كلنا يدعى محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وكلنا يعلن له الفداء.. "فداك أبى وأمى يا رسول الله"، "إلا رسول الله"، "هل صليت على النبى اليوم"، " شارك معنا فى مليونية للصلاة على رسول الله"!!..وغيرها من الشعارات التى تمتلئ بها الجدران والساحات ومواقع التواصل الاجتماعي, الأمر الذى يثير تساؤلا ونحن نتنسم ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم. هل نحن حقا نحب رسول الله .. ما أمارة هذا الحب؟ وما هى آثاره على واقع الأمة؟ وهل يمكن الاكتفاء بالأقوال والشعارات دونما الاهتمام بالأفعال؟ وهل ممارساتنا وأحوالنا اليوم تعكس حبا حقيقيا صادقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فى البداية يوضح الشيخ محمود عاشور عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن حب رسول الله لا يقتصر على الأقوال والمظاهر والشعارات، وإن كان ذلك مطلوبا ايضا، ولكننا نحتاج بالإضافة إلى ذلك، إلى تصديق ذلك بالعمل بأن نسير على هديه، فى كل شيء،أما إذا خالفنا هديه وهجرنا سنته، فليراجع كل منا إيمانه وعلاقته بربه، وحبه لرسوله صلى الله عليه وسلم، فليس محبا للنبى من يكذب، وليس محبا للنبى من يؤذى جاره، وليس محبا للنبى من يهجر الصلاة، مهما ادعى ذلك أو رفع من شعارات!! شرط لكمال الإيمان وأكد عاشور أن حب الرسول صلى الله عليه وسلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وليس لنا خيار فى أن نحبه أو لا نحبه إذا كنا مؤمنين حقا، ولم لا، وهو صلى الله عليه وسلم هو الذى أخرجنا من الظلمات إلى النور، وأخذ بأيدينا إلى الله تعالي، فالله تعالى يقول “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم” فهو رحمة هذه الأمة ليأخذ بأيديها للنصر والفلاح، والهداية والإيمان، فمن اتبعه أفلح ونجا، وهدى إلى صراط مستقيم ، ومن حاد عن منهجه ضل وخاب، وخسر فى الدنيا والآخرة، وقد أمرنا الله عز وجل أن نتبع النبى ونقتدى به، وحذرنا من مخالفته، قال تعالى “ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين..“ فالمولى عز وجل بعد أن عدد إلينا المحبوبات فى الدنيا من متاع ونعيم مقيم، بين أن هذا كله إذا كان أحب إلينا من الله ورسوله فلننتظر الذل والخزى وغضب الله عز وجل وما أشدها من عقوبة. وأشار عاشور إلى أن حب رسول الله مقدم على حبنا لأنفسنا وأموالنا وأهلينا، وأنه لا إيمان بدون محبته، قال صلى الله عليه وسلم”لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”، وهذا ما أكده النبى للفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه، حين قال له عمر: يا رسول الله، لأنتَ أحبُّ إلى من كل شيء إلا نفسي! فقال النبى صلى الله عليه وسلم “لا, والذى نفسى بيده، حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك”. فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسي, فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: “الآن يا عمر”. والنبى صلى الله عليه وسلم علمنا هذا الحب فقال:”أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبونى بحب الله، وأحبوا أهل بيتى بحبي”. فحب النبى صلى الله عليه وسلم شرط لكمال الإيمان، وهو السبيل لأن يتذوق المسلم حلاوة الإيمان، ففى الحديث “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله. وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار” . الاتباع والانقياد ويقول الدكتور محمود مهنا، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن الأصل فى الحب هو الاتباع والانقياد، وحقيقة الحب أن نتبع الله ورسوله فى كل ما جاء به من تشريعات، وأن نحب رسول الله حبا عمليا مشفوعا بالعمل، قال تعالى “ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ “ فالاقتداء برسول الله واتباع سنته فضلا عن أنه دليل محبة للرسول فإنه يعكس أيضا مدى الصدق مع الله ومحبة العبد لله عز وجل، والتى تكون سببا فى محبة الله تعالى للعبد، وهذا هو الأهم، يقول ابن كثير رحمه الله (ليس الشأن أن تُحِب، إنما الشأن أن تُحَب) فهناك فرق بين الحبين، فحبى لله أن أترجم كل ما أمر به ونهى عنه إلى سلوك وعمل، أما حب الله للعبد فهو أمل كل مسلم. وأضاف: إن حقيقة إعلان الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتبعه فى كل شيء، فالنبى صلى الله عليه وسلم جاءنا بالصدق فلنكن صادقين، جاءنا بالأمانة فلنكن أمناء، دعانا للإخلاص فلنكن مخلصين، دعانا للحب والإخاء فلنكن متحابين متآخين فى الله، إن رسول الله يدعو للتراحم والتسامح والعفو، أين نحن من كل هذا، أين نحن من الأخوة، حسن الجوار، الإيثار، بر الوالدين، صلة الرحم؟ ليس هذا فحسب الذى دعانا إليه حبيبنا صلى الله عليه وسلم، بل رسم لنا منهجا شاملا فى شتى مجالات الحياة، السياسة، الاقتصاد، العسكرية...وغيرها، فلنكن كما أمرنا ودعانا، حينئذ نكون أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينئذ نستطيع أن نعلنها مدوية للكافة: نعم ، نحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فحينما يأمرنا النبى بالصدق ونكذب ويصدق غيرنا، ونخون ويؤتمن غيرنا، ونهمل أعمالنا وتيقن غيرنا، حينما نرى تعاليم الإسلام تطبق فى الغرب غير المسلم، ونحن المسلمين بعيدون عن تعاليم نبينا هل نستطيع أن نعلن حبنا للنبي.. وهل تنفعنا هذه الشعارات الجوفاء والحب القولي! وإذا كنا حقا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلينا الاقتداء به فى سلوكه، قوله ، فعله، غضبه، مرحه، هيئته، صمته، حكمته. ولنربى أبناءنا على ذلك ونعلمهم منذ الصغر فضل رسول الله على الإنسانية، حتى إذا ما بلغوا سن التكليف كانوا خير دعاة لدينهم وسنة نبيهم، فمن المؤسف أن يعلم شبابنا كل شيء عن الحياة الشخصية لنجوم الرياضة والمطربين والممثلين، وإذا سألته عن اسم رسول الله رباعيا أو عدد زوجاته أو غزواته، أو سنة هجرته تلعثم، وعجز عن الإجابة، دون أن يأسف على ذلك. ويشير د. مهنا إلى أن الحب الصادق لابد له من ثمرة ودليل، وثمرة الحب للنبي: أن يتحقق الرضا بين المسلمين، ويسود المسلمون كما ساد الأوائل الذين نشروا الإسلام فى ربوع الدنيا بأخلاقهم وسلوكهم، وأن يسود الحب والود والإخاء والتلاحم بين المسلمين، وأن يقبل غير المسلمين على الإسلام ورسوله لما جاء به من تعاليم وقيم يهنأ بها المسلم وغير المسلم.