كل عام ونحن جميعا بخير. أيام قليلة وتحل علينا ذكرى مولد خير الأنام والمبعوث رحمة للعالمين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد أجمع الفقهاء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد فى عام الفيل يوم الاثنين الثانى عشر من ربيع الأول، وفيه أيضا مات. وقد جاء يوم ولادته صلى الله عليه وسلم متزامنا مع عدة معجزات وأمور غير معتادة كانت دليلا على عظمة الحدث. قال الله تعالى فى كتابه العزيز مخاطبا نبيه الكريم :"وما أرسَلنَك إلا رحمة للعالَمِينَ" (الأنبياء :107). وقال تعالى : "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر"، و"يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" (المائدة : 67) وتنفيذا لأمر الله ومشيئته عز وجل بذل رسول الله على مدى سنوات رسالته العرق والجهد والدم تنفيذا لأمر الله. لقد سلك الرسول المؤيَّد من السماء الطريق الصعب لنشر رسالته. فقد منح الله عز وجل الرسل والأنبياء نعمة العصمة من جوانب الضعف البشرى مثل "التكاسل" و"التواكل" و"روح الإنتقام" و"التكبر" و"الطمع" و"انفلات الشهوات". وقد قال عليه الصلاة والسلام : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وبالنظر فيما أوصانا به رسول الله منذ أكثر من 14 قرنا من الزمان سنجد أنه نصح بتجنب الفتن وبأهمية تهدئة الناس منعا للانفلات وحدوث الصدام الذى يسفر عن إسالة الدماء فى المجتمعات التى يعيش فيها المسلم. ولأَبِي داود عن أبِي موسى رضي الله عنه قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِن بين أيديكم فتنا كَقطع اَلليل اَلْمظلم، يصبِح اَلرجل فيها مؤمنا ويمسي كَافرا، ويمسي مؤمنا، ويصبِح كَافرا. اَلْقَاعد فيها خير من اَلْقَائم، والْقَائم فيها خير من اَلساعي. قَالوا : فما تَأمرنا يا رسول اَلله؟ قَالَ: كونوا أحلاس بيوتكم". ويقصد هنا الحض علي ملازمة البيوت والقعود فيها حتى يسلم الناس ويسلموا من بعضهم البعض. وعن سلوك المسلم فى المجتمع الذى يعيش فيه ورد عن أبى هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه" رواه مسلم. وعن حفظ اللسان وعدم إساءة استخدامه فى النيل من الآخرين: لابن ماجه: عن ابنِ عمر رضي الله عنهما مرفوعا : "إِياكم والْفتن، فإن اَللسان فيها مثْل وقْع اَلسيف". واليوم، ونحن فى تلك الأيام الحاسمة من تاريخ وطننا وعالمنا العربى والإسلامى، ما أحوجنا إلى الاستفادة من كلام وتوجيهات أفضل الخلق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام والعمل فعليا بما نصحنا به لنفوز بالدنيا والآخرة. لقد أصبح عالمنا العربى والإسلامى فى حاجة إلى "معجزة" حقيقية تتحقق من خلالها روح الإتحاد على هدف واحد لرفعة شأن العرب تحديدا والمسلمين على وجه العموم. وتلك المعجزة المنتظرة ليست بالأمر الصعب المنال؛ فالطريق إليها واضح وبسيط، يتمثل فى خلو قلوب الناس من نواقص النفس البشرية (الحقد والطمع والجشع والكراهية والغيرة والغلو والتطرف)، والتقليل من شدة التكالب على أغراض الدنيا من شهوات السلطة والجاه والنفوذ والمال. والسمو على المصالح الشخصية والتناول السطحى المُخل سواء كان ذلك عن طريق الخطأ أو التعمد. وقد حذرنا رسول الله من السقوط فى مستنقع الكذب. فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان". وفى حديث آخر تمت إضافة الغدر "وإذا عاهد غدر". واليوم إذا نظرنا حولنا؛ فسنجد أن تلك الصفات القبيحة المذمومة قد انتشرت بشكل واضح ومؤثر. فعلى سبيل المثال لا الحصر تأكد للناس أن الجشع والكذب هما معا المحرك الرئيسى لنفس كل من تاجر بالأقوات وحاول إخفاء السلع الغذائية بُغية اختلاق أزمة ينشر بها الضيق والغضب بين الناس الآمنين. ويبذل المجتمع الكثير من الجهد والتضحيات فى محاولة للحد من أثر "الشر" الذى أحدثته أفاعيل حفنة من أصحاب النفوس التى أصابها داء الجشع والكذب واتشحت بشهوات النفوذ والمال الحرام. وكانت أزمة السكر المفتعلة وارتفاع أسعار حلوى المولد إلى مستويات دفعت الكثير من الناس إلى الإحجام عن الشراء - مثال صارخ على انتشار النفوس الضعيفة التى سقطت فى فخ المتاجرة بالأقوات تلبية لنداء الشيطان وإغراءات المال والنفوذ؛ فأضافوا مرارة إلى المجتمع بعدما أخفوا السكر!! وما كان لتلك الجهود أن تبذل أو لهذا الوقت الثمين أن يضيع أو للضيق أن يسود أو للمال أن ينفق لو طبق الناس ما أوصاهم به الرسول منذ أكثر من 14 قرنا من الزمان. ما أحوجنا اليوم ونحن نحتفى بذكرى يوم مولد رسول الله أن نقتدى به وأن نطبق ما أوصانا به لخيرنا وخير مجتمعنا وبلدنا والعالم أجمع. كل عام ونحن جميعا بخير وسلام. لمزيد من مقالات طارق الشيخ;