الأذان لغةً الإعلامُ، وشرعًا "الإِعلامُ بِوَقْتِ الصَّلاةِ عِنْدَ المُسْلِمينَ" [القاموس: مادة أذن]، قال تعالى: { وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ..} [التوبة: 3]، وفي شأن إخوة يوسف عليه السلام وقد نجحت خطته في استخلاص شقيقه منهم قال سبحانه: {أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف:70]، وسمي صاحب هذا الصوت المؤثر مؤذنًا، وذلك لما تحمله من إيحاءات إعلامية بالغة. الحقيقة أن كلمات الأذان لم تكن ابتكارًا أو اختراعًا من المسلمين بل كانت وحيًا من عند الله رب العالمين سبحانه، أورد البخاري في باب الأذان، عن أبي عمير بن أنس، عن عمومةٍ له من الأنصار، قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة، كيف يجمع الناس؟ فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذَانَ بعضُهم بعضًا، فلم يعجبه ذلك، قال فذُكِرَ القُنْع، أي البوق، وقال زياد : شبور اليهود، فلم يعجبه ذلك، وقال: هو من أمر اليهود، فذُكر له الناقوس، فقال: هو من أمر النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد رضي الله عنه، وهو مهتمّ لِهَمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، فأُرِيَ الأذان في منامه، فقال: فغَدَا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: يا رسول الله، إني لبَيْنَ نائم ويقظان؛ إذ أتاني آتٍ، فأراني الأذان، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يومًا، قال: ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ما منعك أن تخبرني؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييتُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال، قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد، فافعله، فأذن بلال؛ قال أبو بشر: فأخبرني أبو عمير: أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذٍ مريضًا لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. مؤذنًا. "مختصر السنن للحافظ المنذري، ج1 رقم 468، 460." وفي رواية أخرى عن عبد الله بن زيد نفسه - رضي الله عنه - قال فيها: "فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بما رأيت، قال: إنها لرؤيا حقِّ إن شاء الله، فقم مع بلال، فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى منك صوتاً، فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه، ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب -وهو في بيته- فخرج يجرّ رداءه يقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله، لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلله الحمد" [ابن ماجة، والترمذي وقال: حسن صحيح]. وفي قصة الأذان كما ذكرتها الكتب الصحاح، دلائل إعلامية ذات بالٍ: منها أن الرسول عليه الصلاة والسلام حرص على أن تكون وسيلة الإعلام في الإسلام معبرةً عن مبادئه، مُذكرةً بأصوله، مُسايرةً لأخلاقياته، ومن هنا رفض وسائل الإعلام غير الإسلامية مثل بوق اليهود، وناقوس النصارى، ونار المجوس، كما سارع النبي الكريم إلى اختيار الكلمات التي أخبره بها الصحابي الجليل عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه والتي سمعها ممن نصحه بها في رؤياه، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : "إنها لرؤيا حقَّ إن شاء الله". وفي الحديث لفتة إعلامية مهمة تدور حول عنصر الصوت، وما يحمله من عناصر التأثير التي تحرك المشاعر وتهز العاطفة وتدفع إلى الاستجابة؛ إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله: فقم مع بلال، فألقِ عليه ما رأيت فليؤذن به؛ فإنه أندى صوتاً منك. والصوت النديّ ينساب إلى الأسماع في رقّة وسماحة ويُسر، بما فيه من جمال، ونبرات مؤثرة متميزة بحيث يطمئن القلب لما يسمع فلا يحس كدرًا ولا فزعًا، وقد جاء في صحيح البخاري باب الأذان قول عمر بن عبد العزيز لمؤذنه: أذن وليكن أذانك سمحًا". ومن هنا فإنني أناشد القائمين على هذا الأمر (اختيار المؤذنين) في الأزهر والأوقاف أن يهتموا بتدريب المؤذنين، واختيار ذوي الأصوات الجميلة (الكفاءات)، وليتركوا المحسوبية في تعيين المؤذنين؛ فقد رأينا النبي الكريم كيف اختار بلالاً الحبشي رضي الله عنه، صاحب الصوت النديّ الجميل كي يؤذن؛ هذا بدلا من أن يسخر الجهلاء من هذه الشعيرة ويستهزءوا بها، علينا إذن أن نهتم بها؛ لأنها شعيرة من شعائر الإسلام، وكم من رجلٍ غير مسلمٍ في بلاد الغرب، سمع كلمات الأذان؛ فدخل في الإسلام أو كان جَرْس هذه الكلمات بدايةً لجذب قلبه وشعوره إلى هذا الدين السمح. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر ;