اذا كان الحب خالدا فهو هبة من السماء ، واذا كان العشق أبديا فهو هبة من الله وما بين الخلود والهبة تتوق أرواحنا لتلك العطايا السماوية والمنح الإلهية . هذا هو القلب، وطن خالد للعاشقين، ورسالة سلام ومحبة للعالمين وطن نعيش به ويعيش فينا. ففى مطلع التاريخ، لاح فجر العشق الإنسانى وتجلى فى قلوب أجدادنا العظام ، وتطلعت قلوبهم إلى السماء قبل أن تعرف الأرض الأديان السماوية الثلاثة . ومنذ بدء الخليقة تجلى الحب السماوي بين آدم وحواء حول تلك التفاحة التى نقلتهما الى الأرض سويا كبداية لرحلة البحث عن الآخر أو عن نصف التفاحة المفقود ، وربما كان لقائها على جبل عرفة باعثا للأمل في نفوس المحبين بأنه قد يلتقي الشتيتان بعد أن يظنا كل الظن بأنه لا تلاقيا . والمرأة– بعطاءها وصمودها وتاريخا – أصبحت قلب العالم كله، فهي أسطورة الحب الخالد كما دشنت له الروايات الفرعونية بين إيزيس و أوزوريس حتى بعد انتقاله الى العالم الآخر في عصور ما قبل التحجر ، وقصة روميو وجوليت كما جسدها لنا الروائي الإنجليزي العبقري شكسبير والتى انتصرت للحب بين عاشقين لأسرتين متعاديتين ثم انتهى بالموت ولكنه مازال حيا ، ومن من لا يعرف قصة كليوباترا وأنطونيو تلك التى حطمت القيود الجغرافية والعرقية ليجمع الحب قلب الملكة المصرية مع قلب القائد الروماني من أول نظرة ! أما قصة نابليون وجوزفين فقد ابتدأت بالزواج وانتهت بالعشق الأبدي ،بينما مثلت قصة قيس وليلي التى انبثقت من بيداء الجزيرة العربية أسطورة الحب المستحيل الذي أحبط صاحبه ولقب بمجنون ليلى بينما تزوجت هي من رجل آخر الا أنهما دفنا في مقبرتين متجاورتين .. وفى العصر الحديث، استنارت العقول تكنولوجيا، وبلغت الإنسانية رُشدها الرقمي ، وتحجرت القلوب ، وجفت ينابيع المشاعر بعدما تصدرت المشهد الوسائل الإتصالية الحديثة مجرد رسالة أو محادثة أو صور تعبيرية ، ولم يكن يعلم مطوري التكنولوجيا الإتصالية أن هذه الوسائل الحديثة سوف تخنق الحب بخيطان الشبكة العنكبوتية ليس فقط ، بل ستفتح أبوابا جديدة للتحرش بطرق أكثر بساطة ودون رقابة لقد تبلد الحس وتجمدت المشاعر وتحجرت الأحاسيس حتى صارت الأنامل فقط هي المسئول الأول عن التواصل والتفاعل دون سيطرة من العقل أو تحكم من القلب ! وهذه الأجواء الجافة الباهتة تزج بنا أحيانا للماضي وصندوق الذكريات لننهل من عبقها ما يعيد شحن أرواحنا .. فتجد نفسك متلبسا وأنت تسمع الست فيروز مع نسمات الصبح وساعة العصاري تبحث عن صوت كوكب الشرق وربما أحببت أن تدندن مع العندليب وقت المساء ، وسوف تغمرك الغبطة ويصافحك الحظ لو وقعت عيناك على مشاهد رومانسية من خلال أفلام زمان الأبيض وأسود تاركا ما يشغلك لتسقط على أريكتك أمام التلفاز تحيطك تنهدات مصدرها القلب إذا بعينيك تنثران نجومهما ... وتلك الأعراض تتكون مع إفراز هرمونات السعادة (السيروتونين والدوبامين) . نحن – الآن – في أشد الحاجة الى كتابة دستورًا يستكمل بناء دولة الحب الحديثة، حكومتها عشقية نغلق به الباب أمام أى فساد في المشاعر وأى استبداد في العلاقات ، ونعالج فيه جراح الماضى من زمن الحب الأفلاطوني القديم، وحتى ضحايا زواج الصالونات والمشاعر الإلكترونية الزائفة أو الآنية في زمننا هذا ،ونرفع الظلم عن قلوبا أعياها الهوى وأناسا أصابها الجفاف العاطفي . لنؤكد أن مبادئ الفطرة الإنسانية والتكوين الإلهي هما المصدر الرئيسى لتشريعات العشق ، وأن المرجع في تفسيرها هو ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة القلبية العليا في ذلك الشأن . كما يفتح أمامنا طريق المستقبل، ويتسق مع مشاعر الإنسان وأحاسيسه العاطفية . دستورًا يصون حرياتنا، ويحمى القلب من كل ما يهددهُ أو يهدد أحلامنا الرومانسية ويحقق المساواة بيننا ( آدم وحواء ) فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز على إعتبار أنهما إنسان يحمل نفس القلب ويضمر مجموعة من المؤثرات والمثيرات والمستقبلات العصبية والحسية .