جاءت الزيارة الأخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسى للبرتغال كرسالة من الجانبين لتوضيح وتأكيد حرصهما على توطيد العلاقات التى تعتبر علاقات تاريخية قديمة. وكانت الزيارة التى تعد أول زيارة لرئيس مصرى للشبونة منذ حوالى 24 عاما، لتؤكد حرص مصر على تشجيع الاستثمارات البرتغالية على التعرف واستغلال الإمكانات المتاحة فى السوق المصرية، ولتأكيد عزم مصر على استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادى. وأكدت مادلينا فيشر، سفيرة البرتغال بالقاهرة أن بلادها تقدر الدور الذى تلعبه مصر فى المنطقة وعلى المستوى الدولى خاصة فى مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية والحوار بين الاديان والثقافات المختلفة. وقالت فى حوار ل «الأهرام» ان علاقة كل من مصر والبرتغال بالدول الافريقية يؤهلهما للتعاون من أجل زيادة تواجدهما بالسوق الأفريقية الواعدة والمساهمة فى حل مشكلة الهجرة غير الشرعية. وفيما يلى نص الحوار: كيف ترين نتائج الزيارة الاخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسى للبرتغال على المستويين السياسى والاقتصادي؟ كانت الزيارة الأخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسى ناجحة جدا وهى أول زيارة لرئيس مصرى منذ حوالى 24 عاما، كما أنها أول زيارة رسمية يستقبلها رئيس البرتغال مارسيلو ريبيلو دى سوزا منذ توليه مهمة رئيس البرتغال فى مارس الماضي. فقد شهدت الزيارة اجتماعات على مستوى عال من المسئولين من الجانبين. فعلى المستوى السياسي، تتمتع الدولتان بعلاقات وطيدة جدا منذ سنوات طويلة وهناك تعاون مشترك فيما بينهما دائما، ولكن تسببت ظروف عدم الاستقرار التى شهدتها مصر خلال السنوات القليلة الماضية، إلى جانب المشكلات الاقتصادية التى واجهتها البرتغال شانها شان العديد من الدول الاوروبية منذ عام 2011 من حيث قلة تبادل الزيارت السياسية بين الجانبين خلال السنوات القليلة الماضية. ولهذا فمنذ ان توليت منصبى كسفير للبرتغال فى مصر منذ عام تقريبا حرصت على العمل على وضع العلاقات مرة أخرى فى نصابها الصحيح. وخلال العام الماضى بدأنا سلسلة من المباحثات بين الجانبين على المستوى الساسى كما قام وزير الخارجية البرتغالى بزيارة مصر فى يونيو الماضي. ويعد تبادل الزيارات بين الجانبين من أهم علامات عودة العلاقات لمايجب أن تكون عليه. وكان لمصر دور هام فى دعم المرشح البرتغالى لمنصب الامين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريشن كماتعتبر البرتغال مصر شريكا اساسيا لها فى المحافل الدولية حيث تدعم الدولتان بعضهما البعض فيما يتعلق بالقضايا الدولية. اما على المستوى الاقتصادي، فهناك الكثير فعله الجانبان لتفعيل العلاقات فى هذا المجال. فخلال السنوات القليلة الماضية، انخفض حجم التبادل التجارى بين البلدين. ولكن جاءت الزيارة الأخيرة للرئيس السيسى لتفتح العديد من المجالات التى يمكن للجانبين استغلالها وحرص الجانب البرتغالى خلال الزيارة على توضيح فكرة أن البرتغال سوق مفتوحة تتمتع بعلاقات مع الأسواق الأوروبية والأفريقية والأسيوية والجنوب أمريكية أيضا ممايمكنه أن يفيد الجانب المصري. واعربت العديد من الشركات البرتغالية عن رغبتها فى التعرف على السوق المصرية. تتمتع البرتغال بالتواجد فى الاسواق الأفريقية كما تتمتع مصر بعلاقات افريقية جيدة لاهميتها على المستوى الأفريقي، فكيف يمكن للجانبين التعاون فى تحقيق تواجد أكبر داخل أفريقيا؟ كان للبرتغال مستعمرات قديمة فى القارة الافريقية ومازال هناك مجتمع كبير يتحدث باللغة البرتغالية داخل عدد من الدول الأفريقية. كما تربطنا صلات قوية جدا بعدد كبير من الدول الافريقية. اما بالنسبة لمصر فهى دولة أفريقية مهمة ومحورية وهى عضو اساسى فى عدد من التكتلات الإقتصادية الافريقية مثل الكوميسا. وكل ذلك أمور نعمل على الاستفادة منها لتحقيق المنفعة المشتركة للجانبين المصرى والبرتغالى فى التواجد بصورة اكبر داخل الاسواق الافريقية الواعدة، خاصة مع حجم الكثافة السكانية بها. وماذا عن لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى وممثلى مجتمع رجال الاعمال فى لشبونة؟ كان لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى بممثلى رجال الاعمال والشركات فى لشبونة مثمرا جدا فقد حضر اللقاء وزراء الاستثمار والخارجية والتجارة والصناعة المصريين، وقاموا بشرح الإمكانات التى تتمتع بها السوق المصرية، كما تم عرض خطوات الإصلاح الاقتصادى التى اتخذتها مصر وخطتها لاستكمال مسيرة الإصلاح خلال الفترة المقبلة. ورأى رجال الاعمال البرتغاليون أن هناك ضرورة لأن يقوموا بزيارة لمصر من أجل التعرف على الفرص والإمكانات المتاحة بنفسهم ولقاء ممثلى مجتمع الاعمال المصرى والتشاور بشأن المشروعات التى يمكن إقامتها بين الجانبين. ويتم تنظيم زيارة لوفد من رجال الاعمال البرتغاليين فى مطلع العام القادم. ولكن بصفة عامة جاءت زيارة السيسى الاخيرة كرسالة واضحة لتوضيح حجم السوق والإمكانات المصرية وإصرار مصر على استكمال برامج الإصلاح الاقتصادي، وقدرة مصر على استيعاب الاستثمارات الاجنبية المباشرة. هل احتلت قضية الهجرة غير الشرعية جانبا من مباحثات الجانبين المصرى والبرتغالي؟ بالطبع يحتل ملف الهجرة غير الشرعية وتدفق المهاجرين أهمية قصوى على المستوى الدولي، فتلك المشكلة تواجهها جميع الدول ومنها دول شمال أفريقيا وعدد من الدول الأوروبية. وتلك القضية لن تحل الا عن طريق التعاون وتضافر الجهود. فنحن على سبيل المثال نعمل بالتعاون مع الاممالمتحدة ونتعاون مع بقية الدول فى إطار منظومة الإتحاد الأوروبى وعلى المستوى الثنائى بيننا وبين الدول المختلفة ومنها مصر. ولابد من وجود منظومة وبرامج لمساعدة الدول المتضررة من تدفق اللاجئين ومنها مصر، كما أنه من الضرورى العمل على تحسين ظروف الدول التى تعانى مشاكل اقتصادية كبيرة مما يدفع سكانها للمخاطرة بحياتهم للهجرة بطرق غير شرعية. وماذا عن مكافحة الإرهاب؟ هذا الشق أيضا نقوم بالتعاون فيه مع مصر على مستويين: الأول داخل إطار الاتحاد الأوروبي، والثانى على المستوى الثنائى وفقا لعلاقتنا الثنائية مع الدول الأخري. ومواجهة الإرهاب لابد وأن يتم بالتعاون فيمابين الدول خاصة وأنه خطر يواجه الجميع وليس دولة بعينها. نتيجة الاحداث الإرهابية التى شهدها عدد من الدول الأوروبية، تم الربط بين الإسلام والإرهاب، فكيف يمكن تصحيح صورة الإسلام فى الغرب؟ كان هذا أحد الموضوعات التى تم مناقشتها خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للبرتغال. وبالنسبة للبرتغال فنحن دولة تتمتع بتنوع ثقافى وقد يرجع ذلك الى المستعمرات التى كانت تابعة للبرتغال منذ قرون فى مختلف أنحاء العالم فى أفريقيا وأسيا وأمريكا الجنوبية. كما أن البرتغال تضم جالية إسلامية قد لاتكون كبيرة لكنها حققت اندماجا جيد جدا داخل المجتمع.. والمجتمع البرتغالى يتقبل الاخر ويتقبل الثقافات والديانات المختلفة. وعندما تولى الرئيس البرتغالى مهام منصبه فى مارس الماضى وبعد تنصيبه ذهب لحضور احتفال بهذه المناسبة فى اكبر جامع فى لشبونة وهو الاحتفال الذى ضم العديد من الطوائف. وكان ذلك رسالة حول مدى انفتاح الإسلام وتقبله للاخر ولضرورة تعايش الجميع مع بعضهم البعض بسلام. ونحن بصفة عامة مجتمع يقدر الحوار وخاصة الحوار الديني. ونقدر الدور الذى تلعبه مصر فى مجال حوار الاديان وما يقوم به مؤسسة الأزهر الشريف فى هذا الشان ومحاولة مصر توصيل رسالة التسامح وضرورة الحوار والتعايش السلمى بين الجميع. ونحن بصفة عامة تربطنا علاقات قوية جدا بالعالم العربى فقد نكون من اكثر الدول تفهما وتواصلا مع العالم العربى فالبرتغال وأسبانيا كانتا تحت الحكم الإسلامى لمدة 700 عام تقريبا وهو جزء هام من تاريخنا ترك أثاره فى توطيد علاقتنا بالعالم العربى والإسلامي. ومازلنا نحتفظ بكلمات كثيرة فى حياتنا اليومية أصلها كلمات عربية مثل كلمات: إن شاء الله وسكر وغيرها. وهناك أشياء كثيرة مشتركة بين شعوبنا لذا نحن نعتبر أن البرتغال منفتحة بصورة كبيرة على العالم العربى وقادرة على الاستماع له والتحاور معه ، وهو ما ينعكس على علاقاتنا فى المحافل الدولية أيضا. وكمثال على قوة العلاقت بين الجانبين، فقد أقيمت أول قمة أفريقية أوروبية بالقاهرة عام 2007 خلال رئاسة البرتغال لدورة الإتحاد الاوروبى آنذاك، وجاء ذلك نتيجة العلاقات الجيدة بين البرتغال ومصر وهو ماساهم فى تنظيم مثل هذه الفاعلية الهامة.