القاضي أحمد بنداري: لا تسمحوا لأي شخص أو جهة بالتأثير على إرادتكم في الانتخاب    نائب محافظ الإسماعيلية يتابع جولة الإعادة لانتخابات مجلس النواب 2025    منال عوض تبحث دفع مسار الاستثمار المستدام بالمحميات الطبيعية    هيئة «الرقابة المالية» توافق على تأسيس 6 شركات وصناديق استثمار جديدة    "متبقيات المبيدات" يستقبل وفدا صينيا رفيع المستوى لتعزيز جهود فتح الأسواق العالمية    «الخارجية» تصدر الكتاب الأبيض حول مبدأ الاتزان الاستراتيجي في السياسة المصرية    عاجل- الاحتلال الإسرائيلي يرتكب 11 خرقًا جديدًا لوقف إطلاق النار في غزة    مواعيد مباريات منتخب مصر في أمم إفريقيا 2025 بالمغرب    متحدث وزارة الأوقاف يكشف حقيقة سحب أرض الزمالك في المهندسين    تحرير 120 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    عاجل- الأرصاد السعودية تحذر: أمطار ورياح شديدة على منطقة حائل    عرض مسرحي في الأوبرا يتتبع روايات «باكثير» احتفالا بمرور 115 عاما على ميلاده    بعد إدراج الكشري على قائمة اليونسكو.. رحلة في جذور الأكلات الشعبية المصرية    الصحة: تقديم 8.4 مليون خدمة بالمنشآت الطبية في سوهاج خلال 11 شهرا    محافظ قنا يوجه بحملات مرورية مكثفة للحد من حوادث الطرق    الإعدام لسيدة وزوجها لاتهامهما بقتل شخص ونجله بمركز طما    إصابة 4 أشخاص إثر حادث إنقلاب سيارة بصحراوى أسيوط    59 تهمة بينها 15 قتل.. تفاصيل التهم الموجهة لمنفذ هجوم سيدنى الإرهابى    وأنا أحبك يا سليمة.. أول رواية لشريف سعيد الفائز بجائزة نجيب محفوظ    فيلم الست بطولة منى زكى يحصد 13مليونا و455 ألف جنيه منذ عرضه    رئيس جامعة أسيوط يؤكد على أن الفتوى الرشيدة تمثل دعامة رئيسية للاستقرار ومجابهة التحديات المعاصرة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17-12-2025 في محافظة الأقصر    الأربعاء.. 18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    اندلاع حريق بمصفاة روسية بعد هجوم أوكرانى    تزايد اقبال المواطنين بلجان انتخابات الإعادة لمجلس النواب بالغربية    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    جامعة عين شمس تتوسع في استخدام خدمات وحدة الميكروسكوب الافتراضي    بدء مؤتمر الهيئة الوطنية بشأن اليوم الأول لإعادة المرحلة الثانية بانتخابات النواب    إعلام الاحتلال: إسرائيل تستعد لمواجهة عسكرية مع حزب الله نهاية العام    بعد إدراج الكشري في اليونسكو.. التراث غير المادي مهدد بالاندثار دون توثيق    إصابة ثلاثة طلاب من جامعة بنها جراء اعتداء بمياه النار في كفر شكر    ضبط المتهم باستدراج طفلة يتيمة والتعدي عليها في الشرقية    وزير الرى: إطلاق آلية تمويلية بمخصصات 100 مليون دولار    أبو الغيط: الاحتلال يُمعن في إفراغ وقف إطلاق النار بغزة من مضمونه    شيكاغو فاير يتمسك بصفقة ليفاندوفسكي    الصحة تكشف تفاصيل تجديد بروتوكول مواجهة الطوارئ الطبية لمدة 3 سنوات جديدة    أحمد أيمن منصور: الزمالك يتعرض لظلم كبير وأتمنى مساندة نجومه القدامى    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام الطرح الخاص للشركة العملية للطاقة» وإدراجها في بورصة الكويت    رئيس مجلس الشيوخ يدلى بصوته فى إعادة المرحلة الثانية بانتخابات النواب 2025    رسل الموت تنزل فى سراييفو    مصطفى أبو سريع يعلن انفصاله عن زوجته ويعلق: كانت حق الأم المثالية لأولادي    وفاة نيفين مندور بطلة فيلم "اللي بالي بالك"    اسعار الخضروات اليوم الاربعاء 17 ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الاربعاء 17-12-2025 في محافظة قنا    مرونة الإسلام.. وخلافات الصحابة    سعر الدولار اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 في مصر    «كامل أبو علي»: أتمنى فتح صفحة جديدة وعودة العلاقات مع الأهلي    السجن 5 سنوات لعامل بتهمة إشعال النيران بسيارة مياه معدنية فى قنا    من سندرلاند إلى ليفربول.. خريطة غيابات الدوري الإنجليزي في كان 2025    الأطباء تحذر| حمية غذائية تتبعها الفتيات قبل الزفاف قد تؤدي إلى مخاطر صحية    "رئيس صندوق الإسكان الاجتماعي": نستهدف بناء أكثر من 68 ألف وحدة سكنية بالإسكان الأخضر بمواصفات صديقة للبيئة    «ترامب» يحذر فنزويلا من صدمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة    أحمد مراد: لم نتعدى على شخصية "أم كلثوم" .. وجمعنا معلومات عنها في عام    ياسمينا العبد: ميدتيرم عمل شبابي طالع من شباب.. وكل مشاهده واقعية جدًا    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    اللاعب يتدرب منفردًا.. أزمة بين أحمد حمدي ومدرب الزمالك    ما حكم من يتسبب في قطيعة صلة الرحم؟.. "الإفتاء" تجيب    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترامب .. اختيار المؤسسة
نشر في أخبار الحوادث يوم 22 - 11 - 2016

أعرف أن ما أقدمه من تحليل في هذا المقال يحمل رؤية مغايرة لما صدرعن مراكز التفكير والدراسات والصحافة والميديا الأمريكية والعالمية، وأخشي أن يسبب صدمة أخري فوق صدمة العالم بفوز دونالد ترامب، ذلك أن كثيرين من كتابنا المرموقين ذهبوا إلي أن فوزترامب يعد ثورة علي المؤسسة الأمريكية بكل أجهزتها ومراكزها ولوبياتها الفاعلة والمؤثرة، وأنه إيذان بتصدع قريب للمؤسسة الأمريكية »الدولة الأمريكية العميقة»‬ ومراكز تحكمها. وذهب البعض إلي أن أمريكا استدعت »‬حفار قبرها» وآخرون رأوا أن فوز ترامب يشبه نجاح مرسي ويناقض القيم الديمقراطية. بينما ما نراه يأتي علي خلاف ذلك، فتقديري أن فوز ترامب لم يكن خروجاً أو ثورة علي المؤسسة الأمريكية الضخمة، بل هو اختيار المؤسسة نفسها التي رأت ضرورة تجديد ذاتها من الداخل للحفاظ علي ما تبقي من أميركا بعد ما فقدت من تأثير وقدرات أضعفتها اقتصادياً وسياسياً واستراتيجيا، وصلت معها أمريكا إلي حافة الهاوية في ظل سنوات جورج بوش الابن وبعده أوباما الذي كان أيضاً محاولة بائسة من الدولة الأمريكية العميقة لتغيير قواعد اللعبة ومخاتلة العالم بالرئيس الأسود الكاثوليكي المشكوك في نسبه الإفريقي المسلم ليقوم بدور مرسوم في إعادة رسم خرائط القوي الجيواستراتيجية في الشرق الأوسط الجديد وسايكس بيكو جديدة تؤسس للسيادة الأمريكية المطلقة مع حلفائها الإسلاميين في الخليج وتركيا ومصر، وكانت الصدمة بفشل هذا النموذج الذي حاولوا الترويج له والذي جاء حصاده مراً قزم أميركا في الشرق الأوسط بفشل محاولاتها في الفوضي الخلاقة وركوب موجة الربيع العربي، وصغر بها أمام حلفائها الأوربيين وخسرت نقاطاً استراتيجية متتالية أمام عدوها التقليدي »‬روسيا» في القرم وأوكرانيا وسوريا والعراق والسعودية واليمن وإيران.
قضم بوتين القرم في لحظة خاطفة وانتصر في الحرب الأوكرانية ولاعب حلف شمال الأطلنطي وضرب داعش بقوة أسقطت ورقة التوت عن السياسات الأمريكية الداعمة للإرهاب ومعها التحالف الدولي الشكلي المخاتل، فاز بوتين علي النظام الأمريكي لا بضربة قاضية هو بالفعل لايستطيعها، إنما فاز بالنقاط، وحصل علي جائزته ببقاء الأسد والإطلال بأساطيله وقواعده العسكرية علي المياه الدافئة في طرطوس وحميميم، وعقد حلفاً استراتيجيا مع القوي الناهضة، الصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، وأسس معهم البنك الأوروأسيوي وضم معها مجموعة شنغهاي وتحالف مع إيران ولعب دوراً مهدداً للنفوذ الأمريكي وتلاعب به. خسرت أمريكا حلفائها التقليديين في المنطقة الذين انتهزوا فرصة السياسات الأمريكية الغبية الجوفاء فخرجوا من العباءة الأمريكية وحرروا قرارهم السياسي ونوعوا مصادر السلاح مع روسيا والصين وفرنسا وكوريا وغيرها مما أخل بالتوازن الاستراتيجي الذي لطالما حافظت أمريكا علي استمراره في الشرق الأوسط، وجاء علي حساب خسائر اقتصادية لأمريكا ليحتل ناتجها القومي العام ربع اقتصاد العالم بعد أن تجاوز لسنوات 40% منه، وبالضرورة هذا لم يرق المجمع الصناعي التجاري العسكري »‬الكوربوقراط» أو حكم المؤسسات الصناعية والبنوك، الذي يعد من أقوي مراكز المؤسسة الأمريكية لصنع القرار، أو الدولة الأمريكية العميقة مع البنتاجون والمخابرات المركزية الأمريكية.
ولقد كاتبتك هنا منذ شهور عن محاولات أوروبية نشطة للخروج من العباءة الأمريكية اقتصاديا وسياسياً مع بقائها علي حلف شمال الأطلنطي قائماً، وحللنا المواقف الفرنسية والألمانية وغيرها في أوروبا وأفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وكلها محاولات بقدر مالا يتسع المقال لتعديدها بقدر ما كانت خصماً من هيبة وتأثير الولايات المتحدة الأمريكية، التي وقفت بغباء ضد إرادة الشعوب فكذبت وتحايلت ودلست ولفقت وادعت ووعدت واخلفت، واستخدمت أحط السياسات في دعم الإرهاب وخلق داعش كما أسست القاعدة من قبل وتدخلت في الشأن الداخلي لحلفائها وتخندقت في الموضع الخطأ مع التنظيم الدولي للإخوان والإسلام السياسي، وكانت النتيجة أن تمدد الإرهاب ليطولها وحلفائها الأوروبيين عبر المتوسط. وتلقت درساً موجعاً من مصر في 30 يونيو، وفشلت كل مخططاتها للشرق الأوسط الجديد وتقسيم العالم العربي، حتي الحرب الطائفية سنة وشيعة فشلت في تصعيدها.الوقائع والمفارقات أكثر مما يستطيع المقال حصره، لكنك تستطيع تجميع الدلائل والإشارات علي تآكل الدور الأمريكي كقوة عظمي مما أشعر الدولة الأمريكية العميقة »‬المؤسسة الكبري» بضرورة التحرك بسرعة لتغيير قواعد اللعبة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولعلها تذرعت بمقولتنا التراثية »‬بيدي لا بيد عمرو» وعمرو هنا بوتين والصين وإيران وكوريا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط وفي مقدمته مصر وإيران واتفاقها النووي، وتركيا وارتمائها في أحضان روسيا خروجاً علي قواعد حلف الناتو الصارمة وغيرها.
لقد تحركت الدولة الأمريكية العميقة مبكراً للتمهيد لتغيير قواعد اللعبة وإنقاذ المؤسسة الأمريكية، هل تذكرون »‬جوليان آسانج» في 2010 وتسريبات ويكي ليكس بالوثائق والصور التي أغرقت العالم وأحرجت النظام الأمريكي القائم؟ هل كان آسانج يعمل وحده؟ هل تذكرون »‬إدوارد سنودن» عميل المخابرات المركزية وفضائح التجسس الأمريكي علي المواطنين ورؤساء الدول الحليفة منذ 2013؟ هل كان يعمل وحده؟. هل تذكرون الخروج المفاجئ لبريطانيا من الاتحادالأوروبي؟ ودور »‬بوريس جونسون» في التمهيد والإعداد له، ثم أصبح وزيراً للخارجية وتصريحاته التي قال فيها إن »‬أصول الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الكينية، جعلته يكره تراث بريطانيا وتاريخها». وقد شبه هيلاري كلينتون، »‬بممرضة سادية تعمل في مصحة للأمراض العقلية». وقال »‬الاتحاد الأوروبي »‬مشروع زعيم النازية، أدولف هيتلر»، الذي حاول، علي حد تعبيره، »‬إنشاء دولة أوروبية واحدة». إنها محاولات مبكرة لتوجيه ضربة للديمقراطيين الذين نجحوا في التخندق في البيت الأبيض ويريدون استمرارهم فيه، ومحاولة لتقزيم الاتحادالأوروبي وتطويعه للمرشح الجديد الذي يستعيد القيم الأمريكية »‬الواسب» أي أن يكون الرئيس أبيض، أنجلوا ساكسون، بروتستانت. من هنا جاء اختيار »‬المؤسسة» لشخص من خارج السياق السياسي الحالي لأمريكا، خريج البحرية الأمريكية، علي علاقات وثيقة بالعسكريين المتقاعدين، ورجال المال والأعمال والصناعة، أي قريب من البنتاجون والكوربوقراط، يسهل للأجهزة السيطرة عليه بما له من مصالح مالية كبري وأيضاً مخالفات وأخطاء كبري. ولأنه مقتنع أن أمريكا في أزمة، تركوا له العنان ليصدم العالم برؤيته وأفكاره، لكنها الأفكار نفسها التي كان يحسها المواطن الأمريكي البسيط والبعيد عن توجهات هيلاري وأوباما اللذين هددت سياستهما مورد رزقه ودخله وتجسسوا علي مكالماته وبريده الإلكتروني. كانت تصريحاته وشطحاته أهم وأكبر حملة إعلانية عنه. عندما وقفت الصحافة والميديا الأمريكية في أغلبها الأعم مع هيلاري، كان ذلك بتخطيط من الدولة العميقة لتفوز هي بترشيح الحزب الديموقراطي ويقطعوا الطريق علي »‬برني ساندرز» بأطروحاته وتوجهاته اليسارية التي حتماً تصطدم مع أسس ودعائم الدولة الأمريكية العميقة. هل تذكرون أن الذي قدم دليل إدانة هيلاري بشأن بريدها الإلكتروني هو »‬جيمس كومي» رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي؟ هل كان يتصرف هكذا وحده؟ وهل توعده أوباما بالرفت إلا لأنه أوجعه وضربه في مقتل في وقت قاتل.
خلاصة القول أن دونالد ترامب جاء بخطة محكمة من الدولة الأمريكية العميقة، وهو اختيارها والرجل الذي استودعت فيه سرها لاستعادة العصر الأمريكي بقيادتها ومصداقيتها وقيمها، وتطويع أوروبا
وعدم الدخول في مواجهة مع روسيا والصين والدول الناهضة، ومحاربة جادة للإرهاب وتعديل السياسات مع الشرق الأوسط وفي المقدمة مصر، مما يتطلب أن تأتي سياساته الاستراتيجية علي خلاف خطاباته الانتخابية، ولعل ترشيحات فريقه الرئاسي وتصريحاته بعد الفوز تؤكد هذا التوجه. ولعلها إشارة لنظام عالمي جديد كنا قد بشرنا بإرهاصاته وشواهده في مقالات سابقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.