ان تروج لمعلومة كاذبة بغرض احداث تأثير ما ليس بالأمر الجديد, كانت وستظل افضل وسائل الحرب النفسية وأبسطها وأكثرها تلاعبا وتوجيها للفكر الجمعي, لذا لا غرابة أن يؤكد غالبية الخبراء أن الترويج الممنهج لمعلومة كاذبة أكبر أثرا من استخدام الآلة العسكرية. كان لنشر الأخبار الكاذبة والمضللة فى 2016 – وغالبا فى السنوات القادمة- تأثير ساحق على نتائج أكبر وربما أهم عمليتى اختبار للرأى الجماهيري. أولا صدم البريطانيون انفسهم بما آلت اليه نتائج الاستفتاء المصيرية على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي, ثانيا جاء فوز دونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية الامريكية صادما تماما للآلة الاعلامية التقليدية, التى استبعدت مبكرا مجرد تصور ان يصل الرجل الى البيت الابيض. فى عصر لم يعد انتاج المعلومة حكرا على الجهات المسئولة فى ايصال المعلومة الى الجماهير عبر وسائل اعلام تقليدية ووفق معايير ومناهج محددة, أصبح من حق أى إنسان أن يقدم المعلومة التى تخدم تصوراته الخاصة, او غالبا تخدم خططه وتوجهاته, دون ان يكون هناك اية مراجعة فعلية لهذه العملية, كما انه قد اصبح امرا شديد التعقيد ان يتمكن الشخص العادى من تمييز المعلومات الحقيقة من الكاذبة, ببساطة لأن من يمتلك سلاح التكنولوجيا يمكنه أن يغلف معلوماته بغلاف من الدقة والتعقيد التى تجعل من الصعب على غير المتخصص أن يسيطر على مدخلات معلوماته. وفقا لتقديرات واشنطن بوست فقد حصلت كلينتون اثناء سباقها نحو البيت الابيض على دعم اكثر من 122 صحيفة ومجلة امريكية فى الوقت الذى وصف فيه غالبية الاعلام التقليدى ترامب بالعديد من التهم والصفات التى ربما بدت غير مسبوقة فى تاريخ التنافس الإنتخابى الأمريكي. فى المقابل تمكن ترامب من استغلال شبكات التواصل الاجتماعى وعلى قمتها «فيس بوك» تماما لصالحه, وكان ترامب قد أعلن عن ذلك صراحة فى أول لقاء تلفزيونى أجراه عقب فوزه فى الانتخابات خلال برنامج 60 دقيقة حيث قال انه يعتقد انها ساعدته على الفوز فى جميع الصراعات التى انفق اعداؤه فيها اموالا كثيرة, وكان الرجل قد اكد ان جانبا كبيرا من نجاحه يعود الى امتلاكه اكثر من 28 مليون متابع على جميع وسائل التواصل الاجتماعي. ومع معرفة أن نحو 40% من الامريكيين يعتمدون على الفيس بوك للحصول على مستجدات الاخبار, فانه يمكننا تصور كيف تمكنت هذه الشبكة من لعب دور هائل فى الوصول الى هذه النتيجة. شكلت شبكات التواصل الاجتماعى ايضا صدمة عالمية هذا العام, وذلك عندما جاءت نتيجة الاستفتاء البريطانى على الخروج من الاتحاد الاوروبى مخيبة للتوقعات, ووسط عدد هائل من التحليلات التى خرجت ما بعد الصدمة, كانت الكثير من آراء الخبراء قد اشارت باصابع الاتهام الى الحملات الممنهجة التى تمت عبر الفيس بوك وتويتر وخلقت ما يمكن وصفه بحالة ذعر بريطانية غير مسبوقة, دفعت الجماهير الى التصويت لصالح الخروج, ولم تكد تمر اسابيع قليلة الا وكانت جميع التغريدات وال»هاشتاج» تسير عكس الاتجاه, فيما وصفه الكثير من المحللين بحالة «ندم ما بعد الشراء» وهى حالة تصيب من يتسوقون على عجل, حيث ابدى الكثير من البريطانيين ندمهم على نتيجة الاستفتاء وانه كان قرارا متسرعا وغير حكيم, جاء نتيجة حالة الهلع التى اشعلت نيرانها وسائل التواصل الاجتماعى التى لعبت على عناصر «ارهاب نفسي» مثل احتلال المسلمين المهاجرين لبريطانيا اذا ما استمرت موجات تدفق اللاجئين على دول الاتحاد الاوروبي, وفقدان سيطرة بريطانيا على قوميتها.