يمر العالم بمرحلة اضطراب، وقلق، وصراع عقب انهيار الاتحاد السوفيتى، وانتهاء الحرب الباردة ، وأفول عصر القطبين، وظهور روسيا الوطنية الواقعية، التى تسعى إلى إعادة تنظيم كيانها لتبقى قطباً فاعلاً في السياسة الدولية، وانتهاز الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها في الأطلسى لاستثمار النجاح بنشر الصواريخ في دول حلف وارسو وإفساح المجال لهذه الدول إلى الدخول في الحلف الأطلسى . أخذت العولمة تتمدد في دول حلف وارسو بطريقين الثقافة والاقتصاد، لقد أصبح الشباب في حلف وارسو يعشقون الحياة الأمريكية، ولأن العولمة لم تعمل في إطار خطة استراتيجية متكاملة، أفرز الواقع الدولى تناقضات سياسية واقتصادية حادة، فظهرت صراعات دولية وشرق أوسطية، أوجدت مزيداً من التطرف المسلح، فظهرت داعش كتنظيم إرهابي عالمى، كما برزت المطامع لدى بعض الدول في الشرق الأوسط مثل إيران، التى وظفت الإرهاب والمليشيات المسلحة لتحقيق أطماعها الفارسية، وسايرتها روسيا في مواقفها بأنها فتحت لها طريقاً برياً إلى البحار الدافئة من قزوين إلى شواطئ المتوسط. أما في الجانب الاقتصادى فقد ظهرت الصين بشكل أقوى مما كان متوقعاً، واستطاعت منافسة الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها، كما ظهرت مشروعات صغيرة تتطور وتسوق منتجاتها بشكل سريع عبر البحار والقارات وزادت الفوارق بين الدول والطبقات، كما وفرت التكنولوجيا فرصاً ومجالات لم تكن متوقعة لصالح المجتمعات الإنسانية بينما ألغت التكنولوجيا العديد من الوظائف للأقل كفاءة والأضعف تقنية .كل ذلك أحدث شعوراً بالقلق وعدم الأمان في الدول والمجتمعات، مما ساعد على تنامي التيارات السياسية اليمينية، التي ترفض التعايش مع الآخر، وظهور الصفات العرقية التي تغلبت على الشعور الوطني، وهو ما أخذ ينتشر لدى الدول المتقدمة، مثل الولاياتالمتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، والنمسا، وهولندا، وفي الشرق الأوسط أفرز الربيع العربي صراعات داخلية ، وحروباً أهلية، مما استدعى الدول الأجنبية للتدخل في قضايا الأمن القومي العربى. أما على مستوى الأحداث فقد تردت الأحوال بين المملكة العربية السعودية وإيران في يناير 2016 إذ هاجم المتظاهرون في طهران السفارة السعودية وقطعت المملكة العربية السعودية علاقتها مع إيران، وفي فبراير حدث لقاء تاريخي بين البابا فرنسيس البابا الكاثوليكي مع بطريرك موسكو وسائر روسيا للأرثوذكس كيرير في هافانا بعد أكثر من ألف عام من القطيعة بين المسيحيين في الشرق والغرب. ومن الأحداث المهمة توقيع تركيا اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي لوقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا، وزيارة الرئيس الأمريكي أوباما إلى كوبا في مارس الماضي بعد قطيعة منذ عام 1959، تعرضت بروكسل لعملية إرهابية أوقعت 32 قتيلاً تبناها تنظيم داعش الإرهابي. وفي شهر يونيو الماضي انتقل إلى رحمه الله بطل الملاكمة الأسطوري محمد علي كلاي، وفي نفس الشهر صوت الناخبون البريطانيون بأغلبية 52% لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي وفي الشهر نفسه قتل 47 شخصاً في اعتداء انتحاري في مطار اسطنبول ادعاه تنظيم داعش. أما في الشهر الذى يليه قتل ثمانية وستون دهساً نفذه انتحاري بشاحنة في مدينة نيس الفرنسية أثناء الاحتفال بالعيد الوطني ، كما جرت محاولة انقلاب فاشلة في تركيا نسبت إلى الداعية الإسلامى التركي فتح الله غولن. وجاء شهر اكتوبر بإعصار ماثيو الذى ضرب جنوب غربي هايتي فأوقع 540 قتيلاً ، وما أن هدأ الإعصار حتى فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، في الشهر الذى يليه، وفي هذا الشهر شن الجيش السوري وحلفاؤه هجوماً وحشياً على مدينة حلب فأحدث فيها دماراً لم يشهد التاريخ له مثيلاً وفي المقابل وفي نفس الشهر جرى التوقيع على السلام بين السلطات ومتمردي مارك في كولومبيا لإنهاء نصف قرن من الحروب مما يؤكد أن الحل السلمي هو الامثل ،وفي المقابل انتهت حياة زعيم الثورة الكوبية فيدل كاسترو عن تسعين عاماً. أما الأممالمتحدة فشهدت أداء انطونيو تمو تيريس اليمينى ليصبح الأمين العام التاسع للأمم المتحدة. لقد أصبح هذا الواقع هو الذي ننطلق منه إلى العام القادم، ويحضنا على التساؤل عن المستقبل لمنطقتنا الشرق الأوسط وباقى مناطق العالم من حولنا، لقد أعتلى منابر الدول الأوروبية قادة متناقضون في بريطانيا وفرنسا، أما في أمريكا، فقد جاء الرئيس دونالد ترامب وهو المرشح غير التقليدى، الذي أخذ يتحرك خارج القالب السياسي.فالرئيس الأمريكي ترامب أول رئيس من رجال الأعمال يتسلم السلطة، مما يؤكد أنه سوف يتكلم بلغة المصالح الاقتصادية، لكننا نجده يلطف الأجواء مع روسيا ويسخنها مع الصين، بل يستفزها باتصاله بالرئيس التايواني، وفى ذلك يخالف سياسة كيسنجر التي لطفت الأجواء مع الصين وسخنتها مع الاتحاد السوفيتي، حتى انهار في عام 1991 كيسنجر في عهد نيكسون لطف الأجواء مع الأضعف يومها الصين وسخنها مع الأقوى روسيا، وهو ما يفعله الرئيس الأمريكي ترامب . فالصين هي الأقوى اقتصادياً، بينما روسيا هى الأضعف.. وفي الشرق الأوسط نجده يصرح بأن الأمن يشكل أهمية قصوى وليس الديمقراطية، ومع أنه يقترب كثيرا من روسيا الآن، إلا انه يبتعد بشكل أكبر عن ايران بل ويتوعدها بتمزيق الاتفاق النووى، كما أنه يقترب إلى درجة الحميمية مع إسرائيل مما يعزز تنسيق المواقف معها ضد إيران، وسيواصل دعمها بالسلاح الاستراتيجى وبشكل خاص طائرات ( F35 )، وعندما سألت نائب رئيس الوزراء التركى البروفيسير نعمان كورتولموش عندما استضفناه بمركز الشرق الأوسط Mesc يوم الثلاثاء 20 ديسمبر 2016 هل تسمح تركيا فى معرض تقاربها مع اسرائيل للطائرات الاسرائيلية المرور عبر أجوائها لضرب إيران فقال: لا، لكنه لم يوضح، هل اذا فعلت ذلك اسرائيل، أن تسقط تركيا طائراتها، أو تعترضها أم تكتفى بالاحتجاج لدى المنظمات الدولية. لمزيد من مقالات د. أنور ماجد عشقى