رغم ماتنشره الارقام الرسمية عن معدلات البطالة بين الشباب وجهود الحكومة لتخفيفها من خلال التوسع فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة فإن (التوك توك) يدمر هذه الايجابيات ويعطى مؤشرات كاذبة عن حجم البطالة فتضر الاقتصاد الوطنى ◄ د. فخرى الفقى: بطالة هيكلية والاستعانة بالنموذج الصينى ◄ د. يمن الحماقى: ظاهرة فوضوية تدمر جهود الحكومة فى التشغيل لانه استهوى جذب العمالة العادية والمهنية حتى باتت المصانع تشكو ندرتها وارتفاع أجورها الى ارقام فلكية لتأتى تحذيرات خبراء الاقتصاد والتنمية البشرية بسرعة تقنين اوضاع (التوك توك) من خلال كارت البنزين الذكى المزمع تطبيقه للاستفادة منه فى حل أزمة المرور داخل المناطق العشوائية والمزدحمة فى أطراف المدن والقرى والنجوع وكبح جرائم الصبية العاملين على هذه المركبات الذين اصبحوا قنابل موقوتة مهددة بالانفجار فى وجه المجتمع خاصة ان الظروف النفسية لهولاء تتشابه مع أطفال الشوارع وكلاهما يرفض القيود المهنية والمعيشية. لقاءات عديدة مع بعض هؤلاء كشفت عن أسباب تكالبهم على هذه المركبة. يقول على أدهم: إنه كان يعمل فراناً بأحد المخابز البلدية المجاورة لمنطقة بهتيم وكان يتقاضى أجراً 70 جنيهاً فى اليوم وهى مهنة شاقة ومخاطرها الصحية مرتفعة خاصة فى الشتاء حيث يتعرض الفران لأمراض صدرية عديدة أبسطها حساسية الصدر ولا يجد مصروفات العلاج التى تتضمن كشف الطبيب وثمن الأدوية لذا نصحه صديق له بالعمل على التوك توك وبالفعل يعمل فى هذه المهنة منذ عامين ويتحصل على مبلغ يصل الى 500 جنيه يومياً من السابعة صباحاً وحتى الخامسة مساء، حيث يقوم بسداد 100 جنيه اجرة (التوك توك) لصاحبه علاوة على 30 جنيها قيمة استهلاك البنزين يومياًويذهب الى أسرته بباقى المبالغ للإنفاق عليهم. اما فتحى عبد البديع (ليسانس حقوق ) فيقول : إنه كان يعمل نقاشاً لكن هذه المهنة لاتوفر دخلاً مستديماً للإنفاق على والدته وشقيقاته البنات سوى فى الإجازة الصيفية وان صديقا له يزامله فى السهر على المقهى عرض عليه هذا المشروع بعد ان أقنعه بجدواه الاقتصادية وتحقيقه ربحا وفيراً يغنيه عن مهنة النقاشة الموسمية فقام ببيع الذهب الذى تمتلكه أمه واستدان مبلغاً من المال لشراء (توك توك )مستعمل يقوم بالعمل عليه منذ الصباح الباكر وحتى السابعة مساءً ليعود بنفقات أسرته ويدخر يومياً 50 جنيها من متحصلات عمله التى تزيد على 450 جنيها يومياً موضحاً ان هذه المهنة رغم متاعبها الجسدية ومطاردة الشرطة لهم فإنهما من وجهة نظره أفضل من مهنة النقاشة او العمل لدى اى شركة اومصنع لان الشخص يشعر بحرية تامة فى اثناء العمل ولايخضع لقيود وشروط اصحاب الاعمال التى يفرضونها على العمال. لكن قرنى محمود (عامل بناء) يسرد قصة إقباله على التوك توك قائلاً: انه ترك العمل فى طائفة المعمار رغم انه كان يتحصل على مبالغ كبيرة كانت تصل الى 300 جنيه فى اليوم الواحد لكنها مهنة شاقة للغاية كان لايتحمل الاستمرارية فيها سوى أسبوع واحد فقط ويجلس فى المنزل أسبوعين لكى يرتاح جسده النحيل لذا اتجه الى العمل على التوك توك، حيث يضمن الاستمرارية فى هذه المهنة طوال ايام الاسبوع فأصبح دخله المعيشى أفضل وهو يستأجر هذه المركبة من احد أقاربه الذى اجبره على توقيع إيصالات أمانة لضمان الحفاظ على هذه المركبة وتسليمها له بكامل حالتها الفنية لذا فإنه يحرص على ادخار جزء من عوائد عمله لشراء مركبة يمتلكها ويوفر القيمة الإيجارية التى يدفعها والبالغة 150 جنيها يومياً منذ الصباح الباكر وحتى التاسعة مساءً. لكن ماهى الحلول والمقترحات التى طرحها خبراء الاقتصاد والتنمية البشرية حول هذه الظاهرة التى انتشرت على نطاق واسع خاصة فى القرى والنجوع والمناطق العشوائية؟ يصف الدكتور فخرى الفقى استاذ الاقتصاد بكليةالاقتصاد والعلوم السياسية هذه الظاهرة بأنها بطالة هيكلية وهؤلاء بوضعهم الحالى يدمرون الاقتصاد الوطنى لان نشاطهم الذى يمارسونه يغلفه سلوكيات مخالفة للمجتمع والنظام ولابد للدولة ان تحتضنهم ومن الأفضل ان تسرع فى احتواء هذه الظاهرة من خلال توزيع كروت البنزين الذكية عليهم لإدخالهم فى منظومة الاقتصاد الرسمى كما فعلت الصين والهند والبرازيل وان تحدد لهم مسارات وأماكن لنشاطهم بل ويجب ان يتم تصنيعه فى مصر أفضل من استيراده وانفاق عملات اجنبية كبيرة مؤكداً ان القيمة المُضافة المحلية فى تصنيع هذه المركبة ستكون مرتفعة. يضيف ان هؤلاء يتهربون من سداد الضرائب وبعضهم يتعاطى المخدرات ويرتكبون أعمالاً مخالفة للقانون لذا فإن إدخالهم فى منظومة الاقتصاد وتوقيع الكشف الطبى عليهم وتحديد شروط من يتولى العمل على هذه المركبة التى تسهم الى حد ما فى تخفيف الضغط على المواصلات العامة خاصة فى المناطق المتطرفة والعشوائية والمزدحمة له أهمية كبيرة، ومما يؤخذ على المسئولين والكلام للدكتور فخرى الفقى انهم يهملون هذه الظاهرة باعتبارها مشروعا متناهى الصغر مثل مشكلة الباعة الجائلين. ترى الدكتورة يمن الحماقى استاذة الاقتصاد بتجارة عين شمس ومديرة مركز المشروعات الصغيرة ان مشروع التوك توك من اسهل المشروعات الصغيرة التى يقدم عليها الصبية والمتسربون من التعليم والكثير من الحرفيين الذين يعانون عدم الاستمرارية فى أنشطتهم المهنية، مؤكدة ان انتشار هذا التوك توك يعنى الفوضى وفشل جهود المسئولين فى استهداف تشغيل الشباب فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وتقول إن الشباب ينغمس فى هذا النشاط بسبب العائد المادى الذى يعود عليهم لكنهم لايحملون اى فكر مستقبلى لأوضاعهم المعيشيةلانه لو ادرك انه سيظل بهذه المركبة طوال سنوات عمره دون مستقبل يتنقل بين الشوارع والحوارى ويطارد من الشرطة لأسرع على الفور الى العمل فى المصانع والشركات لاكتساب الخبرة الفنية حتى يتدرج ليصبح صاحب مشروع يسهم بإنتاجه فى بناء الاقتصاد الوطنى لذا لابد من تقنين هذا المشروع وكذا احوال العاملين فيه. يضيف الدكتور مختار الشريف استاذ تنمية الموارد البشرية ان السمة العامة لهؤلاء الشباب أنهم يغلب عليهم طابع التحرر من كل القيود والشروط التى يتطلبها سوق العمل وبالتالى فهم قنبلة بطالة موقوتة تنفجر فى وجه المجتمع لأسباب مختلفة لأنهم يعيقون السير والمرور فى الشوارع ويرتكبون الكثير من الحوادث والمخالفات المرورية وهم خارج منظومة التأمينات الاجتماعية وكذا سوق العمل والأكثر من ذلك ان المدخلات النقدية لهؤلاء يستغلها الكثير منهم فى الانفاق على الغرز والمقاهى البلدية وشراء وبيع المخدرات. ولذا يجب تحديد مستوى عمرى محدد للعمل على مثل هذه المركبات لايقل عن 40 عاماً حتى يمكن استيعاب العمالة من هؤلاء الشباب فى المصانع وتدريبهم على الحرف التكنولوجية الحديثة بدلاً من جلب عمالة اجنبية من الخارج، علاوة على ذلك فإن هذه السن تحرم المراهقين - المعروف عنهم انجرافهم تجاه الاعمال المخالفة للقانون من العمل - فى هذه المهن، حيث تتصاعد معدلات ارتكابهم للجرائم فى هذه المرحلة العمرية الصغيرة.