على الرغم من مرور السنين فإننى لا أستطيع أن أنسى هذه القصة التى مازالت تثير حيرتى كما تثير حيرتى كثير من قصص عبدالرزاق نوفل، كان عبدالرزاق نوفل شخصية نادرة فى هدوئه واحتفاظه بتفاؤله الدائم مهما اشتدت عليه الحياة، حين عرفته كان يشغل منصب وكيل وزارة ولكنه كان متعمقا فى العلوم الدينية ومعروفا بأنه الكاتب الإسلامى وله مئات المقالات وعشرات الكتب عن معجزات القرآن وعن العلم الذى يؤسس الإيمان ويؤكد اليقين فى وجود الله. وفى يوم أذكره جيدا كأنه كان بالأمس فقط، اتصل بى عبدالرزاق نوفل وكانت الساعة الرابعة بعد الظهر وقال لي: لقد رأيت روحى وهى تصعد الى السماء، ولما أبديت له دهشتى قال لى إنه كان نائما وقت القيلولة فرأى شخصه يصعد، ولكنه لم يكن لحما ودما وسمع أصواتا تتردد أصداؤها تقول: عبدالرزاق نوفل قادم.. عبدالرزاق نوفل قادم، وختمت المكالمة بأن قلت له: هذه أضغاث أحلام، قال: الله أعلم، وفى ساعة مبكرة من صباح اليوم التالى فوجئت بمكالمة من ابنه وهو أستاذ فى جامعة الأزهر يقول لى إن والدهم توفى ولم يشعروا بذلك إلا حين أرادوا إيقاظه لصلاة الفجر كالعادة، وفى أثناء الجنازة والعزاء حدثنى صديق أثق فيه وهو صحفى مشهور فى جريدة الأخبار بأن عبدالرزاق نوفل اتصل به وحكى له نفس الحلم الذى حكاه لي.. وقال لي: إن هذا الرجل يثير حيرتي. وروت الصحفية إحسان عبدالغفار المحررة بجريدة الأخبار أنها فقدت زوجها فجأة دون مرض ودون اشارة موت واصيبت بانهيار عصبى وكادت تفقد رشدها لهول الصدمة، وذهبت الى عبدالرزاق نوفل وكان قد انتهى من كتابه «الحياة الأخري» الذى تناول فيه كيف ينتقل الإنسان الى الحياة الأخري، وأثبت فيه استمرار الحياة بعد الموت ولكن بشكل أفضل لمن أحسن عملا فى الدنيا، وشرح لها ما فى هذا الكتاب وأهداها نسخة منه قرأتها فور عودتها من زيارته فتغيرت حالتها وصارت راضية بحكم الله واطمأنت نفسها ولم تعد تبكى زوجها أو تتكلم عن الموت ولكن تتحدث عن الانتقال من حياة الدنيا الى حياة الأخرة. كان عبدالرزاق نوفل يحفظ القرآن الكريم، والأحاديث القدسية، والأحاديث النبوية الشريفة، ويحفظ ما قيل عن المسيح والأنبياء والرسل وما قاله إخناتون فى التوحيد، وكانت سعادته حين يهدى كتبه لانسان فيأتى إليه ليقول إن نظرته للحياة وللإسلام أصبحت أكثر نضجا وعمقا، أو حين يأتى اليه شخص ليعلن إسلامه بعد أن قرأ له، أما هو فيحكى أنه حفظ القرآن فى طفولته، وكان والده يعطيه الكتب الدينية من التراث ويطلب منه أن يقرأها له، وفى الجامعة شارك فى مجادلات صاخبة بين الماديين والمؤمنين، وفى دراسته فى كلية الزراعة كان يفكر وهو يرى البذرة تنبت براعم صغيرة تشق الأرض الجامدة الصلبة ويفكر: من أين لهذا النبات الضعيف هذه القوة، وفى معامل الكلية كان يرى تحت الميكروسكوب الخلية الحية صغيرة جدا ولكن فيها حياة واصرار على الحياة، وفى دراساته عن الحيوان وجد أشياء مذهلة فكيف يخرج اللبن من الدم دون أن يأخذ لونه أو خصائصه، ويرى الجرثومة المتناهية الصغر التى لا ترى إلا بالميكروسكوب، ويتساءل كيف تستطيع أن تقضى على الإنسان والحيوان. وقاده التفكير والبحث الى أن المسلم يجب أن يؤسس إيمانه بالله وبالاسلام على العقل والعلم فكتب كتابه «الله والعلم الحديث» فكان أول بحث فى هذا المجال وقلده بعد ذلك كثير من الباحثين وقدموا دراسات قيمة عن معجزات الله فى السماء والأرض وفى المخلوقات ، ثم أصدر كتابه «الاسلام والعلم الحديث»، وبعد ذلك توالى صدور كتبه التى كان له بها فضل السبق فى مجال الربط بين الايمان وبين ما وصل اليه العلم الحديث، وترجمت كتبه الى تسع لغات هى الانجليزية والفرنسية والايطالية والاسبانية والألمانية والاندونيسية والتركية والملاوية باعتبارها أول كتب عن الإسلام من منظور العلم الحديث، وكانت تدرس فى جامعات أندونيسيا وسومطرة وغيرهما، وحدث فى المغرب أن مدرسا كان يعلن الكفر أمام تلاميذه وبعد سنوات وقع فى يده كتاب لعبد الرزاق نوفل فكان من الشجاعة بحيث أعلن توبته وعودته الى الايمان وكتب يطلب من وزارة التعليم فى المغرب أن تقرر دراسة هذه الكتب فى المدارس الثانوية وسجل فى طلبه للوزارة تجربته الشخصية، وقررت الوزارة تدريس هذه الكتب ضمن منهج الدين. هذا هو الرجل الذى لا أنساه ولايزال يثير حيرتى