"يعمل إيه التعليم في وطن ضائع؟".. تساؤل قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الشباب الأخير الذى ناقش تطوير التعليم، وبعدها بأيام قليلة وقعت حادثة الكنيسة البطرسية التي راح ضحيتها 28 شهيدا وأكثر من 70 مصاب، والجاني إرهابى لا يتعدى عمرة العشرين عاما وقد يكون هذا المجرم هو النتيجة الأولى لتردي حال التعليم في مصر. فلو وجد هذا الشاب وأمثاله تعليما جيدا يحترم ويغرس فيهم معني الوطن والانتماء لما وجدنا شبابا مخترقا فكريا وعقائديا مسلوب الإرادة يستغله دعاة العنف والإرهاب والتطرف سعيا إلى هدم الوطن وخرابه. نحاول فى هذا التحقيق وضع أيدينا - من خلال آراء المتخصصين وخبراء التعليم- على مواطن الخلل في العملية التعليمية التي أصبحت تعاني من غياب إستراتيجية وطنيه حقيقية وواضحة بالإضافة إلي هيمنة الاتجاهات دينية متطرفة وتفاوت طبقي حيث أصبحت المدارس والجامعات محورا لصراعات بين الأغنياء والفقراء وبين الأقباط والمسلمين وبين المحافظين والليبراليين مما ترتب عليه ما وصلنا له الآن. لدينا مدارس وجامعات تخرج كل عام ألاف من الشباب غير المؤهل لسوق العمل فاقد الانتماء ليتحول إلي قنابل موقوتة تنفجر في وجه المجتمع لندور في حلقة مفرغه من العنف والتطرف والجهل ولا سبيل لتفادي هجمات الإرهاب والتطرف والعنف سوي إصلاح ثوري في منظومة التعليم لأنها هي قاطرة التنمية في شتي المجالات. .......................................................... هل منظومة التعليم في مصر قادرة علي أن تكون حائط الصد الأول ضد الإرهاب والتطرف؟ أجاب الخبير التربوي الدكتور محمد زهران قائلا: قلت مرارا وتكرارا لكي نبدأ نهضة حقيقية وشاملة لابد أن نبدأ بالتعليم وأي شئ من غير تعليم جيد سنصل إلي ما نحن فيه ألان، ماذا ننتظر من بلد وصل ترتيبه إلي قبل الأخير علي مستوي العالم في جودة التعليم وفي تقرير المنظمات الدولية مصر خارج التصنيف العالمي لذلك لا تحدثيني عن استقرار وعن تنمية وعندما يكون ترتيبي خارج التصنيف العالمي للتعليم يصبح كل ما يحدث سببه وضع التعليم المزري والسيئ والمنهار مما افقدنا الولاء والانتماء للدولة لأنها لم تهتم بزرع الولاء والانتماء . ويضيف زهران قائلا: شاركت في وضع دستور 2014 وكنت رئيس لجنة التعليم وقد طرحنا رؤيتنا علي لجنة الخمسين، وكانت من أهم المواد المادة التي تنص علي أن تكون ميزانية التعليم 4 % من دخل الدولة معتقدين أنها البداية الحقيقية لنهضة التعليم في مصر بعد الثورة ، لكن للأسف عند وضع ميزانية الدولة نزلت النسبة لأقل من 2 % للأسف من وضعوا الميزانية لم يحترموا الدستور والقانون . كما أكد زهران أن وزارة التربية والتعليم لا تملك خطة استراتيجية واضحة وكل يوم تصدر قرارات وزارية متناقضة ومتضاربة ويتم إلغاؤها بعد أيام أو بعد ساعات، وعندما يتم إسناد تطوير التعليم إلى من أفسدوا التعليم وأوصلونا إلى هذه المرحلة المتدنية على المستوى العالمي في مستوى التعليم فالطبيعي أن يكون لدينا تعليم فاسد، وعندما لا يحصل المدرس وهو أساس العملية التعليمة علي حقوقة المالية التي تكفيه هو أسرته فلن تنتظم العملية التعليمة لان المعلم الذي لا يشعر بالاستقرار المادي لا يستطيع أن يغرس في الطالب الأخلاق والتوجهات التي تنمي الأخلاق والانتماء للدولة وهو لا يأخذ ابسط حقوقه من الدولة في الوقت الذي يتم فيه زيادة حوافز ومرتبات فئات أخري في المجتمع. وأذكر عندما طلب القضاة من ميركل رئيس وزراء ألمانيا زيادة رواتبهم مساواة برواتب المدرسين ردت عليهم قائلة «هل تطلب مني أن أساويك بمن علمك»، ورفضت طلبهم ،وأذكر من ضمن الدول التي اهتمت بالمعلم وأعطته حقوقه وانتقلت إلي مصاف الدول المتقدمة سنغافورة واليابان والإمارات في الدول العربية وأشار زهران إلي قضية أخري في غاية الخطورة وتأثر بشكل مباشر علي الاقتصاد وهي قضية المدارس الخاصة والكلام علي لسانه يقول تحولت المدارس الخاصة إلي مشاريع استثمارية صرف ولا عزاء للعملية التعليمة والتربوية وأصبح كل ما يهم أصحاب المدارس هو «التربح» من هذا المشروع ومن ثم فقدت الوزارة السيطرة علي التعليم الخاص وللأسف التعليم الحكومي أيضا وأصبحت المدارس الخاصة والدولية لها مناهجها التي تأتي بقيم وعادات وتقاليد تختلف عن قيمنا وعاداتنا وثقافتنا وللأسف بعد فترة نجد من تخرج من هذه المدارس الدولية وصلوا إلي مناصب قيادية ومهمة في البلد وهو لا يعرف أي شي عن البلد فهو ينتمي لثقافة المدرسة والجامعة التي درس فيها . لذلك من المفترض أن أي مدارس تنشئ علي ارض مصر تطبق المناهج المصرية التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية كما يقترح زهران أن يحرم خريجي المدارس الدولية من تولي المناصب القيادية في الدولة. وعن آلية الخروج من أزمة فساد وضعف المنظومة التعليمية في مصر يقول : إن الأزمة الحقيقة في منظومة التعليم تكمن في مأزق الثانوية العامة التي تكلف الدولة والمواطنين أموالا طائلة حيث ينفق حوالي 23 مليار جنيه في السنة فاتورة الدروس الخصوصية وحلها الوحيد هو عمل الثانوية العامة سنة تمهيدي قبل دخول الجامعة يدرس فيها الطالب المواد التى يحبها والتي تؤهله للجامعة التي يريد الالتحاق بها ويقوم بالتدريس لهم طلبة الماجستير في الجامعات وهي قريبة من فكرة «أي _جي « مع عمل بعض الضوابط التي تحكم العملية . ويتفق الدكتور عبد الحي عبيد خبير تربوي مدير الجامعة العربية المفتوحة مع رأي الدكتور زهران حيث يري ان التعليم الجيد هو العامل الأساسي لتخريج شباب جيد وهذا لا يحدث بدون عمل تغيرات جوهرية وخاصة في المناهج الدراسية كل أربع أو خمس سنوات لان ظروف الحياة في تغير مستمر. ويقول :أنا متفهم جدا طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي في كل مناسبة يظهر فيها ضرورة تجديد الخطاب الديني، لذلك لابد علي نفس السياق تجديد المناهج الدراسية وتنقيتها من دعوات العنف والتطرف والتعصب ضد الآخر أيا كانت ثقافته أو ديانته وأنا أري أن العملية التعليمية تشجع علي الانقسام في المجتمع وعلي النظرة الطبقية بين الناس فمن يملك المال يستطيع أن يحصل علي تعليم جيد وبالتالي يحصل علي فرص أكبر في سوق العمل وفي المقابل الشباب الفقير الذي لم يستطع ماديا أن يحصل علي تعليم جيد يكون مصيره الجلوس بدون عمل ليصبح قنبلة موقوتة تنفجر في وجه المجتمع . هل حال التعليم في الدول العربية يختلف كثيرا عن وضعه في مصر مع اختلاف الظروف والإمكانيات ؟ يجيب الدكتور مروان العقيد نائب مدير الجامعة العربية المفتوحة بدولة الكويت قائلا: لا فرق بين نظام التعليم في مصر عن باقي الدول العربية المشكلة الحقيقية لا تنحصر في جودة التعليم ليكون الضمانة للصد الإرهاب والتطرف لكن الأهم في الأساس لتفادي التطرف ومواجهة الإرهاب هو التربية السليمة التي تنشأ في داخل الأسرة ، التعليم أصبح الآن متوفرا ومتاحا للجميع عن طريق الوسائط التكنولوجية التي أصبحت متاحا للجميع لكن التربية هي الأساس لذلك في رأيي لكي نرتقي بالعملية التعليمية لابد في المقام الأول من الارتقاء بالمعلم لأنه هو أساس العملية التعليمية لأنه هو الذي يزرع القيم والمبادئ والأخلاق في الطلبة لذلك في الكويت دخل المدرس أكبر من دخل مدير الجامعة . يقول الدكتور كمال مغيث باحث بالمركز القومي للبحوث التربوية إن نسق التعليم في مصر فقير لا يشجع تميزا ولا يكافئ إبداعا ولا يحض علي تفرد وإنما يسعي إلي «تنميط» التلاميذ وصبهم في قوالب جامدة تختزلهم جميعا في درجة واحدة توضع في شهادة تقيس ما حفظه التلميذ لا ما يفهمه أو يعرفه أو يتحمس له, وأصبحت العملية التعليمية كلها تقوم علي الحفظ والتلقين والإملاء دونما اعتبار لرغبات الطلاب أو مواهبهم او قدراتهم, وأصبحت النظم والسياسات التعليمية تخضع لمقتضيات ومتطلبات واملاءات السلطات السياسية الحاكمة لا حاجات المجتمع ولا طبيعة ثقافته وتراثه وتاريخه،وفي ظل فقر التمويل والتنافس الضاري للحصول علي درجات الامتحانات المجردة والصماء, اختفت من مدارسنا حصص وأنشطة الفنون والهوايات, مسرح وسينما وموسيقي وغناء ونحت وتصوير وزخرفة, وغيرها من الفنون التي حفظت لثقافتنا روحها واستمراريتها. وتقول: الدكتورة بثينة عبدالرءوف خبيرة تربويه الوضع الحالي للتعليم في مصر لا يخدم المواطن ولا الدولة وكل الاقتراحات الخاصة بالتعليم وتطويره منصبه علي فكرة إلغاء مجانية التعليم من المدارس والجامعات وتحول التعليم مع أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات إلي سلعة قابلة للشراء بمعني أن اللي معاه فلوس يستطيع أن يعلم أبناءه بشكل أفضل وأصبحت الدولة غير قادرة علي تقديم تعليم يوازي التعليم الخاص نتيجة لعجز في المدارس وفي المدرسين أصبحت الوزارة تبدي مرونة كبيرة لأصحاب المدارس الخاصة الذين استغلوا الوضع لمصلحتهم وأصبح عندنا مدارس كثيرة متنوعة مدارس يمتلكها اخوان وسلفيون زرعوا فيها الأفكار المتطرفة ومنعوا الموسيقي والرسم وتحية العلم وكل هذه أدي إلي ما نعيشه اليوم هذا بالإضافة إلي المعاهد التعليمية التي أقيمت في الصعيد وفي مختلف المحافظات بعيدا عن الرقابة وعن المتابعة وللأسف الوزارة تريد أن تمشي حالها . تري الدكتورة بثينة أن الحل يكون بثورة تقتلع كل جذور الإهمال والفساد في العملية التعليمية وليس الإصلاح لأن الإصلاح هو إعادة الشيء الذي انكسر وهذا لا يحدث النتيجة المطلوبة نحن نحتاج إلي علاج جذري كامل يشمل كل عناصر العملية التعليمة، بالإضافة تشريع قوانين جديدة تمنع تعدد نظم التعليم علي الأقل في مراحل التعليم الأساسي وهي أخطر مرحلة في العملية ألتعليمه لأنها هي البذرة الأولي في غرس والقيم والأخلاق والوطنية والانتماء مثلما فعل الأديب طه حسين عندما صدر قرار بتوحيد التعليم في المرحلة الابتدائية . لخص الدكتور محمد يوسف وزير التعليم الفني والتدريب السابق المشكلة الأساسية التي تعاني منها المنظومة التعليمة وتؤثر تأثيرا مباشرا علي جميع القطاعات في الدولة في عدم الثبات فيمن يتولي عملية التطوير فلا توجد دولة تغير وزيرا في فتره أقل من سنة فطبيعي لن يكون هناك أي انجاز علي أي مستوي فأي وزير أو مسئول يحتاج علي الأقل من ثلاثة إلي أربعة شهور لوضع يده علي جوانب القصور في الوزارة ووضع إستراتيجية لحلها فمن غير المعقول أن نحمل وزيرا يتولي الوزارة لمده قصير ويخرج منها أخطاء 30 سنة ماضية. وأكد الدكتور محمد يوسف لكي تنجح منظومة التعليم لابد من وضع إستراتيجية واضحة المعالم وان تكون خارجة من رئاسة الجمهورية ويتم تنفيذها علي المدى الطويل حيث تنفذ حتى لو تم تغير الوزير ليستكملها من يأتي من بعده .