الحادث الإرهابى الجبان الذى شهدته الكنيسة البطرسية أمس الأول وقبلها تفجير شارع الهرم هو تصعيد نوعى خطير يستهدف كل المصريين، ويركز على إحداث أكبر قدر ممكن من البلبلة والفتنة بين نسيج الوطن الواحد ومحاولة نشر الفوضى وهدم مؤسسات الدولة والمجتمع. ولابد من الاعتراف بأننا بحاجة إلى فكر أمنى جديد يستطيع مواجهة هذا التصعيد، وملاحقة التطورات المتسارعة فى الممارسات الإرهابية، فالأمن لابد أن يكون متقدما على الجريمة دائما ولو بخطوة وليس العكس، وقد ثبت أن استمرار الفكر النمطى والتقليدى فى التعامل مع الإجراءات الأمنية بنفس الرؤية الموجودة منذ سنوات طويلة لم يعد أمرا مجديا، ويسهل للإرهابيين القيام بجرائمهم. ولعل أبرز مثال على ذلك التفجير الذى وقع بشارع الهرم يوم الجمعة الماضى وأودى بحياة 6 شهداء من رجال الشرطة الأبطال، فقد تبين أن هذا الكمين أو الارتكاز الأمنى يقف فى نفس المكان بمحيط مسجد السلام فى التوقيت نفسه من كل يوم جمعة منذ فترة طويلة، وهو ما سهل للإرهابيين ارتكاب جريمتهم بعد مراقبة الكمين لفترة طويلة ومعرفة مواعيد وجوده وأسلوب عمله، إلى جانب النمطية التى تعامل بها أفراد الكمين مع عملهم بالاكتفاء بالوقوف فى المكان كالمعتاد وبنفس الشكل دون القيام بأى عملية مسح للموقع المكشوف لتأمينه قبل استخدامه، وبالتالى لم يكتشفوا أن الموقع مفخخ. وقد أكد عدد كبير من خبراء الأمن فشل فكرة الكمائن الثابتة بالطريقة التى تتم بها، التى تجعلها معروفة ومكشوفة للإرهابيين، علاوة على حالة الاسترخاء التى تصيب أفراد الكمين بمرور الوقت ورتابة ونمطية العمل، مما يسهل عملية استهداف هذه الكمائن، خاصة أن المجموعات الإرهابية التى تستهدف رجال الشرطة تقوم بمراقبتهم لفترة طويلة فتتعرف على خط سيرهم وأماكن تمركزهم. فقد تبين أن حركة «حسم» الإخوانية الإرهابية التى أعلنت مسئوليتها عن حادث الهرم، سبق أن قامت بارتكاب 7 جرائم ضد رجال الشرطة والقضاء خلال الأشهر القليلة الأخيرة، منها قتل الرائد محمود عبد الحميد رئيس مباحث قسم شرطة طامية بالفيوم، ومحاولة اغتيال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق فى أثناء توجهه لأداء صلاة الجمعة، بجوار مسكنه في مدينة 6 أكتوبر، وتفجير عبوتين ناسفتين فى محيط نادي الشرطة بدمياط، وقتل أمين شرطة صلاح حسن عبد العال، من قوة قسم شرطة أول أكتوبر، واستهداف سيارة مفخخة موكب النائب العام المساعد زكريا عبد العزيز عثمان، واغتيال الأمين بقطاع الأمن الوطني جمال الديب، أمام منزله في مركز المحمودية بمحافظة البحيرة، واستهداف سيارة مفخخة موكب القاضي أحمد أبو الفتوح في مدينة نصر، الذي ينظر في قضايا متهم فيها الرئيس المعزول محمد مرسي. كما أن حادث الكنيسة البطرسية وتبادل الاتهامات بين الشرطة والأمن الإدارى للكنيسة عن مسئولية دخول المتفجرات والمتهم الإنتحارى إلى الكنيسة، يؤكد ضرورة إعادة النظر فى شكل التعاون بين الشرطة والأمن الداخلى التابع للمنشآت المهمة، ولابد أن يخضع الأمن الداخلى لأى منشأة لتدريبات مكثفة تحت إشراف وزارة الداخلية لتأهيله للمهام المفترض أن يقوم بها، مع الوصول إلى صيغة تعاون مشترك وخطط أمنية واحدة تضمن التأمين الكامل للمنشأة والنشاط الذى تقوم به. وفى هذا السياق لابد من الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة فى الخطط الأمنية، فنشر كاميرات المراقبة فى كل مكان هو أمر بديهى فى معظم دول العالم منذ سنوات طويلة، ومن الغريب ألا توجد كاميرا مراقبة تغطى موقع كمين مسجد السلام بالهرم لنعرف منها من وضع المتفجرات، وفى حادث الكنيسة البطرسية لم يكن هناك على باب الكنيسة وداخل القاعة التى حدث بها الانفجار سوى كاميرا واحدة فقط. وبمناسبة الحديث عن التكنولوجيا، فإن كلبا مدربا واحدا أفضل من جميع أجهزة العالم فى الكشف عن المتفجرات والمخدرات. كما لابد من السيطرة على ظاهرة السيارات التى تسير فى شوارع القاهرة الكبرى وعدة محافظات دون لوحات معدنية وبزجاج مفيم كامل، وإذا كانت بعض أجهزة الأمن تعتقد أن استخدام هذه السيارات يضلل الإرهابيين الذين يحاولون رصد سيارات الضباط وخطوط سيرهم، فالحقيقية أن هذا الأمر يلفت الانتباه أكثر وخاصة مع وضع البعض نسرا كبيرا على الزجاج الخلفى لبعض هذه السيارات، إلى جانب إمكانية استخدام الإرهابيين والمجرمين سيارات مشابهة فى ارتكاب جرائمهم، علاوة على مخالفة ذلك للقانون فى جميع الأحوال. وكذلك فإن حادثى اغتيال العميد عادل رجائى فى مدينة العبور، ومصرع طفلة فى مدينة الشروق وغيرهما، كشفا عن وجود تقصير أمنى فى عمليات تأمين المدن والمناطق الجديدة، رغم أنها أصبحت أماكن مأهولة بالسكان، وهو مايستحق إعادة النظر فى عمليات التأمين بهذه المناطق. ولاشك أننا نواجه تصعيدا نوعيا فى العمليات الإرهابية، ويثير عمليات استفهام حول الجهات التى تقف خلفه والدعم الذى تتلقاه خارجيا وداخليا، الأمر الذى يتطلب كما أسلفنا فكرا أمنيا جديدا يقوم على المبادرة والإبداع فى وضع خطط تأمين غير نمطية للأماكن المهمة، وخريطة جديدة للأكمنة تضمن عدم استهدافها بسهولة، ونشر ثقافة كاميرات المراقبة فى كل مكان، وإعادة النظر فى أسلوب استخدام الدوريات الراكبة وفقا لمخطط محدد يتكامل مع الخطط الأمنية الأخرى بديلا عن الأكمنة الثابتة. القضية ليست تغيير فى الأشخاص، ولكن الأهم تغيير الفكر الأمنى. أقوال: إننا نقتل أنفسنا عندما نُضَيّق خياراتنا في الحياة نيلسون مانديلا لمزيد من مقالات فتحي محمود;