لن نحتفل بعيد الكريسماس هذا العام كررها كثيرا فى البيت و لن نضىء الشجرة مطلقا» حزنت ابنته عندما أعلن الاب ذلك أما الزوجة فلم تعلق وذهبت للشرفة تتأمل الفراغ المترامى أمامها وهو مساحة خضراء من أشجار الزيتون الباهتة من أثر غبار الجبال ومداخن الاسمنت لم تكن حديقة بل مزرعة سجن للكبار والفاسدين وتذكرت أنه منذ أن ماتت والدة زوجها والحياة معه تغيرت وتبدلت وأصبحت سجنا كبيرا فزوجها فقد الاهتمام بالاشياء الكبير منها والصغير وأيضا العادى واليومى من الامور لم يعد يشغله حتى الرغبة فى الفراش مع زوجته لم يعد يٌقبل عليها ولكن زوجته تحبه وتعلم تماما مدى حب زوجها عماد لوالدته و ما فعلته من تضحيات من أجله وخاصة بعد وفاة والده والذى عانى من الاكتئاب بعد وفاته... علاقته بوالدته تعدت مراحل الامومة العادية فهى أقرب الى توأم روحه واهتمامها به اهتمام عشيقة وليس أما عادية لم تغَر الزوجة من هذه العلاقة فى البداية و لكن باتت تمل من اهتمامها الزائد لدرجة تشعرها بالتقصير نحو واجباتها كزوجة حديثة العهد بالزواج فهى تصر على ان يتناول غذاءه معها وأن يمر عليها كل يوم لتطمئن عليه وتوقظه صباحا حتى لا يفوته عمله ويبوخه مديره ودائما ما حثته على ان يكمل دراسته العليا ليرتقى فى عمله و يحصل على علاوة تساعده فى حياته ومعيشته وكثيرا ما تقرضه نقودا وتمده بخزين من المؤن والطعام ومع ذلك لم يكن طفلا مدلالا ولكنه تعود على رفاهية الاهتمام و مركزية الانتباه والمحبة المفرطة وهذا لم تتفهمه زوجته الا مؤخرا . كانت الزوجة تنظر للقمر الذى يرسل أشعته الفضية عبر السماء ويبزغ بقوة رغم السحب التى تحاول إخفاءه . قالت الطفلة لوالدها بحثنا عن الشجرة فوجدنا الأفرع ولم نجد الحامل ولا قاعدة الشجرة ثم أضافت بيأس: منال ( الخادمة) ستبحث عنها غدا ماما بحثت و لم تجدها ثم أضافت أحب شجرة عيد الميلاد فى المساء وهى تضىء الردهة . فى اليوم التالى عندما عاد الزوج من العمل قالت الزوجة وهى تضع له الطعام لقد اشتريت زينة جديدة لشجرة عيد الميلاد ثم أخرجتها من الكيس ثم أكملت ليست غالية فعلق قائلا دون اكتراث شكلها جميل، كل شيء أصبح غاليا هذه الأيام ولا أحد يرحم الفقراء برغم ادعائهم انهم يبذلون قصارى جهدهم لذلك .. شجرة عيد ميلاد جديدة!؟ لماذا؟ سأل عماد نفسه احتفالا بعام آخر من الحزن والحرب فى الدول القريبة؟. كيف يحتفل وقد ماتت والدته العام الماضى وخالته و بعض أقاربه ماتوا أيضا وهم لايزالون شبابا و يبحثون عن راحة من الجهد والشقاء فى تربية الابناء سرح بخياله و تذكر عندما كانوا يعيشون فى شبرا كانوا يحتفلون بليلة رأس السنة يلتقون حول التلفاز يستمعون لحفلة موسيقية وتهنئة من ممثلين و مغنين يرددون نفس الأمنية «مارى كريسماس» ثم يأكلون البرتقال على سنتين نصفها قبل الثانية عشرة بدقيقة ونصفها الآخر بعد الثانية عشرة ثم يهب أخوه ويٌطفأ المصباح و يٌقبلون وجنات بعضهم فى الظلام تعلموا ذلك من السينما . الآن عماد وحيد, إخوته سكنوا بعيدا وعلى فترات متفاوتة يهاتفونه أو يزورنه, زوجته هددته فى لحظة من الضيق إن لم يخرج من اكتئابه سترحل هى والطفلان وتعيش مع والدها المسن المريض الذى بالطبع يحتاج إلى عنايتها أكثر منه. الليلة ليلة رأس السنة الجميع فى الشوارع رغم برودة الجو والصقيع المبارك الذى يأتى من جبال وبحار أوروبا التى مات فيها الكثير من اللاجئين السوريين غرقا, وهو يمشى وحيدا يضع أصابعه فى جيبه ليشعر بالدفء يتذكر ابنته ورغبتها فى ان تشاهد أضواء الشجرة تضيء الردهة وتجلس لتراقب وميض الضوء وهى يعاكس وجهها الجميل البرىء كانت بالنسبة له فرحة الوجود و لولا وجودها فى حياته لانتحر بعد وفاة والدته أو حتى أهمل حياته الزوجية لدرجة الانفصال, هى ترقص له عندما يكون وحيدا وتغنى له أغانى قد دربها عليها أو حفظتها فى مدرستها . فى الشوارع الشباب يلهون و يغنون ويهرولون غير مكترثين بالبرد و على مفترق الطرقات البائعون الجائلون بحلواهم وزينة الكريسماس تملأ عرباتهم, اقترب من أحدهم واشترى طراطير وبابا نويل ثم اتجه لمتجر حلوى واشترى كعكة متوسطة الحجم واشترى أيضا برتقالا. عندما ذهب للمنزل وجد زوجته قد خلدت للنوم و تحتضن أولادها شعر بالندم والحسرة. هناك فى ركن من أركان الردهة كانت شجرة عيد الميلاد تنام هادئة أخذ يفكر ماذا يفعل. لام نفسه متسائلا لماذا يفسد كل اللحظات الرائعة فى حياته وحياة الاخرين وخاصة المقربين له، طرأت فى رأسه فكرة دخل حجرة مكتبه و التى دائما ما تضع فيها الخادمة مالا يحتاجه المنزل من أدوات, فبحث عن حامل الشجرة و بعد عناء بين الكتب والاشياء وجد ضالته فذهب للردهة, وضع جذع الشجرة على الحامل وأخذ فى تزيين الشجرة ثم ترك مساحة من الشجرة لتزينها ابنته وضع الكعكة على الطاولة وبجوارها البرتقال تردد فى رد فعل زوجته ان ايقظها الان وخاصة ان لديها عملا باكرا ويوما دارسيا للاطفال, طرد التردد دخل الحجرة اشعل المصباح ففتحت الزوجة عينيها على مضض ثم همست الاولاد هيصحوا اطفى النور قال دعنا نحتفل ردت بحسرة سيد الفرص الضائعة فجأة هبت ابنته التى لم تكن نامت بعد ربما كانت تنتظره كعادتها وهتفت هااااا ثم قفزت من الفراش وارتمت فى حضنه وكذلك فعل الطفل وبتثاقل نهضت الزوجة ولكن ما لبثت أن دب فيها النشاط والحيوية فقطعت الكيك وأشعل الزوج بعض الشموع بمساعدة ابنه ووزع الطفل شرائح البرتقال قى الطبق, أخذت الطفلة تزين الشجرة وتضع الكرات الملونة والنجوم الفضية على أفرع الشجرة وتماثيل صغيرة لبابا نويل وهى تغنى وسعيدة, أعلن المذيع العد التنازلى لبداية العام الجديد وملأت الغرفة الموسيقى الخاصة بهذه المناسبة فنهضت الزوجة فأطفأت النور واحتضنوا بعضهم البعض فشعرت الزوجة بقطرات من الندى تنزلق على خدها كانت دموع زوجها ساخنة ربما تذكر والدته وحفلة رأس السنة الماضية.ربما .