ترامب وبوتين يعقدان مؤتمرًا صحفيًا قصيرًا دون الإجابة على أسئلة الصحفيين    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    الاحتلال يُواصل الإبادة والتجويع فى غزة لليوم ال 680    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    وزير الدفاع الروسي: المزاج ممتاز عقب المفاوضات في ألاسكا    أول تعليق من زوجة أحمد زيزو بعد حصوله على جائزة رجل مباراة الأهلي وفاركو    ليلة راب استثنائية فى مهرجان العلمين الجديدة بدورته الثالثة تحت شعار كامل العدد.. شهاب يفتتح الحفل ويتألق بأشهر أغانيه.. ليجى سى يقدم عرفة وبيتادين والوقت الضايع.. ومروان بابلو مسك الختام وسط تفاعل جماهيرى كبير    حيل ذكية لتخفيف الغثيان في الشهور الأولى من الحمل    انكسار الموجة الحارة.. بيان هام من الأرصاد بشأن طقس السبت    محمد معيط يشارك في عزاء وزير التموين الأسبق علي المصيلحي    بالأسماء.. تفاصيل إصابة 10 أشخاص من أسرة واحدة باشتباه تسمم جنوب المنيا    شاهد| محمد صلاح يدخل في نوبة بكاء عقب نهاية لقاء بورنموث    محمد شريف: تعلمنا من أخطائنا.. والهدف المبكر ساعدنا ضد فاركو    عاجل - استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم السبت 16 أغسطس 2025    محافظ الوادي الجديد يعتمد المرحلة الثانية للقبول بمدارس التعليم الفني    صور..المصريون يحتفلون ب "عيد وفاء النيل" تقديرًا لعطاء النهر الخالد ودوره في بناء الحضارة المصرية    «مرسال» يعلن إطلاق مبادرة الإستثمار الزراعي في كينيا    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    أول رد فعل من ريبيرو على فوز الأهلي أمام فاركو وخطأ مصطفى شوبير    كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع فوز الأهلي على فاركو بالدوري؟ (كوميك)    صلاح يسجل..ليفربول يهزم بورنموث برباعية في افتتاحية الدوري الإنجليزي    نتائج مباريات الجمعة في الجولة الثانية من الدوري المصري الممتاز "دوري Nile"    النيابة العامة تُقرر إخلاء سبيل صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    السيطرة على حريق بمحطة كهرباء الحصايا بأسوان    مصرع طفل غرقا في حمام سباحة ببني سويف    إخلاء سبيل مصمم فيديو المتحف المصري الكبير من ديوان قسم الهرم    حاكم ألاسكا: لقاء بوتين وترامب يمثل يوما تاريخيا لولايتنا    قرار عاجل من النيابة بشأن صاحب فيديو المتحف المصري الكبير    تكريم هاني شنودة ومشاركة فريق "وسط البلد".. 17 صورة من افتتاح "القلعة للموسيقى والغناء"    عبيدة تطرح فيديو كليب أحدث أغانيها «ضحكتك بالدنيا»    الكاتب عمر طاهر يروي كواليس لقائه مع الروائي الراحل صنع الله إبراهيم    جريئة ومُبهجة.. بالصور أجمل إطلالات النجمات في المصيف    أثناء لقاء ترامب وبوتين.. أوكرانيا تحذر من هجوم جوي روسي    ب«الجبنة القريش والبطاطس».. طريقة تحضير مخبوزات شهية وصحية (خطوة بخطوة)    ليفربول يدين الهتافات العنصرية ضد مهاجم بورنموث    بعد تصديق الرئيس.. القانون يمد خدمة المعلمين المتقاعدين لمدة 3 سنوات    القانون يحدد ضوابط العلاوة التشجيعية للموظفين.. إليك التفاصيل    تعرف على حالتين يحق فيهما إخلاء السكن القديم.. وفقًا للقانون    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم ورياضة.. كليات ومعاهد متاحة والحد الأدنى 2024    «لو بتكح كتير».. تحذير قد يكشف إصابتك بمرض رئوي خطير    بعد ساعات.. غلق كلي ب كوبري الجلاء في الاتجاهين لمدة 3 ساعات    قرار هام من التريبة والتعليم حول تظلمات الدفعة الثانية ل 30 ألف معلم    بمشاركة محافظ المنيا ونائب وزير الصحة.. اجتماع موسع لبحث تطوير المنظومة الطبية    تأثير كوب القهوة يختلف من شخص لآخر.. اعرف السبب    أخبار 24 ساعة.. انطلاق امتحانات الثانوية العامة "دور ثانى" غدا    تليفزيون اليوم السابع يستعرض أبرز ما يميز النسخة المطورة من تطبيق مصر قرآن كريم.. فيديو    ضحى عاصى: صنع الله إبراهيم قدم صورة لفكرة الروائى المشتبك مع قضايا الوطن    غدًا على "إكسترا نيوز".. سامح عاشور في حوار خاص في "ستوديو إكسترا" حول مخطط "إسرائيل الكبرى"    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    وزير الأوقاف يختتم زيارته لشمال سيناء بتكريم 23 شابا وفتاة من حفظة القرآن الكريم بقرية 6 أكتوبر بمركز رمانه (صور)    وكيل صحة المنوفية يوضح حقيقة سقوط أسانسير مستشفى بركة السبع    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 16 أغسطس 2025    عيار 21 الآن في الصاغة.. سعر الذهب اليوم السبت 16 أغسطس بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    موعد صرف مرتبات أغسطس 2025 بعد زيادة الحد الأدنى للأجور    خطوات التظلم على قرار منع السفر وفق قانون الإجراءات الجنائية    خطيب الأزهر يحذر من فرقة المسلمين: الشريعة أتت لتجعل المؤمنين أمة واحدة في مبادئها وعقيدتها وعباداتها    خطيب المسجد الحرام: الحر من آيات الله والاعتراض عليه اعتراض على قضاء الله وقدره    حكم من مات في يوم الجمعة أو ليلتها.. هل يعد من علامات حسن الخاتمة؟ الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا وتوفيق الحكيم‏..‏ وبتهوفن‏!‏

أمس‏,‏ كانت المرة الأولي التي يتاح لي فيها أن أطلع علي الخدمة الجديدة التي أتاحها الأهرام لقرائه وكتابه‏,‏ وهي نشر مقالات الكتاب في موقعه الجديد علي الإنترنت‏,‏ ومعها ما يصل تباعا من أسئلة القراء وتعليقاتهم وردودهم‏.‏ وهناك أكثر من ترجمة عربية لكلمة‏internet‏ ذات الأصل الأمريكي‏,‏ أفضلها في نظري الشبكة الدولية للمعلومات‏.‏
وكان كاتبنا الكبير الأستاذ صلاح منتصر قد سبق للتعامل مع هذه الخدمة العصرية‏,‏ ونبهني لضرورة النظر فيها‏,‏ بعد أن لاحظ اهتمام القراء الأعزاء بما أكتب وحرصهم علي أن يبدوا آراؤهم فيه قبولا ورفضا‏,‏ مما يفرض علي أن أتابع هذه الآراء واستفيد منها‏,‏ وأرد علي ما يجب الرد عليه‏,‏ وأجيب عما يحتاج للاجابة‏,‏ فيستفيد القارئ والكاتب‏,‏ ويرتفع مستوي الحوار ويرشد وتتسع دائرته‏,‏ وتتبادل الأطراف المختلفة ما تعرفه‏,‏ وتراجع ما تتبناه‏,‏ وتصحح ما ينبغي تصحيحه‏,‏ وتلتقي علي ما تجده مشتركا‏,‏ وتفسح صدرها لما تختلف حوله‏,‏ وبهذا يتبلور الرأي العام ويتعلم الجميع معني الديمقراطية ويعرفون جدواها‏.‏
وقد رأيت أن أشارك اليوم في هذا الحوار بالإجابة عن سؤال طرحه علي أحد السادة الذين علقوا علي مقالتي الأخيرة التي كتبتها عن زيارتي لمدينة جدة والأمسية الثقافية التي حضرتها هناك‏,‏ وما دار فيها بيني وبين الحاضرين حول الشعر والنثر‏,‏ والتجديد والتقليد‏,‏ وحول خلافي القديم مع الأستاذ عباس العقاد وهجائي له الذي راجعت فيه نفسي وندمت عليه‏.‏
هذا التحول الذي حدث في موقفي من العقاد ذكر بعض القراء بالتحول الذي حدث في موقفي من الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر‏,‏ وإن سار بالعكس‏,‏ فقد بدأت مؤيدا لعبدالناصر‏,‏ أنظر إليه باعتباره قائد ثورة تسعي لتنقل مصر من عصور العبودية والتخلف الي عصور التقدم والحرية‏,‏ ثم انتهيت معارضا لا أري في عبدالناصر إلا حاكما مستبدا‏,‏ ولا أري في ثورته المزعومة إلا انقلابا عسكريا أعاد مصر الي ما كانت عليه في عصور المماليك والعثمانيين‏,‏ وعن هذا الموقف يسألني السائل‏:‏ هل أنت نادم أيضا علي هجائك نثرا لعبدالناصر بعدما مدحته شعرا؟
‏***‏
وأول جوابي كلمة أصحح بها السؤال‏,‏ فالذي كتبته في عبدالناصر لم يكن مدحا ولا هجاء‏,‏ وانما عبرت في البداية عن تأييدي له وايماني بالشعارات التي رفعها‏,‏ وكنت في ذلك مستجيبا لقناعات بدت لي كافية وقتها‏,‏ ثم جاءت الوقائع لتثبت لي ولغيري أن عبدالناصر لم يكن إلا طاغية خدع المصريين‏,‏ وانفرد بالسلطة‏,‏ وحارب الديمقراطية في كل صورها وأشكالها‏,‏ وساق البلاد الي سلسلة من المغامرات انتهت بهزائم ساحقة لم نزل نعاني منها في حياتنا كلها‏,‏ فإذا كان فيما كتبته عن عبدالناصر ما يستحق الندم فأنا نادم علي تأييدي له في البداية‏,‏ واذا كان بوسعي أن أسمي ما قلته في العقاد هجاء لأن معركتي مع العقاد كانت حول الشعر‏,‏ ولأني أردت في هذه المعركة أن أثبت قدرتي علي النظم في أغراضه التقليدية وقواعده الموروثة‏,‏ فالذي قلته عن عبدالناصر ليس مدحا ولا هجاء‏,‏ وانما هو تعبير عن موقف سياسي ظهر لي بالدليل القاطع خطؤه فراجعت نفسي وصححته‏,‏ والسؤال الذي يمكن طرحه الآن هو‏:‏ هل يجوز أن يقع الكاتب في الخطأ؟ وهل يحق له أن يصحح خطأه؟
‏***‏
وفي اعتقادي أن الكاتب يخطيء كما يخطيء البشر جميعا‏,‏ والكاتب لا يتميز عن غيره بأنه معصوم‏,‏ وانما يتميز بقدرته علي إدراك خطئه ومسارعته لتصحيحه‏,‏ فإذا جاز للرجل العادي ألا يعترف بخطئه‏,‏ أو أن يضمر الاعتراف ويجعله مسألة تخصه فالكاتب مطالب بمراجعة النفس وتصحيح الخطأ أمام الملأ‏,‏ لأن الكاتب ليس ضمير نفسه فحسب‏,‏ وانما هو ضمير الأمة كلها‏.‏
الكاتب يشتغل بالثقافة‏,‏ والثقافة معرفة وأخلاق‏,‏ وقدرة الكاتب إذن علي التمييز بين الحق والباطل أكبر‏,‏ ومسئوليته عما يفعل تفوق مسئولية المواطن العادي‏.‏
المواطن العادي يهتم غالبا بالجوانب العملية في القضايا المطروحة‏,‏ ويضع مصلحته الشخصية في المقدمة‏,‏ أما الكاتب فعليه أن يهتم بالجوانب المعنوية‏,‏ ويقدم المصلحة العامة علي غيرها‏.‏
والمواطن العادي يختار لنفسه‏,‏ لأن قدرته علي تقديم المشورة وإسداء النصح محدودة‏,‏ أما الكاتب فيختار لنفسه ولغيره‏,‏ لأنه يملك الفكر والقلم والمنبر‏,‏ ويخاطب جمهوره الذي يثق به ويصدقه ويسير وراءه حيث سار‏.‏
صحيح أن العكس يحدث أيضا‏,‏ فالكاتب لا يستطيع أن يخالف دائما جمهوره أو يعتزله‏,‏ وانما يحب أن يقترب منه ويتفاهم معه‏,‏ ولا يري في بعض الأحيان بأسا في أن يستمع إليه ويمتثل له‏,‏ خاصة حين يتعلق الأمر بأحلام تراود الجميع وشعارات يلتفون حولها‏,‏ ويأتي من يرفع هذه الشعارات في مرحلة غامضة ملتبسة يستجيب فيها الجمهور لعواطفه‏,‏ ويعجز العقل عن الحسم والوصول الي اليقين‏,‏ كما كانت حالنا في الوقت الذي قام فيه ضباط يوليو بحركتهم‏.‏
كان النظام السابق يمر بأزمة خانقة تمثلت في الأحداث المتلاحقة التي أعقبت اغتصاب فلسطين‏,‏ وشهدت عجز الحكومات المصرية عن الوصول الي اتفاق مشرف مع الانجليز ينهي احتلالهم لمصر‏,‏ ونشطت الجماعات المتطرفة‏,‏ وظهرت أحزاب تقلد النازيين والفاشيين‏,‏ ولجأ الاخوان المسلمون للارهاب‏,‏ وواصل القصر عدوانه علي الدستور‏,‏ واندفع السوقة في المقابل ليشعلوا النار في القاهرة‏,‏ وفي هذه الفوضي قام الضباط بحركتهم رافعين شعاراتهم حول اعادة النظام‏,‏ والقضاء علي الفساد‏,‏ واحترام الدستور‏,‏ وهي شعارات لم يستطع أن يعارضها أحد‏,‏ خاصة وقد أعلن الضباط أنهم لا يريدون السلطة‏,‏ وانما يسعون فقط لوضعها في أيدي المؤهلين لتولي مسئولياتها عن طريق الانتخابات الحرة‏,‏ وفي هذا الوضع الملتبس قد يضعف الكاتب ويستجيب للأوهام التي استجاب لها جمهوره‏.‏
أقول إن هذا قد يحدث‏,‏ فإن حدث فالمنتظر من الكاتب أن يظل دائما منتبها حاضر الذهن يقظ الضمير‏,‏ يراقب ما يحدث ليري كيف تتطور الأمور‏,‏ وهل اثبتت الحوادث أن الجماهير كانت علي حق أم كانت مخدوعة؟ فإن ظهر له الحق فعليه أن يصدع به ويعلنه علي الملأ ولو كان يشهد بهذا علي نفسه‏.‏
من هنا نستطيع أن نقدر فداحة الشعور بالندم الذي عاناه كاتب عظيم مثل توفيق الحكيم‏,‏ كان يزهو بتأييده لعبدالناصر فيقول تنبأت به قبل أن أراه‏!‏ مشيرا للبطل الذي كان يحلم به في عودة الروح ويراه تجسيدا للأمة المصرية كلها أو يراه الكل في واحد‏,‏ ونستطيع أيضا أن نقدر شجاعته وشعوره بالمسئولية حين اكتشف أن عبدالناصر حاكم مستبد فاعترف بخطئه في عودة الوعي‏.‏
والذي أقوله عن توفيق الحكيم أقوله عن صلاح جاهين‏,‏ وأقوله عن لويس عوض‏,‏ وأقوله عن إسماعيل صبري عبدالله‏,‏ وعن نفسي‏!‏
والذي يقال عن المثقفين المصريين الذين أيدوا عبدالناصر ثم اكتشفوا خطأهم يقال عن الأوروبيين الذين وقعوا في هذا الخطأ ذاته‏,‏ وأولهم الموسيقار العظيم بتهوفن‏.‏ وسوف أحدثكم عن قصته مع نابوليون يوم الأربعاء القادم‏.‏

المزيد من مقالات احمد عبد المعطي حجازي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.