء المتخصصون من مديري الإدارات وأمناء الفتوى بدار الإفتاء المصرية، لاستقبال السائلين والمستفتين والباحثين عن الحقيقة، والفتوى الشرعية، من خلال المساجد، فعموم الناس يقصدون المساجد، باعتبارها الوسيلة التي يمكن من خلالها معرفة الحكم الشرعي، وأوضح أن دار الإفتاء تقوم بدورها في هذا الأمر، فهي بهذا العمل تمثل دار إفتاء متنقلة تذهب إلى المستفتين في أماكن وجودهم، وذلك تيسيرا للناس في قضاء حوائجهم، والحصول على الفتوى الشرعية، في الأماكن المتفرقة، دون الحاجة للذهاب إلى المقر الرئيسى لدار الإفتاء وفروعها بأسيوط والإسكندرية، وأشار إلى أن دار الإفتاء تعمل على توسيع نطاق هذه المجالس- إن شاء الله تعالى- بمحافظة القاهرة وتعميمها على بقية محافظات الجمهورية. خريطة المساجد وعن خريطة المساجد التى تنطلق منها مبادرة ومجالس الإفتاء، يقول الدكتور مجدى عاشور، إنه يوجد مجلس إفتاء بمسجد الإمام الحسين رضي الله عنه بالقاهرة، وذلك يوم السبت من كل أسبوع، ما بين صلاتي المغرب والعشاء، حيث تتم الإجابة عن أسئلة المستفتين، كما يقوم الدكتور محمد وسام خضر مدير إدارة الفتوى المكتوبة وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، بالرد على تساؤلات الجمهور بمسجد السيدة زينب، وذلك في يومي السبت والأربعاء من كل أسبوع ما بين صلاتي المغرب والعشاء، ويجيب الدكتور أحمد ممدوح، مدير إدارة الأبحاث الشرعية وأمين الفتوى بدار الإفتاء، عن أسئلة رواد مسجد الخازندار بشبرا، وذلك يوم السبت بعد صلاة العصر، ويقوم الدكتور عبد الله عجمي مدير إدارة الأبحاث الاجتماعية بدار الإفتاء، بالإجابة عن أسئلة المستفتين، وذلك بمسجد القدس بالمقطم يوم الأربعاء من كل أسبوع ما بين صلاتي المغرب والعشاء. كما يجيب الشيخ عويضة عثمان مدير إدارة الفتوى الشفوية، بالرد على تساؤلات رواد على تساؤلات رواد مسجد مصطفى محمود بالمهندسين، وذلك في يومي الاثنين والأربعاء من كل أسبوع بعد صلاة العشاء، ويقوم أيضا الدكتور عمرو الورداني مدير إدارة التدريب، وأمين الفتوى بدار الإفتاء، بالرد على تساؤلات رواد مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة، وذلك يوم الخميس من كل أسبوع ما بين صلاتي المغرب والعشاء، بينما يتولى الدكتور عصام أنس مدير عام الإفتاء بأسيوط وأمين الفتوى بدار الإفتاء، الرد على أسئلة رواد مسجد ناصر بمدينة أسيوط، كما يقوم الدكتور علي عمر الفاروق مدير إدارة الحساب الشرعي، وأمين الفتوى بدار الإفتاء، بالإجابة عن أسئلة المستفتين بمسجد زعزع بمدينة طوخ بمحافظة القليوبية. خطوة مباركة من جانبه، يؤكد الدكتور محمد عبد الستار الجبالى، أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، أن هذا المشروع الذى تقوم به وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، من تخصيص أماكن للفتوى فى كبريات المساجد فى المحافظات، فكرة جيدة، وقائمة فى المقام الأول على التيسير ورفع الحرج وتخفيف الأعباء عن الناس، فضلا عن أن تخصيص هذه الأماكن والعلماء المؤهلين من قبل تلك المؤسسات، للقيام بعمل الفتوى يعد من الأعمال الجيدة والخطوات المباركة، ومن صميم عمل تلك الجهات، خاصة فى وقت يتصدى فيه للفتوى كل من له صلة، وليس من له صلة بالإفتاء، حتى صارت تعاليم الشرع الحنيف كلأ مباحا، وهذا أمر فى غاية الخطورة على المجتمع، ولعلنا فى وقتنا الحاضر، نشهد ما يحدث بين الناس من بلبلة فيما يتعلق بالفتوى، من نشر أقوال وآراء شاذة، أدت الى القتل والتدمير والتخريب، والاعتداء على الحرمات وبيوت العبادة والممتلكات العامة والخاصة. معالجة فوضى الفتاوى ويوضح الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن هذه المبادرة، تعد بمثابة إحياء للمجالس الإفتائية بالمساجد فى صدر الإسلام، حيث إن تنفيذها سيسهم بلا شك فى تقليل اجتراء المجترئين على الفتوي، وإذا تم تكثيف هذه المجالس فى كبريات المساجد بجميع المحافظات، ستسهم فى معالجة فوضى الفتاوى، والقضاء على الفكر المنحرف والمتطرف بكل صوره وأشكاله. وأشار إلى أن هذه التجربة محل تقدير وتشجيع، حيث إنه يصب فى مصلحة الدعوة الى الله عز وجل، ومن المقرر شرعا ان الإفتاء إحدى وسائل الدعوة الإسلامية، وهذا المشروع من شأنه أن يعيد إلى الأذهان مجالس الشورى الإفتائية، التى سنها صحابة النبى صلى الله عليه وسلم، مثل مجلس عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ويحضر معه فقهاء الصحابة وأعلامهم مثل على بن أبى طالب كرم الله وجهه، وكذلك مجلس ابى حنيفة النعمان، حيث كان يبدأ الجلسة بأسئلة يتبارى تلاميذه مثل محمد بن الحسن والقاضى أبى يوسف، وغيرهما فى عرض الأجوبة فى ذات الواقعة بحضور جمهور المتعلمين والسائلين، وأوضح أن هذا يدل على ان الحركة العلمية الدعوية فى صدر الإسلام، كانت تحكمها أخلاقيات الأعمال العلمية، وهدفها الوصول بالمعلومة الشرعية الصحيحة من مصدرها الموثوق فى علمه وفقهه، إلى السائل، مما يؤدى إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة، والتيسير على المستفتين والوصول إليهم فى أماكن تجمعاتهم، ونشر الفكر الوسطى المعتدل الصحيح، بدلا من أن يسألوا من ليس عنده فقه ولا علم فيضلهم بآراء شاذة ومتطرفة ومتشددة، تجعلهم ينفرون من الإسلام وأحكامه.