احذر.. جريمة الغش للحصول على بطاقة الائتمان تعرضك للحبس وغرامة مليون جنيه    هيئة الرقابة المالية تصدر قواعد مزاولة نشاط إدارة برامج الرعاية الصحية    مصر تقرر حظر استيراد السكر لمدة 3 أشهر    مسئول أممي: لا أحد بمنأى عن مخاطر تغير المناخ.. والشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثرا    حماس تدعو لتصعيد المقاومة والثأر لشهيدي الخليل    فاو: 75 مليون دولار مطلوبة لإنقاذ غزة من المجاعة.. والسودان يواجه أزمة من صنع الإنسان    الغزاوي يجتمع مع فريق رجال اليد قبل نهائي السوبر المصري بالإمارات    لخلافة صلاح.. جنابري يقترب من ليفربول    وزير السياحة والآثار يتفقد المتحف المصري الكبير لمتابعة حركة الزائرين    أسعار الذهب اليوم.. تعرف على قيمة أعيرة 24 و22 و21    الإيجار القديم بالجيزة: اعرف تصنيف شقتك قبل تطبيق زيادات الإيجار    إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    البحوث الإسلاميَّة: الأزهر يُولِي أبناءه من مختلِف الدول اهتمامًا خاصًّا ورعايةً كاملة    إعلام فلسطيني: وفاة رئيس الأوقاف الإسلامية بالقدس الشيخ عبد العظيم سلهب    الصحفيين الفلسطينيين: الاحتلال يمنع تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب    عبد العاطي يستعرض مع لجنة العلاقات الخارجية ب«الشيوخ» محددات السياسة المصرية    النائب العام يستقبل رئيس وكالة اليوروجست ووفدًا من ممثلي الاتحاد الأوروبي    مستقبل وطن: العامل المصري يمتلك وعيًا سياسيًا قويًا.. واستخدم حقه الدستوري لاختيار ممثليه    الأهلي بطلا لدوري مرتبط سيدات السلة    المصري يحدد ملعبه الثاني لمباريات كأس الكونفدرالية    تحذير عاجل من الأرصاد بشأن حالة الطقس واستمرار سقوط الأمطار غدًا    ضبط 3 متهمين فى واقعة إصابة طبيب خلال قافلة طبية بقنا    أمن الإسماعيلية يفحص فيديو طفلة الإشارة    الداعية مصطفى حسني يحث طلاب جامعة عين شمس على المحافظة على الصلاة    بعد استفاقته من الغيبوبة.. محمد صبحي يوجه رسالة ل نقابة المهن التمثيلية من داخل المستشفى (تفاصيل)    وزيرة التنمية المحلية: ندعم جميع المبادرات لوضع الإنسان والإبداع فى صميم الاهتمام    مش هننساك.. أسرة إسماعيل الليثى تعلق صورته مع ابنه ضاضا أمام سرادق العزاء    أغرب عادات الأبراج اليومية.. روتين كل برج    تصريح صادم من المطرب مسلم عن خلافاته مع شقيقته    خالد الجندي: الله يباهي الملائكة بعباده المجتهدين في الطاعات(فيديو)    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تستعرض جهود مصر في تعزيز الأمن الصحي العالمي    مناقشة تطوير أداء وحدات الرعاية الأولية خلال مؤتمر السكان العالمي    «حققت مليارات الدولارات».. وول ستريت جورنال: حرب غزة صفقة ضخمة للشركات الأمريكية    الشيخ الجندي يكشف فضل انتظار الصلاة والتحضير لها(فيديو)    خالد الجندي: العلاقة في الإسلام تنافسية لا تفضيلية ولا إيثار في العبادات(فيديو)    عبد الغفار: نمتلك 5400 وحدة صحية تعكس صمود الدولة وقدرتها على توسيع التغطية الصحية الشاملة    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    بتهمة قتل مسنة.. السجن المشدد لعامل بقنا    خالد مرتجي يتحرك قانونيًا ضد أسامة خليل بعد مقال زيزو وأخلاق البوتوكس    مدير التعليم الفني بالمنوفية يتابع سير العملية التعليمية بعدد من المدارس    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    التنسيق بين الكهرباء والبيئة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    رئيس جامعة قناة السويس يكرّم الفائزين بجائزة الأداء المتميز عن أكتوبر 2025    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    إعلام فلسطيني: غارات وقصف مدفعي إسرائيلي على غزة وخان يونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خارج دايرة الضوء
القانون أم الفوضي‏?!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 06 - 2012

أكتب هذه الكلمات صباح الثلاثاء الماضي في وقت صعب عصيب اللحظات فيه حاسمة لا الدقائق أو الساعات والأيام‏..‏ في أي لحظة يمكن للصدام أن يحدث والدماء تسيل‏..‏ صدام المصريين بعضهم ببعض‏...‏ في هذه اللحظات الفارقة.. نريدها دولة قانون أم دولة فوضي؟
دولة نظام فيها قانون أم دولة يملي فيها الأقوي إرادته؟
دولة القانون التي نادت بها الثورة أم دولة الحكم فيها للقوة الأقوي؟.
الواضح أن دولة القانون لا وجود لها...
عندما نرفض تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا.. فهذا إسقاط لدولة القانون...
عندما نشكك في حكم محكمة دستورية فهذا تدمير لأحد أهم سلطات الوطن...
عندما يشتعل الصراع بين السلطات لا تكون هناك دولة...
لمصلحة من ما يحدث وإلي أين تأخذنا الأحداث...
الذي يمكن أن نقرأه بوضوح ونتعرف عليه بسهولة أننا وسط الفتنة والذي يستحيل معرفته أو توقعه إلي أين ستأخذنا هذه الفتنة...
الله وحده الأعلم بما ينتظرنا.. والله وحده القادر علي إنقاذنا.. بعد أن فقدنا القدرة علي التلاقي والتفاهم...
يارب رحمتك...
... ولا حتي الدعاء بإمكانه أن يغير شيئا من واقع ينتظرنا رسمنا بأيدينا حدوده وحددنا بعقولنا تفاصيله وسودنا بكل ما في نفوسنا من غل وحقد وكراهية طريقه...
... واقع نحن من صنعناه بأنفسنا ونحن من زرع كل هذا الخوف منه في أنفسنا...
... واقع أصبحنا علي بعد خطوات منه وبات مستحيلا الفرار منه إلا...
معجزة من عند الله تنقذ مصر من دماء ستجري أنهارا في كل مكان...
لا ديمقراطية نفعت ولا انتخابات فلحت ولا قانون نحترمه ونطبقه ونرضاه...
في18 يوما أسقطنا نظاما عمره آلاف السنين وعلي مدي16 شهرا بعدها فشلنا في أن نخطو خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح...
كلام ونقاش ودفع وتدافع وصخب وضجيج والمحصلة صفر وتحت الصفر لأن القوي متضادة والنفوس خربة والعقول مريضة والأنا فوق الجميع والوطن لا وجود له في ذاكرة.. فماذا ننتظر غير الفشل...
لعلنا لم ننس أن تزوير انتخابات مجلس الشعب2010 هو الفتيل الذي أشعل الغضب في نفوس المصريين أو ساعة الصفر التي فجرت ثورة الشباب...
كيف ننسي وكل الحكاية16 شهرا بدأت بمظاهرة غضب تنادي بالحرية والعدالة والكرامة وفي أقل من ثلاثة أسابيع أسقطت النظام كله وأراحت مصر من الحاكم الفرد وأعادت للشعب حقا لم يحصل عليه يوما منذ عرف التاريخ مصر...
حق أن يختار الشعب رئيسه في انتخابات حرة نزيهة...
هذا الاستحقاق العظيم الذي لم يتعرف عليه الشعب يوما عبر آلاف السنين.. عندما تحقق وأصبح واقعا في متناول كل مصري.. أدار له أغلبية المصريين ظهورهم...
عندما أصبح الشعب صاحب القرار في اختيار رئيس مصر.. رفضت الأغلبية التي لها حق التصويت أن تشارك وتنتخب..
عندما سنحت الفرصة لأن يكون للشعب رأي ينفذه بصوت في صندوق الانتخابات.. الأغلبية امتنعت والواجب الوطني يفرض عليها أن تشارك جميعا وتحديدا في الانتخابات لأنها الأولي في تاريخ مصر ولأنها القاعدة التي سيشار إليها ويقارن بها ولأن الإقبال علي الانتخابات رسالة بأن الشعب هو السلطة التي لا يعلوها سلطات وأن الشعب لن يفرط في حق له والانتخابات أهم حق وأن الشعب واع وفاهم ويختار ويراقب ويحاسب...
إقبال الشعب ومشاركة الشعب في الانتخابات رسالة حازمة قاطعة حاسمة في أن الشعب لن يتنازل عن حقه في الاختيار وحقه في الحساب وحقه في التغيير وكل هذه الحقوق تحققها الانتخابات ولا شيء سواها...
ملايين الشعب الأغلبية الانتخابية لم تخرج للانتخابات.. رغم أن الانتخابات هي الغضب الذي فجر ثورة وهي الحق الذي لم يحصل عليه الشعب يوما وعندما أصبح للشعب حق انتخاب رئيسه لم تخرج الأغلبية ولم تنتخب ولم تفكر لحظة في حتمية الخروج لأجل ترسيخ قواعد ولأجل إعلاء قيمة ولأجل توجيه رسالة بأن الشعب هو السلطة الأقوي التي لا تعلوها سلطات في الوطن...
الشعب هو السلطة الأقوي.. رسالة لا أحد يعرفها ولا مخلوق يريد أن يعرفها وكانت الفرصة مواتية لأجل طبع هذه الحقيقة في عقول ووجدان نخبة السياسة...
ضاعت الفرصة وضاعت معها هيبة ملايين الشعب الكتلة الانتخابية.. الأغلبية الشعبية غائبة لم تنتخب والذين انتخبوا أقل من النصف والغيابات جعلتهم لا يشكلون رقما مهما إن اجتمعوا ولا يصلون إلي رأي مهما اتفقوا...
صناديق الانتخابات هي القرار الذي يملكه الشعب وهي القوة التي يمثلها الشعب وعندما ترفض الأغلبية من ملايين الشعب أن يكون لها قرار وألا تكون لها قوة فهي ليست حرة في هذا.. لأن القرار هنا لم ينسحب عليها وحدها إنما طال بقية الشعب...
المشكلة التي نحن أمامها الآن.. أن ديمقراطية الانتخابات هذه لم نمسك بها وامتنع الملايين عن حقه فيها والكارثة الأكبر أن ما انتهت إليه اختلفنا عليه.. كل طرف أعلن فوزه!
الانتخابات الرياسية انتهت يوم الأحد وأنا أكتب يوم الثلاثاء والنتائج الرسمية للانتخابات سوف تعلن يوم الخميس وهذا ما هو معروف ومعلن حتي اللحظة التي أكتب فيها.. فماذا حدث ما بين الأحد والثلاثاء؟.
1 الدكتور محمد مرسي المرشح الرياسي أعلن فجر الاثنين فوزه في الانتخابات قبل أن تنتهي عمليات فرز الأصوات...
حملة الدكتور مرسي صرحت بأنها قامت بتجميع97% من اللجان وفقا للأصوات المثبتة في المحاضر وأعلنت من طرف واحد النتيجة وبررت ذلك بأنه حق لها معمول به.
2 حملة الفريق شفيق أعلنت في يوم الاثنين نفسه أن نتائج الفرز لم تنته وأن هناك طعونا ستقدم علي حالات تزوير تم إثباتها وأن إعلان النتيجة بهذه الطريقة عمل استباقي يراد به اتهام مسبق بالتزوير فيما لو ثبت للجنة يقينا وقوع تزوير في الحالات المطعون عليها.. وأشارت الحملة في نهاية بيانها أن التجميع الصحيح للأصوات في ال13 ألف لجنة يؤكد فوز الفريق شفيق...
3 تصريحات كل معسكر أقامت الدنيا ولم تقعدها في محافظات مصر!. حملة اتهامات متبادلة رهيبة بين المصريين في محافظات مصر المختلفة علي الفيس بوك...
الانتخابات التي هي أهم عملية ديمقراطية تحولت بين يوم وليلة إلي أكبر وأخطر عملية هدم وانشقاق وتخوين بين المصريين...
4 من الذي أشعل فتيل الكراهية والاتهامات بين المصريين علي الفيس بوك؟. وارد أن يكون من بدأ مصريا ووارد أن يكون غير مصري يريدها نارا لا تنطفئ وخرابا لا يتوقف...
هل أجرينا الانتخابات لنرضي بنتائجها مثل خلق الله أم لنجعل منها النار التي تحرق مصر لا قدر الله؟. نحن في قلب الفتنة ولا نعرف ولا ندرك ما نحن فيه وما نحن مقبلون عليه...
الثورة رفعت شعار حرية وكرامة وعدالة اجتماعية.. واليوم بلغة الرياضة أضيف لها روح رياضية...
أقول لأهالينا في محافظات مصر.. أتريدون مصر الآمنة بأمر ربها أن تدخل حربا أهلية بسبب انتخابات...
عين وأصابت المصريين بمقتل...
في مباراة كرة قدم يقام مثلها يوميا في العالم آلاف المباريات.. لكنننا وحدنا عن سائر خلق الله.. لا نعرف أنه من بين أهداف هذه المنافسات الترويح عن النفس.. رحنا للترويح وخرجنا بالترويع.. لم نعرف كيف نتفرج وكيف نتنافس وكيف نفرح وكيف نحزن؟. عبرنا عن فرحنا بقتل74 مصريا في واقعة هي الأولي وأظن أنه لن تكون لها ثانية في العالم!.
في انتخابات مثلها تجري آلاف الانتخابات.. خرجنا منها بحرب كراهية ترسخ الغل والحقد بين المصريين في محافظات مصر...
رحمتك يارب...
قلت من قبل أنا خائف.. خائف علي مصر وبعد ثلاثة أسابيع أقول اليوم الثلاثاء أنا لست خائفا فقط إنما مرعوب لأنني لا أعرف ولا أحد يعرف نتائج التصعيد الهائل للأمور والسباق الرهيب للصدام.. كل شيء وارد وأي شيء جائز عندما نرفض الاحتكام للقانون ونرمي أنفسنا في أحضان الأهواء والأغراض...
لا أعرف ماذا سيحدث بعد ساعة أو ساعات هذا اليوم أو في الغد الأربعاء أو يوم الخميس أو اليوم الجمعة...
لا أعرف وكل ما أعرفه أن المعجزات لا يملكها الآن إلا الله وهو القادر علي انتشالنا مما نحن فيه بمعجزة من عنده برضاه لا استجابة لدعاء.. لأننا لا نستحق إجابة علي دعاء...
كيف ننتظر أن يستجيب الله إلي دعاء لنا ونحن من حولنا مصر البلد الآمن بإذن الله وأمر من الله إلي بركان كراهية وحقد وغل وانتقام؟.
هذه رسالة من بورسعيد أدعو حضراتكم إلي قراءتها...
السيد الأستاذ إبراهيم حجازي
تحية طيبة ملؤها الإعزاز والتقدير لشخصكم ودوركم البناء في طرح قضايا الوطن المصيرية وخاصة في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها الوطن من فراغ سياسي واصطراع علي منصب الرئيس ولم يعد أحد يرضي عن أحد حتي أصبحنا جميعا في حيص بيص, وليس من شك أن تلك الأحوال والظروف أصبحت تسيطر علي اهتماماتنا وتفكيرنا بل هي شغلنا الشاغل ليل نهار, ولا تتركنا حتي في منامنا وأحلامنا.. فذات ليلة, وبعد عناء متابعة الأخبار المثيرة والحوارات الجدلية سواء في الإذاعة أو التليفزيون, استسلمت مرغما لنوم عميق مشحون بالهواجس والظنون وشتي الأفكار فيمن يبحر بسفينة الوطن إلي بر الأمان والاستقرار.. وإذ أنا في بحر من الرؤي وأضغاث الأحلام أجد شخصا ملثما ماثلا أمامي وتبدو عليه الهيبة والوقار وهي يربت علي كتفي قائلا في صوت حنون: أنا الملك.. فانتابتني رعشة هائلة ودهشت لهذه المفاجأة التي جاءتني في المنام, فقلت له: أي ملك أنت يا سيدي؟ ولماذا تواري وجهك هكذا؟ فرد علي مبتسما: لا تندهش يا أخي, سوف تعرف كل شيء الآن...
دعنا نجلس, أولا, بأحد المقاهي نتبادل أطراف الحديث مثلما كان يفعل الراحل إحسان عبدالقدوس في السبعينيات علي مقهي في الشارع السياسي, ثم دار بيننا الحوار التالي في المنام طبعا بينما المقهي يغص بالرواد ومعظمهم علي شاكلة حرافيش نجيب محفوظ..
س: قل لي يا جلالة الملك: من أنت ومن أين جئت, وماذا تريد بالضبط؟
ج: سوف تعرفني, يا أخي, فيما بعد, وإنني جئت إليكم برسالة من أخوالي وأصدقائي الملوك والأمراء العرب في مهمة لتقديم يد العون والمساعدة لبلدكم الغالي مصر الشقيقة الكبري لنا, فأنتم في ورطة ما بعدها ورطة وفي حيرة من أمركم وانقسامكم شيعا وأحزابا, فما رأيك في أن أكون ملكا عليكم مثلما كنتم من قبل؟
س: ولكننا يا جلالة الملك دولة جمهورية وقد ولي عهد الملكية وما شابه من فساد كما تعلم..
ج: دعني, أولا, أذكرك بما صرحتم به أنتم ونشر في صحيفتكم المفضلة الأهرام أنكم عرفتم اليوم قيمة الملك فاروق بالنظر إلي ما يحدث الآن, ثم ما هو عيب الملكية؟ ألست تري كيف ترفل الدول الملكية في رغد من العيش؟ ثم إن معني الملكية يعبر عن الفخامة والأبهة, هل سمعت مثلا أن الأسد يطلق عليه رئيس الغابة؟ إنه بالطبع ملك الغابة ولا يرضي عن لقبه هذا بديلا, وقس علي ذلك الكثير, فهناك حتي في عالم الحشرات, أيضا ملوك.. مثل ملكة النحل وملكة النمل وغير ذلك كثير, وحتي في الغرب تجد دولا ملكية ديمقراطية مثل السويد وإسبانيا وبريطانيا.. إلخ وكلها تنعم بالحرية والرفاهية إلي أقصي درجة, ثم لماذا نذهب بعيدا.. ألم يكن من أنبيائنا ملوك مثل داود وسليمان عليهما السلام؟ ألم يكن الصحابي الجليل معاوية وهو من كتاب الوحي, كان هو أول من أرسي وأسس دعائم الملكية العربية؟
س: يبدو كلامك مقنعا يا صاحب الجلالة, ولكن ما هي مهمتك لإنقاذنا علي وجه التحديد؟
ج: لعلك سمعت يا أخي في بعض الآراء في الخليج العربي سبق أن أفصحت عن رغبتها في ضم مصر إلي مجلس التعاون الخليجي وهي ست دول ليصبح بلدكم العضو السابع به تيمنا بالرقم7 ذي الأسرار العجيبة! وإنه إن تم ذلك فقد انفتحت لكم طاقة القدر وسوف تري سماءكم لا تمطر ذهبا وفضة وحسب بل ستمطر أيضا دنانير ودراهم وريالات, وربما كذلك ورقا أخضر لا حصر له! نقطة نظام.. تقصد دولارات يا سيدي كما يصفون؟
ج: نعم نعم, وسوف تفتح لكم أبواب العمل علي مصاريعها لتشغيل ملايين العاطلين من شبابكم رواد الثورة بلا كفيل ولا ترحيل وسوف نساعدكم في الكشف عن مزيد من آبار النفط لديكم حتي تنضموا لعضوية الأوبك مثلنا وسوف نقدم لكم التمويل اللازم كما سنجعلكم تصرفون النظر عن قرض صندوق النقد وتبعاته المجحفة وندعمكم بشدة لتتمكنوا من تشغيل مصانعكم التي تعثرت بسبب أحداث الثورة, كما سندعم معظم مؤسساتكم: مدارس, جامعات, مستشفيات حتي تؤدي دورها علي أكمل وجه..
س: زدني يا جلالة الملك, إن الحديث معك ممتع وشيق, ألا تري جميع الحاضرين مشدوهين بحديثكم العذب؟
ج: شكرا علي مجاملتك الرقيقة, وقد نسيت أن أقول لك إن السياحة عندكم مضروبة بسبب الاحتجاجات والاعتصامات وهي مصدر رزق لملايين الأسر, وإني أعدك بأن أجعل معظم الأسر العربية تيمم وجهتها شطر بلدكم وسوف تري اكتظاظ الفنادق ورواج الأسواق وانتعاش اقتصادكم, وسوف ينعكس كل هذا علي الجميع حيث ستعتدل الموازنة العامة ويتلاشي عجزها المزمن وسيعود الاحتياطي النقدي إلي سابق عهده وربما أكثر وسيكون لكم فوائض هائلة لدي البنوك العالمية بجميع العملات الصعبة, وتنتعش البورصة بدرجة غير مسبوقة..
س: هل هناك مزيد يا سيدي؟
ج: نعم يا أخي ففي خطتنا تمويل مشروع الجسر الذي يربطنا بكم وسوف يسهم في سهولة انتقال مواطنيكم وبالبطاقة فقط وتتمتعون بزيارة أقاربكم وذويكم وزيارة بيت الله الحرام الذي تهفو إليه أفئدتكم, علي أن أهم من ذلك كله أنكم لن تعانوا من مشكلة نقص إيراد نهر النيل العظيم حيث ستزداد حصتكم كما تطلبون! نقطة نظام( وقد علت وجهي الدهشة البالغة) وما علاقة مياه النيل بموضوعنا هذا يا سيدي؟ ج: هل نسيت يا أخي أن الدول الأفريقية سبق أن خلعت علي الأخ الراحل معمر القذافي لقب ملك ملوك أفريقيا؟ أما وأن هذا المنصب أصبح شاغرا الآن فنحن أولي به وهذا لمصلحتكم أيضا إذ أن لنا استثمارات هائلة في معظم هذه الدول وهي لن ترفض لنا طلبا وسوف نجعلهم يعيدون النظر في اتفاقية عنتيبي المجحفة بكم وسيعود نهركم العظيم ليتدفق كما كان من قبل ولن تعانوا من شح المياه بعد ذلك, وبالمناسبة: سوف يعود أيضا علمكم السابق ذي اللون الأخضر وهلاله ونجومه البيضاء كما كان في سابق عهدكم الملكي..
س: ولكن يا جلالة الملك إذا تحقق ما تقوله فعلا.. فماذا يكون رد الفعل في المحيط العربي؟
ج: هذا سؤال في محله, فأنت تعلم أن بلدكم محط أنظار الجميع باعتبارها القدوة والشقيقة الكبري, فأنا أراهن أن معظم دول الربيع العربي كما تطلقون عليها سوف تحذو حذوكم وينضم جميعها للزمرة الملكية..
س: الحق يا سيدي أنني متخوف من عدم تحقيق هذه الوعود البراقة..
ج: إذا كنت متخوفا, كما تقول, يمكنك أن تمنحني فترة اختبار كما تفعلون مع موظفيكم في بداية عهدهم الوظيفي وإذا لم تتحقق تلك الوعود فأنتم في حل من هذه الملكية ويمكنكم العودة إلي النظام الجمهوري دون أدني مسئولية علينا.
س: إذن وفي نهاية حديثنا.. أخبرني من أنت ومن أين جئت ولماذا تخفي وجهك عنا؟ ألا تري تلك الجموع الغفيرة وقد تحلقت حولنا وقد أصاخت لك السمع باهتمام بالغ؟
ج: ألم تقرأ يا أخي مسرحية الملك لير لشكسبير, ذلك الملك الأسطوري, فأنا مثله تماما, وأنا الملك العادل جئت لأرسي لكم دعائم العدل والحرية وأنشر الأمن والرخاء في ربوع بلدكم العظيم التي باركها الله تعالي, وعملا بوصية نبينا محمد صلي الله عليه وسلم, وفي تلك اللحظة الفارقة.. هب الجميع يهتفون: ملكية ملكية, بدلا من هتافهم سلمية سلمية, لكن في خضم هذا الموقف المهيب اختفي جلالته عن الأنظار, فقد بدأت تباشير الصباح وانطلق أذان الفجر, فإذا بي أستيقظ من هذا الحلم العجيب مرددا: وهنا أدرك فكريار الصباح فتوقف الحلم المباح, ثم أخذت أتمتم: اللهم اجعله خيرا, فنحن دولة جمهورية, ثم أخذت أردد: اللهم هيئ لنا من يبحر بسفينة الوطن إلي بر الأمان بدلا من السياحة في مثل هذه المنامات العجيبة!
محمد فكري عبدالجليل
بورسعيد
انتهت الرسالة.. والحمد لله أنها حلم في منام وليست واقعا في مكان.. وإلا خرجت كل يوم مليونية في كل محافظات الجمهورية ترفض وتشجب الملكية...
وللحديث بقية مادام في العمر بقية
المزيد من مقالات ابراهيم حجازى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.