«أريد أن أغنى مثلما تغنى الطيور دون أن أفكر كيف سينظر الآخرون لغنائى وعما سيعتقدون» ينسب هذا القول لمولانا جلال الدين الرومي. الذى نبهنا من قبل بأننا اذا اكتشفنا بأن لدينا أجنحة علينا أن نطير- ولا نزحف أبدا. أما الشاعر الروسى يفجينى يفتشنكو فقد كان يرى «أن الشعر كطائر.. يتجاهل كل الحدود». ولذلك لا يعد غريبا باننا عندما نتحدث عن فنان أو شاعر غالبا ما نصفه بالطائر الذى يرفرف ويحلق أو يحوم فوق رءوسنا أو يأخذنا للآفاق البعيدة. مثلما يفعل النسر. وبالطبع يطير ويحلق أيضا المتذوق للشعر والفن. وكل من يسعى دائما لاكتشاف الجميل والاحتفاء به. نعم كان معى الرومى ويفتشنكو وأيضا نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويحيى حقى ويوسف ادريس وألبرتو مانغويل وعلاء الديب وجلال السيد وخالد السرجانى وأنا أتجول فى معرض الكتاب باحثا عن الأصوات المميزة والكتب التى تحتضن ذاكرتى وحلمى .. دهشتى ورغبتى فى السؤال والمعرفة. حميمية الذاكرة شعرت بها وأنا أستمع للكاتب عمر طاهر وهو يتحدث عن كتابه «صنايعية مصر» ويتفاعل مع الجيل الجديد ومفهومه للصنايعى والتاريخ والذاكرة. وينبههم أن «هناك أشخاصا ساهموا فى رسم ملامح هذا البلد وتاريخ حياة سكانه، دون أن يحصلوا على نصيبهم من الضوء والمحبة والاعتراف بالفضل». وأيضا فى معرض الكتاب عشت من جديد زمنا جميلا مع نقاش دار حول كتاب «شبرا» للدكتور محمد عفيفي. شبرا المكان والانسان والزمن الجميل. شبرا وما نتذكره وما نريد أن نتذكره .. ونتمنى أن نعيشه من جديد. ولا يمكن الحديث عن ذاكرة الجميل فى حياتنا دون الاشارة الى كتاب جديد بعنوان «مقالات لها تاريخ» يضم ما كتبه أحمد بهاء الدين فى مجلتى «روزا اليوسف» و»صباح الخير» فى بدايات حياته الصحفية. الكتاب نتاج جهد متميز وجدير بالتقدير قام به «رشاد كامل». كتاب يجب الاحتفاء والاهتمام به لمن يعنيهم ذاكرة مصر والصحافة والكتابة المتميزة والكاتب الذى له رؤية وادراك لدوره وأيضا له رغبة فى الأخذ بيد القارئ لاستشراف المستقبل. جارسيا ماركيز صاحب «مئة عام من العزلة» نبهنا كثيرا لسحر الواقع كان أيضا فى صحبتى فى معرض الكتاب وأنا أرى الأطفال وبهجتهم فى تصفح الكتاب وضمه قريبا من قلوبهم وبريق الفرحة فى عيونهم.. و«ماركيز» كان معى وأنا أصيغ العبارة التالية أن ذاكرة القلب (بعكس ذاكرة العقل) قد تغفر وتسامح وقد تضمد الجراح وقد تحتفظ بما هو عشق وود وذكرى حلوة. ولهذا تستمر حياتنا! وبالطبع لم أكن أتجول لوحدى فى معرض الكتاب بل كانت تصاحبنى الدهشة.. بونسها وبهجتها.الدهشة هى «زادنا و زوادنا» وخصوصا «لما تنشف الدنيا من حوالينا». الدهشة هي»سر الوجود» و»طوق النجاة» وأحيانا «قبلة الحياة نفسها «.. وطالما الدهشة معك فأنت أكيد محظوظ. «ربنا يكملك بعقلك» كم من المرات رجمك بهذه العبارة من حولك،عندما اكتشف انك مازلت محتفظا ومتمسكا بدهشتك. وانك لسه مصر عليها؟!. بصراحة ما ذنبك أنت اذا كان الآخر اندهش وانصدم وربما أصابته الحيرة أو الغيرة. بصراحة الدهشة ملكة وموهبة وثروة وثورة ونعمة لا تفرط فيها ولا تستعر منها .. بل تباهى بها. وخليك مندهش وأنت كده مدهش ورائع!! تلك الدهشة النادرة والمطلوبة والساحرة تأخذنا فى الزمان والمكان الى نيويورك وهوليود وشبرا والى ألف ليلة وليلة وشهرزاد وأفلام يوسف شاهين وأشعار صلاح عبد الصبور ورباعيات صلاح جاهين. كما أنها تطير وتحلق بنا فى اعماق المشاعر وافاق الذكريات ووديان الأحاسيس. كل ده عند أطراف أصابعك و»ملك ايديك» .. اذا لم تفقد قدرتك على الدهشة والتأمل لما فى معرض الكتاب ولما حولك وما بداخلك.