وضع المنجمون والفلكيون تنبؤاتهم لعام 2017. وكما جرت العادة منذ عصر ما قبل التاريخ؛ فإن الحضارة الإنسانية على الرغم من تطورها مازالت تتشبث ببعض جذورها من الماضى السحيق. فمنذ بداية الخلق كان الخوف من المستقبل، أو الجهل به على وجه التحديد، دافع رئيسى لأن يتجه الإنسان وتتجه المجتمعات إلى وسائل مختلفة للتقليل من الجهل بالقادم أى بالمستقبل. وبمرور الزمان، تراكمت الوسائل الواحدة تلو الأخرى، لنجد فى العقد الثانى من القرن الحادي والعشرين من يتمسك بمحاولة الكشف عن المستقبل عبر التنجيم وعلوم الفلك القديمة وكروت الحظ وغيرها من الوسائل البدائية التى لجأ إليها الإنسان منذ قرون وتأكد من عدم دقتها وسلامة ما تشير إليه. وفى نهاية عام 2016، انهالت التقارير التى تتنبأ بما يمكن أن يأتى به المستقبل للعالم بوجه عام ولمنطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد. فهناك فلكى شهير من تونس قال إن العراق سيشهد تقسيما طائفيا وجغرافيا العام المقبل، وأن ذلك سيترافق مع المزيد من إراقة الدماء. بينما يشهد لبنان توافقا سياسيا وتوحدا، الأمر الذى سينعكس إيجابا على الصعيدين السياسى والاقتصادى للبلاد. كما تنبأ بسقوط طائرة ركاب سيكون على متنها شخصية عالمية هامة دون أن يفصح عن اسم تلك الشخصية. وفيما يتعلق بفلسطين، التى تم إعلان 2017 كعام لاستقلالها وتحريرها، فهناك من تنبأ بزوال الانقسام بين حركتى فتح وحماس، وعودة الوحدة السياسية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يعنى أن إسرائيل خلال عام 2017 ستواجه شعبا فلسطينيا متحدا، بينما ستواصل إسرائيل سياسة المماطلة والتسويف فى ملف عملية السلام مع الفلسطينيين. أما مايكل ماكليلان المؤلف المعروف المهتم بالنبوءات العالمية فيقول إن مذنبا أو جسما سماويا ما سيشكل خطرا على الأرض، كما تظهر النبوءات القديمة، وربما يتسبب فى خسارة كبيرة فى أرواح البشر والحيوانات بحلول أكتوبر2017! وتمت الإشارة إلى احتمالات غير مؤكدة لأن تبدأ الولاياتالمتحدة فى انسحاب تدريجى لقواتها من العراق مع حلول شهر مايو2017. وتم التحذير من امتداد الحرب فى العراق إلى إيران أو السعودية، أو أن تنتقل القوات الأمريكية المنسحبة من العراق إلى مكان آخر فى الشرق الأوسط، مع إمكانية شن ضربات جوية ضد إيران أو الصومال أو السودان أو ضد جماعات مسلحة فى شمال العراق. وفيما يتعلق بالعراق، أشارت التنبؤات إلى أن نهاية حربها الأهلية يمكن أن يمهد لعودة أحد الحكام الأقوياء لحكم العراق بحلول أكتوبر2017. وهناك تنبؤات بانسحاب إسرائيلى مفاجئ من الجولان فى سوريا وشبعا فى لبنان وسط إحتمالات بعودة قوية لعملية السلام. وفى إطار الحديث عن تنبؤات عام 2017 برز كتاب قديم لمؤرخ كورى بعنوان "تنبؤات سونج ها" الذى ولد عام 1845 ووضع تنبؤاته حتى عام 2015 وتنبأ بحرب نووية (أو لأسباب نووية؟) تنتصر فيها الولاياتالمتحدة على كوريا الشمالية عام 2017، ولاحقا تمهد لتوحيد الكوريتين، وبحرب مماثلة بين الولاياتالمتحدةوالصين عام 2017 وحددها البعض بحرب اقتصادية بينهما، تواكبها حالة كساد عميقة فى الاقتصاد الصينى. ونقلت وسائل إعلام روسية ما تنبأت به وكالة "بلومبرج" من سيناريوهات جيوسياسية فى عام 2017، منها خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبى وانفصال كاليفورنيا عن الولاياتالمتحدة. وطرحت الوكالة عددا من السيناريوهات تشمل تطور الأحداث بداية من الولاياتالمتحدة ما بعد انتخاب ترامب وصولا إلى السعودية والحرب على اليمن. فمثلا ستلجأ المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إلى اتفاق مع روسيا بشأن تقسيم مناطق النفوذ بينهما فى الشرق الأوسط وشرق أوروبا. فيتخلى الغرب عن مصالحه فى سورياوأوكرانيا، ويوافق الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على التوقف عن التدخل فى شئون الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى مقابل اعتراف ترامب وميركل بنفوذ روسيا فى أوكرانياوبيلاروسياوسوريا. وفى ظل ذلك السيناريو، ستعيد روسيا مكانتها العالمية بعد مرور26 عاما من تفكك الاتحاد السوفيتى، ويتم رفع العقوبات الغربية المفروضة على روسيا ويتعافى الاقتصاد الروسى. وستخسر ميركل فى الانتخابات القادمة، بينما ستفوز مارين لوبان زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" اليمينى الفرنسى، فى انتخابات الرئاسة الفرنسية وستعلن عن خروج بلادها من الاتحاد الأوروبى، ويعم أوروبا توجه نحو السياسيين الشعبويين المطالبين بالتضييق على الهجرة والانسحاب من الاتحاد الأوروبى. وهناك من أشار إلى توقعات نوسترداموس لعام 2017. فقد تنبأ الفيلسوف والفيزيائى والفلكى الفرنسى ابن القرن السادس عشر بأحداث خطيرة فى عام 2017، مثل الحرب الهائلة بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتناقص الموارد، وقلة المياه وزيادة التوترات مع تهديدات كبيرة بحروب بيولوجية وإرهاب. وتوقّع أن تتخذ الصين خطوات سريعة وجريئة لعلاج عدم الاستقرار الاقتصادى فى العالم، وستواجه إيطاليا ضائقة مادية مع ارتفاع فى معدلات البطالة والقروض، ما سيجعلها فى مركز زلزال مالى اقتصادى. وهكذا تتدفق التنبؤات والتوقعات، ولكن تظل الحقائق المنطقية هى التى تفرض نفسها فى كل زمان ومكان؛ فبالعمل والإرادة الحقيقية يمكن للإنسان قهر كافة التنبؤات والتوقعات. إن الأقدار تقف إلى جوار الجادين وتتخلى عن المتواكلين، وبالعمل والتعاون والجد والاجتهاد والإصرار والعزيمة لا يستطيع "الجن الأزرق" ذاته أن يضع نبوءة لا تبشر بالنجاح. لمزيد من مقالات طارق الشيخ;