حياة كريمة فى المنيا.. تنفيذ 3199 مشروعا داخل 192 قرية    أزهري يعلق علي مشاجرة الرجل الصعيدي مع سيدة المترو: أين هو احترام الكبير؟    نشرة أخبار طقس اليوم السبت 20 ديسمبر| الأرصاد تحذر من أجواء شديدة البرودة    أمطار وأعاصير تضرب دول الخليج| مطار دبي يلغي رحلاته الجوية "تفاصيل"    حين تُشرق الشمس على أسرار التاريخ..الفيوم تترقب تعامد الشمس على معبد قصر قارون.. غدًا    هام بشأن سعر الذهب اليوم السبت 20 ديسمبر| عيار 21 يسجل رقم جديد    مواعيد قطارات الإسكندرية – القاهرة اليوم السبت 20 ديسمبر 2025 ذهابا وعودة    «مشاجرة عنيفة واتهامات بالتزوير».. تفاصيل القبض على إبراهيم سعيد وطليقته    فصل مؤقت للكهرباء عن مناطق بالحي الترفيهي في العبور لأعمال صيانة اليوم    ذكرى ميلاده ال95.. صلاح جاهين يصرخ عام 1965: الأغنية العربية في خطر!    لازاريني: 1.6 مليون شخص فى غزة يعانون انعدام الأمن الغذائى    «ترامب» يعلن حربًا مفتوحة على داعش.. ضربات عنيفة تستهدف معاقل التنظيم في سوريا    مقتل عروس المنوفية.. الضحية عاشت 120 يومًا من العذاب    غارات أمريكية مكثفة على تنظيم داعش | وزير الحرب يصف العملية بأنها إعلان انتقام.. وترامب يؤكد استمرار الضربات القوية بدعم الحكومة السورية    وزير الدفاع الأمريكى: بدء عملية للقضاء على مقاتلى داعش فى سوريا    ستار بوست| أحمد العوضي يعلن ارتباطه رسميًا.. وحالة نجلاء بدر بعد التسمم    حي غرب الإسكندرية يشن حملة مكبرة لإزالة المخالفات ورفع 233 طن مخلفات    ماذا يحدث لأعراض نزلات البرد عند شرب عصير البرتقال؟    المسلسل الأسباني "The Crystal Cuckoo".. قرية صغيرة ذات أسرار كبيرة!    بعض الأهالي سلموا بناتهم للجحيم.. القضاء يواجه زواج القاصرات بأحكام رادعة    إرث اجتماعي يمتد لأجيال| مجالس الصلح العرفية.. العدالة خارج أسوار المحكمة    محمد عبدالله: عبدالرؤوف مُطالب بالتعامل بواقعية في مباريات الزمالك    كيف تُمثل الدول العربية في صندوق النقد الدولي؟.. محمد معيط يوضح    الولايات المتحدة تعلن فرض عقوبات جديدة على فنزويلا    مصر للطيران تعتذر عن تأخر بعض الرحلات بسبب سوء الأحوال الجوية    الأنبا فيلوباتير يتفقد الاستعدادات النهائية لملتقى التوظيف بمقر جمعية الشبان    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    موهبة الأهلي الجديدة: أشعر وكأنني أعيش حلما    شهداء فلسطينيون في قصف الاحتلال مركز تدريب يؤوي عائلات نازحة شرق غزة    محمد معيط: أتمنى ألا تطول المعاناة من آثار اشتراطات صندوق النقد السلبية    محمد معيط: لم أتوقع منصب صندوق النقد.. وأترك للتاريخ والناس الحكم على فترتي بوزارة المالية    روبيو: أمريكا تواصلت مع عدد من الدول لبحث تشكيل قوة استقرار دولية في غزة    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: برنامجنا مع صندوق النقد وطنى خالص    الغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة تطالب بإنهاء مشكلات الضرائب وفتح استيراد الليموزين    أرقام فينشينزو إيتاليانو مدرب بولونيا في آخر 4 مواسم    منتخب مصر يواصل تدريباته استعدادًا لضربة البداية أمام زيمبابوي في كأس الأمم الأفريقية    ضربتان موجعتان للاتحاد قبل مواجهة ناساف آسيويًا    حارس الكاميرون ل في الجول: لا يجب تغيير المدرب قبل البطولة.. وهذه حظوظنا    مدرب جنوب إفريقيا السابق ل في الجول: مصر منافس صعب دائما.. وبروس متوازن    فوز تاريخي.. الأهلي يحقق الانتصار الأول في تاريخه بكأس عاصمة مصر ضد سيراميكا كليوباترا بهدف نظيف    زينب العسال ل«العاشرة»: محمد جبريل لم يسع وراء الجوائز والكتابة كانت دواءه    محمد سمير ندا ل«العاشرة»: الإبداع المصرى يواصل ريادته عربيًا في جائزة البوكر    كل عام ولغتنا العربية حاضرة.. فاعلة.. تقود    إقبال جماهيري على عرض «حفلة الكاتشب» في ليلة افتتاحه بمسرح الغد بالعجوزة.. صور    السفارة المصرية في جيبوتي تنظم لقاء مع أعضاء الجالية    وزير العمل يلتقي أعضاء الجالية المصرية بشمال إيطاليا    مصر تتقدم بثلاث تعهدات جديدة ضمن التزامها بدعم قضايا اللجوء واللاجئين    الجبن القريش.. حارس العظام بعد الخمسين    التغذية بالحديد سر قوة الأطفال.. حملة توعوية لحماية الصغار من فقر الدم    جرعة تحمي موسمًا كاملًا من الانفلونزا الشرسة.. «فاكسيرا» تحسم الجدل حول التطعيم    كيفية التخلص من الوزن الزائد بشكل صحيح وآمن    أول "نعش مستور" في الإسلام.. كريمة يكشف عن وصية السيدة فاطمة الزهراء قبل موتها    الداخلية تنظم ندوة حول الدور التكاملي لمؤسسات الدولة في مواجهة الأزمات والكوارث    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر رجب.. في هذا الموعد    10 يناير موعد الإعلان عن نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025    النتائج المبدئية للحصر العددي لأصوات الناخبين في جولة الإعادة بدوائر كفر الشيخ الأربعة    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابه    للقبض على 20 شخصًا عقب مشاجرة بين أنصار مرشحين بالقنطرة غرب بالإسماعيلية بعد إعلان نتائج الفرز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجيب محفوظ.. ومحاولة أخرى لاغتياله!

قرأت ما نشرته بعض الصحف فى مصر وخارجها، عن نائب فى مجلس النواب أعلن أن روايات نجيب محفوظ تخدش الحياء، ولو أن كاتبها كان لايزال على قيد الحياة لوجبت محاكمته!
قرأت هذا الخبر العجيب فلم أفهم شيئا مما جاء فيه، ليس لأن ما يقوله غامض أو غير صريح، ولكن لأنه غريب لايعقل ولايصدق، فضلا عما فيه من أسماء مجهولة لم أسمع بها من قبل!.
النائب المحترم بطل القصة العجيبة اسم مجهول تماما بالنسبة لي، لا أعلم شيئا عن نضاله السياسى الذى أوصله للمجلس الموقر، وأهله لتمثيل المصريين فى أول برلمان ينتخب بعد ثورة يونيو، التى أسقط فيها المصريون حكم المرشد، وبددوا أحلام الإخوان الجهنمية، وقطعوا الطريق على ما حاكوه من مؤامرات، وأعدوه من خطط لإعادتنا وإعادة المنطقة كلها إلى العصور الوسطي، هل يكون هذا البرلمان المفترض أنه برلمان يونيو، أى برلمان الدولة المدنية والملايين التى دافعت عنها، والدستور الذى كفل لنا حرية الفكر والرأى والبحث العلمي، والإبداع الفنى والأدبي، هل يكون هذا البرلمان هو المكان الذى يتسع لصاحب هذه الفتوى وأمثاله، وهو الجهة التى يستند لها ويحتمى بها وهو يسدد طعناته لنجيب محفوظ، ولجميع المثقفين المصريين؟.
وما الذى يعرفه هذا السيد السند عن نجيب محفوظ؟ هل قرأ رواياته؟ لا يبدو من حديثه أنه قرأها، ولا يمكن لأحد أن يصدق أن صاحب هذا الرأى فى نجيب محفوظ قد قرأ له شيئا، أو قرأ عنه شيئا، لأن الذى يقرأ لنجيب محفوظ مضطر لأن يتأدب وهو يتحدث عنه، فهو أمام رجل اكتمل له واكتمل به فن الرواية العربية، وانضم بفضله لتراث الرواية فى العالم كله، فنجيب محفوظ الآن فى كل اللغات. وقد رأيت أعماله معروضة على القراء فى مكتبات باريس، ولندن، وروما، ومدريد، واستوكهولم التى توج فيها بجائزة نوبل، وفى نيويورك، وهافانا، وبوجوتا، ونيودلهي، وبكين، إلى جانب أعمال فلوبير، وبلزاك، وديكنز، ودستوفيسكي، وجابرييل جارثيا ماركيز.
نجيب محفوظ لم يعد مجرد كاتب فرد يستطيع كل من هب ودب أن يتطفل عليه، ويتحرش به، ويقول فيه ما يعن له صوابا كان أو خطأ، دون تردد أو احتياط، وإنما أصبح نجيب محفوظ وهو لايزال على قيد الحياة رمزا لمصر وثقافتها، ثم احتل بعد رحيله هذا المقام الرفيع الذى احتله فى تراثها الخالد.
فإذا كان هذا السيد السند قد قرأ شيئا لنجيب محفوظ فوجده خادشا لحيائه، ألم يكن أفضل له وأعقل أن ينصرف عن نجيب محفوظ ويكف عن قراءته حتى لا يتعرض حياؤه لمن يخدشه، وحتى لا يدلى بشهادته فى قضية يجهلها ولا يعرف عنها ما يؤهله لأن يكون شاهدا فيها؟ فإذا كان ما قرأه فى روايات نجيب محفوظ أو سمع عنه قد شغله وأقض مضجعه إلى الحد الذى لم يعد قادرا على إخفاء رأيه فيه، فقد كان من واجبه أن يستشير النقاد والدارسين الذين يستطيعون أن ينبهوه للفرق بين قول أو فعل أو سلوك خادش للحياء، وعمل أدبى يصور هذا القول أو هذا الفعل، بين ما يقوله الكاتب فى روايته، وما تقوله الشخصيات التى يصورها ويلتزم بنقل ما يصدر عنها.
نجيب محفوظ الذى كتب الثلاثية غير السيد أحمد عبدالجواد بطلها، فإذا كان نجيب محفوظ قد حدثنا عن هذا السيد فى بيته وخارج بيته، مع زوجته ومع خليلته، فى مكان عمله وفى مسرح لهوه، فنجيب محفوظ ينقل لنا الواقع ويصور ما فيه، لا لنقلده، بل لنتخيله وننفعل به، ونتمثل ما فيه من نماذج وشخصيات، ومن مشاعر وأحاسيس وحقائق وأوهام وغرائز نعرفها فى أنفسنا، كما نعرفها فى غيرنا، وبقدر ما يكون من صدق الكاتب وتمثله لشخصياته فى سرها وعلنها وانفرادها واجتماعها بقدر ما يكون من انفعاله هو بهذه الشخصيات وفهمه لها، ولما تواجهه وتعانيه وتحلم به وتخاف منه، يكون انفعالنا نحن بروايته وبالحياة، الحياة التى نعيشها مرتين، مرة فى الواقع، ومرة فى الأدب الذى يجسد لنا هذا الواقع.
والأدب العربى وآداب العالم كلها حافلة بهذه الصور، وهذه الموضوعات وهذه الشخصيات التى نجدها فى روايات نجيب محفوظ، والمشكلة التى نواجهها فى هذه الأيام مع هذا السيد ومع آخرين كثيرين يشتغلون بالسياسة والدين والتشريع والقانون، تتمثل فى تصديهم لقضايا لا يعرفونها، وفى توليهم مسئوليات لا يستطيعون القيام بها، لأنها تحتاج لثقافة لم يحصلوها، مع أنها متوافرة متاحة للجميع.
لو أن هؤلاء السادة الذين أرادوا أن يحاكموا نجيب محفوظ بتهمة خدش الحياء بعد أن حاكموا أحمد ناجى بهذه التهمة، قرأوا كتاب الدكتور رمسيس عوض عن محاكمة جيمس جويس بهذه التهمة، أو كتابه عن محاكمة د.ه. لورنس وهنرى ميلر بها فى انجلترا وأمريكا، لتعلموا شيئا من التحلى بسعة الصدر، وعرفوا الفرق بين من يخدشون الحياء بسلوكهم، ومن يصورون هؤلاء فى رواياتهم.
د. ه. لورنس يحدثنا فى روايته «عشيق الليدى تشاترلي»، وهى بالمناسبة مترجمة للعربية، عن رجل مثقف أصيب فى الحرب إصابة أفقدته قدرته الجنسية، وقد حاولت زوجته بنت الأستاذ الجامعى أن تتحمل هذا الوضع القاسي، وأن تتعايش معه، وتقنع بما يستطيع زوجها العاجز أن يقدمه لها، لكنها لم تستطع فى النهاية وأسلمت جسدها الجائع للحارس الذى يخدم زوجها، وتعلقت به حتى تحولت المتعة العابرة إلى حب جارف انتهى بالليدى وعشيقها إلى الزواج.
هذه الرواية التى رأى كاتبها أن يستخدم فيها اللغة التى يستخدمها الناس حين يرفعون الكلفة، ويلغون المسافة، اعتبرتها السلطات المسئولة فى انجلترا وأمريكا رواية خادشة للحياء، وصادرتها، فرفع الناشر قضية طالب فيها بإعادة النظر فى قرار المصادرة، والسماح بنشرها وبيعها وقراءتها، وقد نظرت القضية واستمعت المحكمة للنيابة، واستمعت للشهود الذين استدعتهم من الكتاب والنقاد والناشرين ورجال الدين، الذين دافع معظمهم عن الرواية، وأوضحوا للقضاة مغزاها الاجتماعي، وجوهرها الإنساني فحكم القضاة بتبرئة الرواية وسمحوا بنشرها. وللحديث بقية ...
نجيب محفوظ.. ومحاولة أخرى لاغتياله!
◀ بقلم: أحمد عبدالمعطى حجازى
قرأت ما نشرته بعض الصحف فى مصر وخارجها، عن نائب فى مجلس النواب أعلن أن روايات نجيب محفوظ تخدش الحياء، ولو أن كاتبها كان لايزال على قيد الحياة لوجبت محاكمته!
قرأت هذا الخبر العجيب فلم أفهم شيئا مما جاء فيه، ليس لأن ما يقوله غامض أو غير صريح، ولكن لأنه غريب لايعقل ولايصدق، فضلا عما فيه من أسماء مجهولة لم أسمع بها من قبل!.
النائب المحترم بطل القصة العجيبة اسم مجهول تماما بالنسبة لي، لا أعلم شيئا عن نضاله السياسى الذى أوصله للمجلس الموقر، وأهله لتمثيل المصريين فى أول برلمان ينتخب بعد ثورة يونيو، التى أسقط فيها المصريون حكم المرشد، وبددوا أحلام الإخوان الجهنمية، وقطعوا الطريق على ما حاكوه من مؤامرات، وأعدوه من خطط لإعادتنا وإعادة المنطقة كلها إلى العصور الوسطي، هل يكون هذا البرلمان المفترض أنه برلمان يونيو، أى برلمان الدولة المدنية والملايين التى دافعت عنها، والدستور الذى كفل لنا حرية الفكر والرأى والبحث العلمي، والإبداع الفنى والأدبي، هل يكون هذا البرلمان هو المكان الذى يتسع لصاحب هذه الفتوى وأمثاله، وهو الجهة التى يستند لها ويحتمى بها وهو يسدد طعناته لنجيب محفوظ، ولجميع المثقفين المصريين؟.
وما الذى يعرفه هذا السيد السند عن نجيب محفوظ؟ هل قرأ رواياته؟ لا يبدو من حديثه أنه قرأها، ولا يمكن لأحد أن يصدق أن صاحب هذا الرأى فى نجيب محفوظ قد قرأ له شيئا، أو قرأ عنه شيئا، لأن الذى يقرأ لنجيب محفوظ مضطر لأن يتأدب وهو يتحدث عنه، فهو أمام رجل اكتمل له واكتمل به فن الرواية العربية، وانضم بفضله لتراث الرواية فى العالم كله، فنجيب محفوظ الآن فى كل اللغات. وقد رأيت أعماله معروضة على القراء فى مكتبات باريس، ولندن، وروما، ومدريد، واستوكهولم التى توج فيها بجائزة نوبل، وفى نيويورك، وهافانا، وبوجوتا، ونيودلهي، وبكين، إلى جانب أعمال فلوبير، وبلزاك، وديكنز، ودستوفيسكي، وجابرييل جارثيا ماركيز.
نجيب محفوظ لم يعد مجرد كاتب فرد يستطيع كل من هب ودب أن يتطفل عليه، ويتحرش به، ويقول فيه ما يعن له صوابا كان أو خطأ، دون تردد أو احتياط، وإنما أصبح نجيب محفوظ وهو لايزال على قيد الحياة رمزا لمصر وثقافتها، ثم احتل بعد رحيله هذا المقام الرفيع الذى احتله فى تراثها الخالد.
فإذا كان هذا السيد السند قد قرأ شيئا لنجيب محفوظ فوجده خادشا لحيائه، ألم يكن أفضل له وأعقل أن ينصرف عن نجيب محفوظ ويكف عن قراءته حتى لا يتعرض حياؤه لمن يخدشه، وحتى لا يدلى بشهادته فى قضية يجهلها ولا يعرف عنها ما يؤهله لأن يكون شاهدا فيها؟ فإذا كان ما قرأه فى روايات نجيب محفوظ أو سمع عنه قد شغله وأقض مضجعه إلى الحد الذى لم يعد قادرا على إخفاء رأيه فيه، فقد كان من واجبه أن يستشير النقاد والدارسين الذين يستطيعون أن ينبهوه للفرق بين قول أو فعل أو سلوك خادش للحياء، وعمل أدبى يصور هذا القول أو هذا الفعل، بين ما يقوله الكاتب فى روايته، وما تقوله الشخصيات التى يصورها ويلتزم بنقل ما يصدر عنها.
نجيب محفوظ الذى كتب الثلاثية غير السيد أحمد عبدالجواد بطلها، فإذا كان نجيب محفوظ قد حدثنا عن هذا السيد فى بيته وخارج بيته، مع زوجته ومع خليلته، فى مكان عمله وفى مسرح لهوه، فنجيب محفوظ ينقل لنا الواقع ويصور ما فيه، لا لنقلده، بل لنتخيله وننفعل به، ونتمثل ما فيه من نماذج وشخصيات، ومن مشاعر وأحاسيس وحقائق وأوهام وغرائز نعرفها فى أنفسنا، كما نعرفها فى غيرنا، وبقدر ما يكون من صدق الكاتب وتمثله لشخصياته فى سرها وعلنها وانفرادها واجتماعها بقدر ما يكون من انفعاله هو بهذه الشخصيات وفهمه لها، ولما تواجهه وتعانيه وتحلم به وتخاف منه، يكون انفعالنا نحن بروايته وبالحياة، الحياة التى نعيشها مرتين، مرة فى الواقع، ومرة فى الأدب الذى يجسد لنا هذا الواقع.
والأدب العربى وآداب العالم كلها حافلة بهذه الصور، وهذه الموضوعات وهذه الشخصيات التى نجدها فى روايات نجيب محفوظ، والمشكلة التى نواجهها فى هذه الأيام مع هذا السيد ومع آخرين كثيرين يشتغلون بالسياسة والدين والتشريع والقانون، تتمثل فى تصديهم لقضايا لا يعرفونها، وفى توليهم مسئوليات لا يستطيعون القيام بها، لأنها تحتاج لثقافة لم يحصلوها، مع أنها متوافرة متاحة للجميع.
لو أن هؤلاء السادة الذين أرادوا أن يحاكموا نجيب محفوظ بتهمة خدش الحياء بعد أن حاكموا أحمد ناجى بهذه التهمة، قرأوا كتاب الدكتور رمسيس عوض عن محاكمة جيمس جويس بهذه التهمة، أو كتابه عن محاكمة د.ه. لورنس وهنرى ميلر بها فى انجلترا وأمريكا، لتعلموا شيئا من التحلى بسعة الصدر، وعرفوا الفرق بين من يخدشون الحياء بسلوكهم، ومن يصورون هؤلاء فى رواياتهم.
د. ه. لورنس يحدثنا فى روايته «عشيق الليدى تشاترلي»، وهى بالمناسبة مترجمة للعربية، عن رجل مثقف أصيب فى الحرب إصابة أفقدته قدرته الجنسية، وقد حاولت زوجته بنت الأستاذ الجامعى أن تتحمل هذا الوضع القاسي، وأن تتعايش معه، وتقنع بما يستطيع زوجها العاجز أن يقدمه لها، لكنها لم تستطع فى النهاية وأسلمت جسدها الجائع للحارس الذى يخدم زوجها، وتعلقت به حتى تحولت المتعة العابرة إلى حب جارف انتهى بالليدى وعشيقها إلى الزواج.
هذه الرواية التى رأى كاتبها أن يستخدم فيها اللغة التى يستخدمها الناس حين يرفعون الكلفة، ويلغون المسافة، اعتبرتها السلطات المسئولة فى انجلترا وأمريكا رواية خادشة للحياء، وصادرتها، فرفع الناشر قضية طالب فيها بإعادة النظر فى قرار المصادرة، والسماح بنشرها وبيعها وقراءتها، وقد نظرت القضية واستمعت المحكمة للنيابة، واستمعت للشهود الذين استدعتهم من الكتاب والنقاد والناشرين ورجال الدين، الذين دافع معظمهم عن الرواية، وأوضحوا للقضاة مغزاها الاجتماعي، وجوهرها الإنساني فحكم القضاة بتبرئة الرواية وسمحوا بنشرها. وللحديث بقية ...
لمزيد من مقالات بقلم: أحمد عبدالمعطى حجازى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.