أثار تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية, هيلاري كلينتون, الذي يعتبر واحدا من سلسلة تصريحات ومواقف أمريكية مستنكرة شعبيا لم تتوقف منذ الثورة المصرية, وأكدت فيه' ضرورة تسليم السلطة في مصر إلي الفائز في الانتخابات الرئاسية بعد الثورة' الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام. يتعلق أولها بالعجرفة الأمريكية, والإصرار الأمريكي علي التدخل في الشأن الداخلي المصري والنيل من الاستقلال والكرامة الوطنية المصرية. الأمر الذي يعزز من الشك في النيات الأمريكية, ويؤكد أن واشنطن لا تريد مصر قوية مستقرة, ولا تريد الرخاء والتنمية للمصريين, وإنما تهدف إلي تأجيج صراع داخلي علي السلطة ينتهي بمصر إلي ما انتهت إليه العراق وليبيا والسودان, وغيرها من الدول العربية الشقيقة, من تجزئة وانقسام وعدم استقرار, كان المواطن هو ضحيته الأولي والوحيدة. فأي ديمقراطية هذه في العراق؟؟؟, وعلي أجساد كم من ملايين العراقيين المسالمين العزل. وألم تنتهي' عملية الحرية الدائمة' الأمريكية في أفغانستان إلي فوضي ومأساة دائمة!!!. إن الولاياتالمتحدة تفتقر إلي المصداقية في القول والفعل, ألم تتدخل في الانتخابات العراقية عام2010 التي فاز فيها الائتلاف الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي بأكبر عدد من المقاعد, وقامت بتنصيب ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي رئيسا للوزراء, وحرمت الشعب العراقي من ديمقراطية حقيقة يأتي من خلالها من يعبر عن إراداته ويحقق طموحاته في التنمية والاستقرار. وألم تتدخل قبلها في الانتخابات الرئاسية الأفغانية عام2009 التي أوشك فيها عبد الله عبد الله, وزير خارجية أفغانستان الأسبق, علي الفوز حتي تدخلت واشنطن لقلب الأوضاع وتسليم السلطة إلي حليفها حامد كرزاي. ويدفع هذا إلي التساؤل الثاني والأهم حول حقيقة التفاهمات بين الولاياتالمتحدة والأخوان المسلمين في مصر. فالتاريخ الأمريكي حافل بتفاهمات وتحالفات أمريكية مع حركات إسلامية. فتنظيم القاعدة وبن لادن, هو صنيعة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وعمليتها المسماة ب' الإعصار', التي كان هدفها مساعدة المجاهدين الأفغان ودعمهم بالمال والسلاح أثناء الغزو السوفييتي لأفغانستان. وتم تشكيل حركة طالبان لتكون الذراع الحقيقية لواشنطن وحليفتها باكستانلاصلاح الفوضي التي خلفها مقاتلو الحرية برعاية أمريكا وتثبيت حكومة موالية للبلدين في كابول. وساعدت المخابرات الأمريكية الشيخ عمر عبد الرحمن أحد المتهمين في قضية اغتيال الرئيس السادات للسفر إليها والإقامة في ولاية' نيوجرسي' رغم احتجاج السلطات المصرية. ودوت فضيحة' إيران جيت' أو' إيران كونترا', مطلع الثمانينيات حين كشفت للعالم أجمع أن سيلا من الأسلحة وقطع الغيار كانت تشحن من أمريكا عبر إسرائيل إلي طهران أثناء حربها مع العراق. ونشرت صحيفة التايمز اللندنية تفاصيل دقيقة عن هذا الجسر الجوي السري بين أمريكا وإيران الاسلامية التي أعلنت الولاياتالمتحدة' الشيطان الأكبر', والعدو الأول. وفي هذا السياق فإن التفاهمات بين واشنطن والجماعة وحزبها الحرية والعدالة أمر تعززة عدة حقائق. فالولاياتالمتحدة علي عكس دول أخري كثيرة لا تدرج جماعة الأخوان ضمن قائمة المنظمات الارهابية لديها, بل وللجماعة فرع في الولاياتالمتحدة يمارس نشاطه منذ الستينيات. وكثير من القيادات الإخوانية تلقت تعليما وتدريبا في الولاياتالمتحدة وترتبط بها معنويا وثقافيا, ويأتي تلاقي المصالح بين الطرفين عاملا أساسيا للتفاهم بينهما خاصة مع البرجماتية التي يتمتعان بها. فلغة المصالح هي الغالبة والحاكمة لحركة الطرفين. إلا إن شهر العسل بين واشنطن والحركات الاسلامية عادة ما يكون قصيرا جدا وينتهي بقبلة الموت الأمريكية المعتادة. فقد أنقلبت الولاياتالمتحدة علي القاعدة بعد معركة تحرير الكويت من الغزو العراقي واستحداث أمريكا قواعد جديدة في منطقة الخليج العربي, الأمر الذي دفع تنظيم القاعدة إلي شن هجوم علي إحداها في منطقة الخبر بالسعودية, تلتها سلسلة هجمات علي أهداف أمريكية في نيروبي ودار السلام ثم كانت تفجير برجي مركز التجارة العالمي في11 سبتمبر2001 الذي تبنته القاعدة, والتي أدت إلي الحرب الأمريكية علي القاعدة وطالبان والارهاب, وكانت نهاية بن لادن بأيد أمريكية. سبق ذلك أعتقال الشيخ عمر عبد الرحمن بتهمة التورط في' تفجيرات نيويورك( الصفحة غير موجودة)' تفجيرات نيويورك عام1993 ورفض الإفراج عنه حتي تاريخه. إن تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية المستفزة تثير الاستياء والسخط في الشارع المصري, وتعزز من الرفض لواشنطن والموالين لها في الداخل, وتؤكد أن الأجندة الأمريكية بشأن مصر مليئة بالمؤمرات السوداء علي مصر وشعبها. إن الولاياتالمتحدة ليس لديها حليف أو عدو دائم, وإنما مصلحة دائمة تقلب الصديق لعدو في لحظات. وعلي كل المصريين الارتفاع عن مطامعهم الشخصية ومصالحهم الحزبية وخلافاتهم السياسية, وأن يضعوا مصر.. وفقط مصر... نصب أعينهم..... إن المصالح فانية ومصر الباقية. أستاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة