منذ مايقرب من ثمانى سنوات كنت ضمن وفد صحفى كبير مصاحب للرئيس أوباما فى رحلته لإلقاء خطاب وصف بالتاريخى من جامعة القاهرة إلى العالم الإسلامي. كان المطلوب هو فتح صفحة جديدة بعد سنوات صعبة خلال فترة حكم جورج بوش الابن شهدت هجمات سبتمبر الإرهابية ثم غزو أفغانستان فالعراق. توقف أوباما ليلة فى الرياض التى أضيفت إلى الرحلة إرضاء للسعوديين، لكن كان السؤال العالق لدى الجميع: لماذا لم تتم إضافة إسرائيل؟ كان هذا هوالمؤشر الأول لمرحلة جديدة فى علاقات الدولتين شهدت الكثير من التوترات وأصبح على أوباما أن يتعامل مع حكومة إسرائيلية وصفها وزير الخارجية جون كيرى منذ أيام بأنها الأكثر يمينية فى تاريخ إسرائيل ويسيطر اليمين المتطرف على أجندتها. لكن كان هناك ماهو أكثر من الخلاف السياسى والأيديولوجي: لقد كره الإسرائيليون أوباما من أول نظرة أو ربما من أول رحلة للمنطقة. أهمية ذلك تعود بنا إلى فترة حكم بيل كلينتون الذى حقق شعبية كبيرة لدى الإسرائيليين مكنته من الضغط على نيتانياهو فى فترة حكمه الأولى عام 1996 1999. لكن الوضع اختلف كثيرا مع أوباما، فأصبح الخلاف معه يحسب لصالح نيتانياهو باعتباره الرجل القوى الذى يتصدى لأوباما بعد أن تم تصنيفه معاديا لإسرائيل. المدهش أن إدارة أوباما كانت الأكثر دعما لإسرائيل عسكريا واستخباراتيا باعتراف نيتانياهو نفسه، لكن الخلاف السياسى بينهما تصاعد بشكل هائل بشأن القضية الفلسطينية والنشاط الاستيطانى ثم الاتفاق النووى مع إيران. يقول دينيس روس إنه كان هناك فريقان داخل إدارة أوباما فى التعامل مع إسرائيل: الأول يرى ضرورة التفاهم مع الإسرائيليين وإشراكهم فى خطط واشنطن حتى لاتعارضها وكان من بين هذا الفريق وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون. أما الفريق الآخر فكان يرى إسرائيل كمشكلة ويفضل الابتعاد عنها، وهنا يركز روس بشكل خاص على مستشارة الأمن القومى سوزان رايس.هذا الفريق الثانى كانت له السيطرة خلال الجزء الأول من فترة أوباما الأولى، وبالتالى جاء قرار تجاهل زيارة إسرائيل خلال جولة أوباما ثم الضغط العلنى لوقف النشاط الاستيطاني. وعلى مدى سنوات حكم أوباما الثماني، كان نيتانياهو يبدو مزهوا بانتصاره فى أغلب مواجهاته مع الرئيس الأمريكى بتحديه فى قضية المستوطنات وتعطيل خطط أوباما لحل الدولتين ساعده على ذلك مساندة قوية من الجمهوريين فى الكونجرس، بل وصل الأمر للإعلان عن بناء مساكن جديدة للمستوطنين فى أثناء زيارة نائب الرئيس جو بايدن لإسرائيل فيما اعتبرته هيلارى كلينتون إهانة مقصودة، وبدأ المسئولون الأمريكيون يتحدثون بمرارة عن نيتانياهو الذى وصفه مسئول أمريكى كبير بأنه «براز دجاجة». وعندما بدا أن أوباما فى طريقه لتوقيع اتفاق مع إيران وجه له نيتانياهو لطمة قوية، بالترتيب لخطابه أمام الكونجرس مع رئيس مجلس النواب فى ذلك الوقت جون بينر دون علم أوباما. لكن المؤكد أن العام الماضى شهد تراجعا كبيرا لنيتانياهو مع توقيع الاتفاق الإيرانى وعجز اللوبى الإسرائيلى عن تعطيله فى مجلس الشيوخ رغم أغلبيته الجمهورية، واستطاع أوباما بمهارة كبيرة أن يمنع التصويت أساسا على الاتفاق مستغلا وسائل إجرائية بعد ضمانه تأييد الديمقراطيين فى المجلس باستثناء قلة قليلة. لكن ظل القلق الإسرائيلى أن يستغل أوباما الفترة القصيرة ما بين الانتخابات الأمريكية وتولى الرئيس الجديد لتوجيه الضربة الأقوى لحكومة نيتانياهو فى القضية الأساس لخلافاتهما، وهو ماحدث بالامتناع عن التصويت ضد قرار مجلس الأمن الأخير بشأن المستوطنات، وبالتالى فلم يكن موقف واشنطن مفاجئا تماما. ثم جاء خطاب وزير الخارجية جون كيرى بعدها بأيام ليواجه إسرائيل بما لم تسمعه من قبل بشأن سياساتها التى قال إنها تنهى عمليا حل الدولتين وخاض فى توصيف الوضع فى الضفة الغربية بحيث لم يتوقف كما ذكرت صحيفة إسرائيل تايمز سوى عن ذكر كلمة (أبارتهايد) أو التمييز العنصري. لكن كل ذلك ربما لايعنى الكثير فى المحصلة النهائية، فهناك إدارة جديدة لرئيس منتخب (دونالد ترامب) يؤكد أن كل شىء سيختلف مع توليه السلطة، وخرج نيتانياهو مستخدما الرئيس القادم لتهديد كل من يحاول الإضرار بإسرائيل وقال إنه سيعمل معه على تقليل آثار القرار الدولى أو إلغائه. لكن نيتانياهو لايزال قلقا. فطعنة مجلس الأمن قد لاتكون الأخيرة، وهناك تخوف من وضع إطار التسوية الذى تحدث عنه كيرى أخيرا أمام مؤتمر باريس منتصف يناير قبيل نهاية فترة أوباما بخمسة أيام يتم بعدها التصويت عليه فى قرار جديد بمجلس الأمن، وهو ماسيضع نيتانياهو وترامب أمام مأزق جديد يقيد حركتهما فى الملف الفلسطيني، خاصة أن المؤشرات تؤكد توجه إسرائيل لضم الجزء الأكبر من الضفة الغربية (المنطقة سي) ، مع إبقاء المستوطنات بما يحول دون وجود دولة فلسطينية حقيقية. فهل ينجح أوباما أخيرا فى النيل من خصمه اللدود أم أنها صحوة متأخرة؟ ومن فيهما سيضحك أخيرا ليضحك كثيرا؟. لمزيد من مقالات محمد السطوحى