ولد محمد أبوالمعاطى أبوالنجا عام 1931 وتخرج فى كلية دار العلوم عام 1956 ، ثم عمل بالتدريس لمدة أربع سنوات، ثم محررا بمجمع اللغة العربية حتى وصل إلى درجة رئيس تحرير لمدة 13 عاما، بعدها سافر إلى الكويت ليعمل فترة بالهيئة العامة للتعليم التطبيقى والتدريب ، وأخيرا انتقل للعمل محررا بمجلة العربى ومسئولا عن القسم الادبى بها، ومشرفا على مجلة العربى الصغير . ويعتبر أبوالمعاطى أبوالنجا من الجيل الذى نطلق عليه جيل الستينيات، فقد نشر أول مجموعة قصصية له « فتاة فى المدينة « عام 1960 ، ثم تلتها مجموعتاه «الابتسامة الغامضة» عام 1963، ف«الناس والحب» عام 1966 ، فرواية « العودة من المنفي» عن حياة عبدالله النديم عام 1969 ، ثم توالى نشر إنتاجه الأدبى فنشر «الوهم والحقيقة « عام 1974 ، و»مهمة غير غادية» عام 1980م، والزعيم «عام 1981» ، «فالجميع يربحون الجائزة» عام 1984 وفى «هذا الصباح» عام1999، أى أنه نشر سبع مجموعات قصصية بالإضافة إلى روايته « العودة من المنفى « والتى نال عنها جائزة الدولة التشجيعية فى الرواية عام 1972 ، كما نشر رواية «ضد المجهول» عام 1975 ، كذلك جمع بعضا من دراساته النقدية ونشرها عام 1986 ، بعنوان «قراءة فى الرواية العربية». ولعل الموضوعين الرئيسيين اللذين يتمحور حولهما أدب محمد أبوالمعاطى أبوالنجا هما علاقة الفرد بالمجموعة، والظل الرهيف الذى يفصل بين الوهم والحقيقة، أزعم أن هذين المحورين هما المفتاحان لاكتشاف العالم القصصى عند «أبوالمعاطى أبوالنجا» قصة قصيرة أو رواية طويلة. فالمجموعة القصصية «ابتسامة غامضة» تقدم لنا رؤية مؤلفها فى العلاقة بين الفرد ومجتمعه وأنها ليست علاقة واحدة متكررة، ذات نمط واحد، بل هى علاقة حية تختلف باختلاف العوامل والظروف، وقد تكون علاقة هدامة، كما قد تكون علاقة هادفة بناءة. بعد عشر سنوات من مجموعته الثانية «الابتسامة الغامضة» نشر أبوالمعاطى أبوالنجا مجموعته القصصية الثالثة «الوهم والحقيقة» ، وهى مجموعة تدل على تطور فن القصة القصيرة لديه، فبعد أن كان شغله الشاغل علاقة الفرد بالمجموع أصبح ما يؤرقه فى مجموعته القصصية «الوهم والحقيقة» هو هذا الظل الرهيف الذى يفرق بين الوهم والحقيقة، فالقصة تلو القصة تلقى علينا هذا اللغز تطلب منا حله : هل هناك وهم وهل هناك حقيقة؟ وهكذا أصبح بطل الوهم والحقيقة أكثر انطواء على نفسه وأكثر انشغالا بقضايا ميتافيزيقية بعد أن كان أبطال المجموعتين السابقتين الأوليين «فتاة فى المدينة» و»الابتسامة الغامضة» أكثر انشغالا بقضايا اجتماعية ، إن الفرد الذى كان فى مواجهة المجموع فى المجموعتين السابقتين يتحداه حينا ويخضع له حينا ، نجده فى مجموعتنا الحالية يدع المجموع ويعكف على ذاته باحثا عن ظلال المعانى الفلسفية، لعل هذا التحول كان أثرا من أثار صدمة هزيمة 1967، حيث اختلطت الأمور وانكسرت الأحلام. وهكذا فإننا لا ندرى أين الوهم وأين الحقيقة، وما حسبناه وهما فى البداية أصبح كأنه الحقيقة فى النهاية ، لهذا كثر استخدام اللفظ وضده الجيد والرديء، الصواب والخطأ، الحرية والنظام ، ربما يعرفون كل شيء وربما لا يعرفون شيئا .. إلخ. وقصص المجموعة كلها فى خط الزوال، وكلما كانت هناك محاولة للإمساك بالظلال بين المتضادات أفلتت كالشعاع، لهذا ترددت فى أسلوب أبوالمعاطى أبوالنجا ألفاظ جديدة فى هذه المجموعة، وعرف الجدل طريقه بين المعنى وضده – لا أقول نقيضه لأن النقيضين لا يلتقيان، أما الضدان فتمتد بينهما ما لا نهاية له من الظلال – وقد عشنا بفضل مجموعة «الوهم والحقيقة» فى هذه الظلال، وهى تلقى علينا سؤالا تلو سؤال لنحصل على الإجابة أخيرا أن الحقيقة هى ما نفعله حين نواجه الموت، وأننا لا نكتشفها فقط فى تلك اللحظة بل نصنعها أيضا ، وهى إجابة أشبه بالنبوءة لما دار من معارك على جبهة قناة السويس فى أكتوبر عام 1973 ، حيث إن أحدث قصص المجموعة كتبت قبل ذلك بثلاث سنوات على الأقل، فلئن كان من الصحيح أن بعض قصص المجموعة انعكست عليها أصداء هزيمة 1967 ، فإن بعضها الآخر كان محاولة للبحث عن الإجابة على التساؤل الذى أثاره اختلاط الوهم والحقيقة. وهكذا حقق أبوالمعاطى أبوالنجا وظيفة من أهم وظائف الفن على مر التاريخ، تلك هى وظيفة النبوءة، بل إنه بهذا الحل أو الإجابة حقق التحاما بين عالم الذات المنطوى على التأملات الميتافيزيقية، حيث تفر الحقيقة كما يفر الشعاع من قبضة اليد، وعالم الواقع الحى الذى يضج بالعنف إلى درجة مواجهة الموت حيث الحقيقة بل صنع الحقيقة. لا عجب إذن أن يتفق ناقدان كبيران هما الأستاذان فؤاد دوارة والدكتور عبد القادر القط على رؤيتهما اللتين تبدوان كأنهما من زاويتين متضادتين، فبينما يصف فؤاد دواره فى رؤيته التركيبية أن أبوالمعاطى أبو النجا أشبه بالغازلة التى تجمع خيوطها الدقيقة فى أناة وصبر لتصنع منها فى النهاية عملا رائعا يبهر العيون، يرى الدكتور عبدالقادر القط فى رؤيته التحليلية أن أبو المعاطى أبو النجا من ألمع كتاب القصة النفسية عندنا ومن أبرزهم على تفتيت اللحظة النفسية الواحدة إلى لحظات جزئية غنية بالدلالات، وعلى توليد كثير من المعانى المفردة من معنى كلي، لتصبح القصة على قلمه أشبه بالقصيدة التى تدور حول إحساس واحد، وهما رؤيتان – على نحو ما نرى – تكمل إحداهما الأخرى وتشيد بالسمة التى يتميز بها الأسلوب القصصى عند محمد أبوالمعاطى أبوالنجا . ............................. وقد كنا على اتصال دائم قبل ذهابه إلى الكويت للتدريس أولا ثم العمل بمجلة العربي. وبعد عودته مراسلها فى القاهرة. وجيرانا بضاحية المعادى نتزاور قبل انتقالى من هذه الضاحية. ومن مواقفه الكريمة التى لا انساها أن صحيفة الوطن الكويتية نشرت فى 10 يناير 1981مقالاً عنوانه «أحد أطباء علم النفس يحصل على جائزة الرواية عن رواية لم تقرأها لجنة الجوائز» وملخص المقال ان يوسف الشارونى عضو لجنة جوائز الدولة التشجيعية بالمجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية (المجلس الأعلى للثقافة حالياً) « الرجل القوى الذى يقف وراء الكثير من القرارات فى مسألة جوائز الدولة، يوسف الشارونى هذا له نجل يدرس الطب النفسى على يدى يحيى الرخاوي، فأراد الشارونى أن يقدم السبت ليرد عليه الرخاوى فى يوم الأحد على طريقة شيلنى وأشيلك المصرية لدرجة أن يحيى حقى عضو لجنة القصة أكد لبعض أصدقائه أن أحداً من أعضاء اللجنة لم يقرأ هذه القصة أبدا ، لكن الشارونى قال له إن الرواية كرمتها صحف الخليج العربى ، وكُتبت آلاف الدراسات عنها فى هذه الصحف ، فيجب أن تُمنح الجائزة. هكذا وافقت اللجنة على «التمرير». فاستفز هذا المقال أخى الأستاذ أبو المعاطى –وهو يعمل بالكويت – وتطوع مشكوراً ليرد فى الجريدة نفسها بتاريخ 14يناير 1981 بمقال عنوانه «رواية الرخاوى عملُ فنى رائع لا علاقة له بغير الفن والفكر ... ورغبة فى أن لا يُظلم إنسان أو تضيع حقيقة ، أرى أن واجب الأمانة يدفعنى إلى كتابة هذا التعليق الموجز على نفس ما جاء فى (رسالة مصر) المنشورة بجريدة الوطن الغراء بتاريخ السبت 10 يناير 1981 تحت عنوان «كامب ديفيد النفسي». وبعد أن يناقش ما جاء من أخبار بالمقال لا صحة لها مثل اشتراك يحيى الرخاوى فى مؤتمر جامعة بنسلفانيا عن استخدامات علم النفس لحل الصراعات الدولية عنوانه : «مؤتمر كامب ديفيد لعلم النفس» هدفه التطبيع مع إسرائيل مع أن الرواية التى حصلت على جائزة الدولة التشجيعية عام 1982 وكتبت عنها مقالا فى مجلة إبداع عدد مايو 1983 . والأستاذ محمد أبو المعاطى أبو النجا كان له فضل تعريفى بالمبدع المتميز قريبه الدكتور جمال الدين موسى وزير التعليم الأسبق وروايته «فى وادى الحنين» (دار نهضة مصر، 2015) التى نشرت عنها مقالا فى يناير من هذا العام 2016 فى مجلة الثقافة الجديدة بعد أن نشر الأستاذ أبو المعاطى مقالا عن روايته «فتاة هيدلبرج الأمريكية» (دار نهضة مصر ، 2014). وكان أخر لقاءاتنا التليفونية منذ أسابيع وهو يتردد على المستشفى حتى قرأت خبر رحيله فى أواخر هذا الشهر من عام 2016.