أثارنى كثيرا تعليل مثل هذه الجريمة بالفقر المدقع للمتبرع، والذى يدفعه الى بيع أعضاء جسمه بثمن بخس، وفى هذا بعد او ابتعاد عن الحقائق، وانكار للواقع الذى نعيشه ونشهده كل يوم من التدرج فى الانحراف داخل المنظومة الصحية، فإذا فرضنا ان سماسرة الأعضاء عرضوا مليون جنيه لنقل الكلية او فص الكبد، وهو سعر مربح لهم ايضا ، ألا يكون هذا العرض مغريا لمتوسطى الحال او حتى بعض الأغنياء المغامرين او الطامعين؟ لا تلوموا الضحية مهما كانت الأسباب ، ان السبب الرئيسى بل والأوحد لهذه الجريمة هو انحراف من يقوم بمثل هذه العمليات لا شك ان المهنة الطبية فى مجملها تودى دورها الإنسانى والمهنى، واغلب مقدمى الخدمة هم شرفاء وأمناء، ولكن هناك قله قليله وصل انحرافها الى المنتهى وهم الأطباء والفنيون والممرضون والإداريون الذين قاموا بهذا العمل الاجرامى، ولكن الأهم فى نظرى هو كشف ومحاسبة من شاركوا بالعلم او التجاهل لهذه الأنشطة ، او من أهمل فى إجراءات المنع والمراقبة والحساب الحازم للممارسات المهنية الخاطئة. ولذا وبعيدا عن محاسبة أو محاكمة المتهمين فى هذه القضية- ادعو اللجنة الصحية فى مجلس النواب وبمشاركة نقابه الأطباء، ان تشكل لجنة محايدة وفاعله لتحليل أسباب الانحرافات فى مزاوله المهن الطبية ووضع الوسائل العملية لمنعها ومكافحتها، ورب ضارة نافعة، كما ارجو الا يكون ذلك من خلال قانون جديد، وان نبتعد عن الاصلاح من خلال قوانين، وتجاربنا فى ذلك عديدة ومريرة، فهناك قوانين صارمة تحكم نقل الأعضاء، وقانون حازم للمرور، وآخر لجوده التعليم، بل ولمكافحة المخدرات، وغيرهم كثير . ومن هذه الانحرافات فى الممارسة الطبية ما قد تبدو صغيرة، أو بسيطة، وأحيانا مبررة، ولكن تراكمها أو التعايش معها او قبولها قد يودى الى نمو الكوارث، ومن أمثال ذلك طلب تحاليل او ادوية لا يحتاجها المريض بسبب عمولات تحصل من المعامل او مكاتب تسويق الدواء، وهى محرمة فى كافة الدول الصناعية والمتقدمة، وقد يصل الانحراف الى اجراء عمليات او تدخلات جراحية غير لازمة لأسباب مادية، وأشهرها إزالة الزايدة الدودية او المرارة او عمل قسطرة القلب أو الدعامات او عمليات الولادة القيصرية وقد أشرنا الى ذلك كثيرا، ومن ذلك ايضا الممارسات غير القانونية مثل تعيين غير المؤهلين او المؤهلات فى التمريض خاصة فى المستشفيات الخاصة، أو قيام بعض الصيدليات بفحص المرضى ووصف وصرف العلاج، او قيام بعض الأطباء ببيع الادوية فى عياداتهم، او قيام البعض بالاعلان عن تخصصات او شهادات لم يرخص لهم بها، أو علاجات ليس لها أساس علمي، كل ذلك محرم فى الدول التى تحرص على سلامة مرضاها وشعبها، وهذه الدول لا تعتمد على الضمير الواعى أو الالتزام الفردى بآداب المهنة وهى معايير شخصية وسلوكية تختلف من فرد لآخر بل تمنع ذلك من خلال مراقبة الجودة الجادة والحقيقية وتطبيق القوانين بحزم لمنع الممارسات الخاطئة، وفى هذا المجال اؤكد انه اذا ضعفت المراقبة او تهاون الحساب فى اى دولة او مجتمع مهما تقدم لوقعت مثل هذه الممارسات فيها بكل تأكيد. لمزيد من مقالات د. سمير بانوب