بدء التقديم الإلكتروني المباشر لطلاب المدارس التطبيقية للقبول بالجامعات التكنولوجية (الشروط والرابط)    رابط نتيجة تنسيق جامعة الأزهر 2025 وخطوات الاستعلام فور ظهورها    تزامنًا مع عودة المدارس.. «الطفولة والأمومة» يطلق حملة توعوية لحماية الأطفال من العنف والإساءة    تحالف الأحزاب المصرية يدشن «الاتحاد الاقتصادي» لدعم خطط التنمية وحلقة وصل بين الحكومة والمواطن    وزير الري يلتقي الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية لبحث مجالات التعاون المشترك    سعر الدينار الكويتي اليوم الخميس 18سبتمبر 2025 بمنتصف التعاملات    أسعار الخضار والفاكهة اليوم الخميس 18-9-2025 بمنافذ المجمعات الاستهلاكية    بينها بروتوكول اتفاق لتجنب الازدواج الضريبي مع الإمارات.. الجريدة الرسمية تنشر 3 قرارات للرئيس السيسي    رئيس الاتحاد الإسبانى لمنظمات الأعمال: الشباب المصري طاقة كامنة نحتاجها ببلادنا    توقيع بروتوكول تعاون لرعاية المسنين المحالين للتقاعد من وزارة الصناعة    وزير الاستثمار يبحث تعزيز توجه الدولة نحو الاقتصاد الأخضر والاستدامة البيئية    ملك إسبانيا: 60 شركة إسبانية مستقرة في مصر وتشارك بمشروعات كبرى    12 شهيدا بينهم 9 فى مدينة غزة بنيران وقصف الاحتلال منذ فجر اليوم    الصحة بغزة تكشف عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر 2023    الاحتلال الاسرائيلى يقتحم عدة مناطق فى محافظة بيت لحم    مقتل 3 عناصر شرطة وإصابة 2 في إطلاق نار بالولايات المتحدة الأمريكية (تفاصيل)    محمد صلاح يواصل العزف على أوتار المجد في دوري أبطال أوروبا.. الملك المصري يصنع التاريخ بثنائية قاسية لسيميوني فى 6 دقائق ويدخل قائمة العشرة الكبار.. ونجم ليفربول وصيف كريستيانو رونالدو بمواجهات أتلتيكو مدريد    من هو معلق مباراة الزمالك والإسماعيلي والقنوات الناقلة في الدوري المصري؟    خسارة منتخب الطائرة أمام تونس فى بطولة العالم بالفلبين    موعد مباراة الزمالك والإسماعيلى والقنوات الناقلة    الليلة.. انطلاق مواجهات الدور نصف النهائي من بطولة CIB المفتوحة للإسكواش الماسية 2025    «بعد أنباء التفاوض مع فيتوريا».. شوبير يكشف 3 مرشحين أقوياء لتدريب الأهلي    وزارة التعليم تعلن تفاصيل تقييم طلاب المرحلة الثانوية فى التربية الرياضية    الداخلية تضبط 431 متهما في قضايا مخدرات وتنفذ 84 ألف حكم قضائي    التحفظ على أكثر من 1400 كتاب دراسى خارجى مقلد داخل مكتبتين    إصابة 9 أشخاص إثر تصادم 3 سيارات على طريق «السادات – كفر داود» بالمنوفية    بعد ساعات من هروبه.. القبض على قاتل زوجته طعنا بمساكن الأمل في بورسعيد    ل«تهديد الثقة بالاقتصاد».. ضبط متهم بترويج وتزوير عملات أجنبية مقلدة في الدقي    أيمن بهجت قمر ناعيا يمنى شرى: كانت إنسانة رائعة وجميلة    رئيس اتحاد الصناعات: العمالة المصرية المعتمدة تجذب الشركات الأجنبية    مبنى «تمارا» بالقاهرة الخديوية يفوز بجائزة «أفضل ممارسات الحفاظ على التراث العمراني والمعماري لعام 2025»    مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدًا يكرم أشرف عبد الباقي في حفل الافتتاح    الإمام الأكبر يكرم الأوائل في حفظ الخريدة البهية.. ويؤكد اعتزاز الأزهر برسالته    التأمين الصحي الشامل تعلن إجمالي شبكة مقدمي الخدمة الصحية للمتعاقدين مع المنظومة    القرفة العيدان أفضل ولا الأكياس الجاهزة؟.. استشاري مناعة توضح الفوائد والأضرار    رئيس هيئة الرعاية الصحية ونائب وزير صحة روسيا يبحثان سبل التعاون في التعليم الطبي    نيللي كريم توضح سبب غيابها المحتمل في رمضان 2026    القبض على المتهمين بقتل أب ونجله في خصومة ثأرية بقنا    وزير الصحة يفتتح المؤتمر الدولي الثاني لكلية طب الأسنان بجامعة الجلالة    تكريم الإعلامي سمير عمر في ختام المؤتمر السنوي الأول للإعلام العربي ببنغازي    حقوق العامل في قانون العمل الجديد.. هل يحقق الأمان الوظيفي؟    حكم تعديل صور المتوفين باستخدام الذكاء الاصطناعي.. دار الإفتاء توضح    مصروفات المدارس الخاصة صداع في رأس أولياء الأمور.. والتعليم تحذر وتحدد نسبة الزيادة    أسعار الفراخ فى البورصة اليوم الخميس 18 سبتمبر    خواكين فينيكس وخافير بارديم وإيليش يدعمون الحفل الخيرى لدعم فلسطين    عاجل- الرئيس السيسي يوافق على بروتوكول لتجنب الازدواج الضريبي مع الإمارات    «متحدث الصحة»: نقص الكوادر الطبية مشكلة عالمية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    شديد الحرارة.. حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    إطلاق فعاليات مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة في مؤتمر صحفي بالقاهرة    بيان ناري من غزل المحلة ضد حكم مباراة المصري    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    وزير الخارجية يتوجه إلى السعودية لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين في المملكة    "معندهمش دم".. هجوم حاد من هاني رمزي ضد لاعبي الأهلي    "أكسيوس": المباحثات الإسرائيلية السورية بشأن اتفاقية أمنية بين البلدين تحرز تقدما    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    ترامب: زيارتي للمملكة المتحدة أحد أسمى التكريمات في حياتي    احتفظ بانجازاتك لنفسك.. حظ برج الدلو اليوم 18 سبتمبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدلية الثورة والانقلاب

ثورة حداثية مدنية‏,‏ تواجه انقلابا عسكريا ما بعد حداثي‏.‏ هذا هو التناقض الرئيسي الذي تبلور في مصر بوضوح مع اقتراب نهاية المرحلة الانتقالية ووجوب تسليم السلطة من المجلس العسكري لسلطة مدنية منتخبة في نهاية يونيو الجاري‏.2012‏. هذا التناقض تبلور بعد ما يزيد علي عام علي انتصار الشعب علي دولة الاستبداد وإطاحة رأس النظام المخلوع يوم11 فبراير.2011
هذا التناقض بين حداثة الثورة, وما بعد حداثة الانقلاب, تبلور أيضا بعد أن تيقن المجلس العسكري من استحالة إعادة إنتاج النظام القديم عبر الأدوات المعروفة في تراث الثورات المضادة والانقلابات العسكرية التقلدية, فلجأ بمعاونة كل تلك الأدوات إلي تنفيذ انقلاب ما بعد حداثي ليفل به ثورة25 يناير الحداثية. وكأن لسان حال المجلس العسكري وقوي الدولة العميقة والفلول قد انتهي إلي أن يقول: لا يفل ثورة حداثية, إلا انقلاب ما بعد حداثي.
نقطة البداية في فهم جدلية العلاقة بين الثورة والانقلاب في مصر منذ يناير2011 حتي الآن هي أن نعرف الفرق بين الفعل الحداثي الذي مارسته قوي الثورة بكفاءة وبراءة منقطعة النظير من جهة, ورد الفعل ما بعد الحداثي الذي مارسته القوي الانقلابية التي أشرنا إليها, أيضا باقتدار وبشراسة لا نظير لها, من جهة أخري. والحداثة هي رؤية للحياة أساسها الحرية. أما التحديث فهو عملية بنائية تعتمد منجزات العلم والتكنولوجيا المتطورة. الحداثة تتعلق بالبنيات العقلية, والتحديث يتناول البنيات المادية, الحداثة أساسها التفتح الروحي والعقلي, والتحديث أساسه التمكن والسيطرة علي شئون الحياة والبيئة. التحديث وليد الحداثة. ولكنه لا يغني عنها, ولا يساويها أبدا.
أما ما بعد الحداثة فهي عبارة عن نزعة عدمية. تجزيئية تنزع للشرذمة. تفكيكية عبثية لا تعبأ بإعادة تركيب أو حتي ترميم ما فككته. وبهذا المعني تكون ما بعد الحداثة في السياسة فعلا انقلابيا مناهضا لفعل الحداثة الثوري. الحداثة فعل ثوري شعبي, وحركة اجتماعية فتية تتطلع نحو مستقبل جديد. هي كفاح تجميعي ينزع للتماسك وشد أواصر اللحمة الوطنية. أما ما بعد الحداثة, فهي رد فعل انقلابي, وردة إلي الخلف. هو فعل تجزيئي لا يبالي بأن تئول حركته إلي العدم والتشظي, أو تئول إلي تآكل كل الأبنية والمؤسسات; لأن فاعليه يؤمنون بنسبية القيم والأخلاقيات في كل شيء. وبحسب تقاليد الفقه السياسي للثورات فإن كل ثورة اجتماعية يتربص بها انقلاب, أو ثورة مضادة, أو أكثر. وأن كلا من الثورة والانقلاب يظلان في عراك دائم حتي ينتصر أحدهما علي الآخر. وهذا ما ينطبق بالضبط علي الثورة المصرية المجيدة; فهي تواجه منذ قيامها في25 يناير2011 قوي الدولة العميقة والثورة المضادة والنزعة الانقلابية للأوليجاركية العسكرية.
حداثة ثورة يناير هي في أساسها وجوهرها ممارسة السواد الأعظم للمصريين ل الحرية. هي نجاحها في جلب السواد الأعظم من الناس إلي ميدان التحرير بمعناه السياسي وليس فقط بمعناه الجغرافي أو المكاني. هي خروجهم من كهف الخوف وهدمهم له ودهسهم أنقاضه. هو اللحظة التي اكتشف فيها المصري أن حريته تكمن داخل روحه ولا توجد خارجها. هي اللحظة التي اكتشف فيها أن ما كان يقوله سدنة النظام والحزب الوطني عن الحرية والديمقراطية ليس إلا محصلة علاقات القوة القائمة في الواقع الاجتماعي البئيس, وعلي المسرح السياسي الفاسد المستبد. حداثة ثورة يناير هي شعور المصري يوم25 بأن روحه حرة, ويجب أن تكون كذلك لأن الله خلقها كذلك. والفعل الحداثي للثورة هو نزول جموع المصريين ممن لا علم لهم بفيس بوك وأخواتها مع من لهم بذلك علم من الشباب إلي المجال العام وانخراطهم في شئون السياسة بعد أن ظلوا بعيدين عنها طويلا لأسباب عدة في القلب منها أنها شيء مخيف, وشرمستطير, وله ناسه, وأن الأفضل أن تعتزلهم وتبتعد عنهم. وإن استطعت أن تغني لهم فغن, عملا بالقول المأثور ابعد عن الشر وغني له.
السواد الأعظم من المصريين اكتشفوا مع ثورة25 يناير أنه حتي لو كانت السياسة شرا فالخير كل الخير هو في أن يقتسموه مع الذين احتكروها. اكتشفوا أن احتكار السياسة يعني موتهم بيولوجيا وليس فقط معنويا. اكتشفوا أن سكوتهم علي احتكار الحزب الوطني والزمرة الحاكمة للسياسة وحظرها علي غيرهم; أدي إلي احتكار ذلك الحزب المنحل للسلطة والثروة والنفوذ, ولم يبق علي شيء سوي الفقر الجهل والأمراض والفساد بألوان قوس قزح يتقاسمه بقية المصريين, ويتنازعون بسببه فيما بينهم. اكتشفوا أن الخوف هو الملك الحقيقي الذي يحكمهم ويسخرهم, وليس حسني مبارك وأجهزته الأمنية ومؤسساته القمعية, ولا حتي مؤسساته القضائية وترسانته القانونية, التي صنعها علي عينه ليتحصن داخلها هو ومن معه في وقت الرخاء, ناهيك عن وقت الشدة. وعندما حانت لحظة يناير التي فجرها الشباب, هب السواد الأعظم ليمسك بها ويقتل ملك الخوف فقتله في قلبه أولا, ثم تأكد من قتله بالنزول إلي ميدان التحرير. وكانت تلك هي لحظة الحداثة السياسية الأولي في وعي السواد الأعظم من المصريين, ولا أقول في وعي النخبة فوعيها الحداثي أسبق من وعي السواد الأعظم بطبيعة الحال, وإن لم يكن أفعل منه في الواقع علي أية حال. قتل ملك الخوف في قلوب السواد الأعظم هو لب الفعل الحداثي الذي جاءت به ثورة يناير المجيدة, وليس هو توظيف تكنولوجيا الاتصالات الحديثة كما قد يظن البعض. والفرق شاسع بين الأمرين. ما أود التشديد عليه هنا هو أن الفعل السياسي الحداثي لثورة يناير لم يكن في تسخير الشباب الثائر لأدوات الاتصالات الحديثة(الفيس بوك والإنترنت والتويتر. واليوتيوب.. إلخ). نعم هذه أدوات تكنولوجية حديثة كان لها دور فعال في تجييش الجماهير وتعريفهم ببعضهم بعضا, وساعدت في نجاح الثورة في إطاحة رأس النظام.ولكنها ليست هي التي أضفت علي الثورة صفة الحداثة. فقط التشبث بالحرية والتحرك الشعبي الواسع صوب المجال العام وقتل ملك الخوف في القلوب هو ما أكسب ثورة يناير المجيدة صفة الحداثة, وهو ما يجعلها تنتمي بجدارة إلي عائلة الثورات الاجتماعية العظمي التي حولت مجري التاريخ.
غان المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية م
المزيد من مقالات د.ابراهيم البيومى غانم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.