ترسيخاً لديمقراطية غانا النابضة بالحياة كما وصفها البعض حيث يتم تداول السلطة سلمياً منذ عام 1992 اعترف الرئيس جون مهاما بهزيمته أمام مرشح المعارضة نانا أكوفو أدو وسارع بتهنئته وحث أنصاره على التزام الهدوء..لم يتذرع بأى حجة للتشبث بكرسى الحكم كما فعل حكام أفارقة كثيرون، كان آخرهم يحيى جامع الذى هدد رفضه فوز مرشح المعارضة باشتعال حرب أهلية فى جامبيا رغم قضائه 22 عاماً فى السلطة بينما لم يبق فيها الرئيس الغانى سوى فترة واحدة مدتها أربع سنوات. وكعادة الغانيين منذ بدء العمل بنظام التعددية الحزبية قبل نحو ربع قرن حصل الفائز على 53.85% فقط من الأصوات مقابل 44,4% لأقرب منافسيه وأقبل الناخبون باهتمام وبنسبة 68.62% على صناديق الاقتراع مصطفين فى طوابير طويلة منذ الصباح الباكر لاختيار مرشحهم الذى يتوسمون فيه القدرة على انتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية وثقةً منهم فى أن الحكومة ستحترم إرادتهم ولن تحاول تزييفها بتزوير النتائج أو تسخير أجهزة الدولة وإمكاناتها لأجل إعادة انتخاب الرئيس مثلما حدث فى دول إفريقية أخرى.كما امتثلت الحكومة لأحكام المحكمة العليا بالسماح لثلاثة عشر مرشحاً استبعدتهم اللجنة الانتخابية بإعادة تقديم أوراق ترشيحهم بعد تصحيح الأخطاء واستكمال البيانات اللازمة.وكان مهاما قد فاز على أكوفو فى انتخابات 2012 بأقل من 300 ألف صوت أى بنسبة 50.7% فقط، ولسوء حظه انخفضت أسعار المواد الخام التى يعتمد الاقتصاد على عائد صادراتها وزادت البطالة وتكرر انقطاع الكهرباء، مما أثر سلباً على شعبيته واستفاد منافسه من ذلك فأطلق وعوداً انتخابية ببناء مصنع فى مائتى منطقة وبجعل التعليم العالى مجاناً فأعطاه الناخبون الفرصة لعل وعسى. ورغم شيوع الديكتاتورية والانتخابات الشكلية فى أنحاء القارة الإفريقية إلاّ أنها لم تخلُ من نماذج مضيئة باعثة على الأمل فى أنه سيأتى يوم ينتهى فيه حكم الفرد وتُحترم إرادة الناخبين بالتوقف عن تزوير النتائج وعن ممارسة أسلوب الترهيب والترغيب لإجبارهم على التصويت لمرشح السلطة أو على الأقل عدم التصويت لمنافسه المعارض.فمثلما حدث فى غانا شهدت جمهورية بنين هزيمة رئيس وزرائها ليونيل زينسو أمام رجل الأعمال باتريس تالون فى مارس الماضى بعد انتهاء الجولة الأولى بعدم حصول أى مرشح على أكثر من 50% من الأصوات، حيث سارع المهزوم من مركزه القوى بتهنئة الفائز بنسبة 64٫8% من الأصوات ليخلف الرئيس بونى ياى الذى بدوره احترم الدستور ولم يعدِّله لإلغاء المادة التى تحظر الترشح أكثر من فترتين متتاليتين على العكس مما فعله حكام عديدون للبقاء فى السلطة.وفى العام الماضى فاز محمد بخارى مرشح المعارضة فى نيجيريا أحد معاقل الديكتاتورية وحكم العسكر على الرئيس جودلاك جوناثان الذى هنًأه وقال مهدّئاً أنصاره: طموحات الإنسان لا تستحق إراقة دم نيجيرى واحد.وفاز مرشح المعارضة ماكى صال فى 2012على رئيس السنغال عبدالله واد الذى اعترف بالهزيمة وسلَّمه السلطة بلا مشاكل.وسمح رئيس زامبيا روبياه باندا بفوز مرشح المعارضة مايكل ساتا عليه عام 2008وقال:لقد قال الشعب كلمته ويتعين أن نُصغى إليها وليس أمامنا سوى التسليم بالهزيمة. وفى موزمبيق تنحى يواكيم شيسانو عن الحكم عام 2005 رغم سماح الدستور له بفترة ثالثة وهو فى قمة نجاحه بإنهاء الحرب الأهلية وتحقيق المصالحة بين فئات الشعب وترسيخ الحكم الديمقراطى والحد من الفقر فاستحق عن جدارة جائزة الحكم الرشيد عام 2007. كما استحق فيستوس موجاى رئيس بوتسوانا الجائزة عام 2008 تقديراً للرخاء والاستقرار اللذين حققهما لشعبه، ونالها بيدرو فيرونا بيريس رئيس جزر الرأس الأخضر عام 2011 لقيادته حرب الاستقلال ورفع مستوى معيشة الشعب وتدشينه نظام التعددية الحزبية وتركه كرسى الرئاسة طواعيةً.وقبل أن يسلِّم الحكم للرئيس المنتخب فاز هيفيكدبونى بوهامبا رئيس ناميبيا المنتهية ولايته بجائزة 2015 تقديراً لنجاحه فى رفع مستوى معيشة شعبه وتحسين مستوى التعليم والالتزام بالديمقراطية. حتى عام 1973 لم يكن فى إفريقيا برمتها سوى ثلاثة رؤساء منتخبين ديمقراطياً، وظل العسكر يحكمون 43 بلداً حتى عام 1980،لكنّ عدد المنتخبين ديمقراطياً ارتفع إلى 35 بحلول عام 2001 بصرف النظر عمّا إذا كانت الانتخابات حقيقية أم شكلية.ولو التزم الرئيس الأنجولى خوزيه إدواردو دوسانتوس بما أعلنه فى مارس الماضى بأنه لن يرشح نفسه بعد انتهاء فترته الحالية عام 2018 بعد نحو 37 سنة فى السلطة ولو تقيَّد الرئيس السودانى عمر البشير بقوله فى إبريل: إنه لن يرشح نفسه مرة أخرى بعد انتهاء مدته الحالية عام 2020 حيث يحكم منذ 1986 لترسخت الديمقراطية أكثر وتجدَّد أمل الأنجوليين والسودانيين فى رؤية وجوه جديدة وسياسات مختلفة ربما تخفف عنهم وطأة الغلاء والفساد وتُحد من قمع المعارضين وانتهاكات حقوق الإنسان حتى ولو كان خليفة الأول نجله أونائبه ولو جاء خليفة الثانى من نفس حزبه. لمزيد من مقالات عطية عيسوى