أثار حكم المحكمة الدستورية العليا كثيرا من التساؤلات عن العوار والأخطاء في نظام الانتخابات المصرية بالقائمة النسبية والفردية, والتي نتج عنها عدم دستورية مجلس الشعب وحله, واتجهت أصوات إلي ضرورة العودة للنظام الفردي لأنه الأضمن, ولا يمكن الطعن عليه, ويضمن الاستقرار في الحياة السياسية علاوة علي أنه الأنسب للمجتمع المصري في ظل غياب حقيقي للأحزاب المصرية الضعيفة. الدكتور محمد كمال القاضي أستاذ الإعلام والدعاية السياسية بجامعة حلوان, والحاصل علي دكتوراة في نظم الانتخابات, أكد أن النظام الفردي للانتخاب بمصر هو الأفضل, فالمشكلة لا تكون بتقليد النظم الغربية بنظام القائمة دون فهم لأوضاعها, وأن هناك نحو(81) نظاما للانتخاب علي مستوي العالم, وكل دولة أو منطقة تفضل ما يتناسب مع شعوبها, وليس هناك فكرة الأسوأ والأفضل, ولكن الأساس هو النظام الأمثل للمجتمع والبيئة, فالنظام الفردي أنسب للبيئة المصرية, ذلك لأن الناخب يعتمد علي الجوانب الشخصية للمرشح, فالاختيار غالبا يكون ليس للبرنامج الحزبي للمرشح أو لانتمائه الحزبي مهما كان هذا الحزب, ولكن الاختيار يكون لاعتبارات شخصية بحتة, وهي التي تحدد الناجح والفائز في الانتخابات, ويكفي أن هناك قاعدة لا تصلح للظروف الحالية, وهي نسبة05% للفلاحين والعمال بالبرلمان, وهي تصطدم بأي نظام آخر غير الفردي مما يحتم ضرورة الاعتماد في هذه المرحلة علي النظام المعتاد لدينا من قبل. وأضاف أستاذ الإعلام أننا يجب أن نتعلم مما حدث, فليس لدينا وقت للتجارب, ذلك لأن القوائم النسبية التي عملنا بها أخيرا لا تتناسب إلا مع النظام الحزبي القوي, ومصر تفتقد هذا النظام برغم أن بها نحو56 حزبا معظمها مجهولة الاسم والهوية, ولا يعرف أي منها رجل الشارع فإذا اضفنا إلي ذلك أن الاحزاب القديمة مثل الوفد وغيره ليس لهم تأثير أو قاعدة في الشارع المصري لذلك فشلت التجربة حتي إن الكثيرين منهم اختاروا قوائم فوجئوا أن بها أناسا لا يعرفون عنهم أي شيء, وليسوا من المنطقة, ولا يعرفون امكاناتهم الشخصية أو قدرتهم علي الخدمة للمنطقة, فكانت هناك هوة كبيرة بين المرشح والمواطن الناخب, وحدثت الصدمة, وهي التي ظهرت في صورة ارتياح لدي الشارع المصري من حل مجلس الشعب, فالمواطن لا يعرف المرشح ولا مكانه, ولا يعرف عنه أي شيء, كما لو أنه أتي من مكان آخر غير الدائرة, فاللعبة السياسية التي حدثت اعتمدت علي استخدام الإخوان لشعار الدين خاصة في المناطق الفقيرة والعشوائية بما فيها من نسبة جهل عالية لا تنظر لنوع وثقافة المرشح, ولم تكن هناك فئة أخري منظمة أو أحزاب يعول عليها المواطن غيرهم, وهو سر نجاح شريحة الاخوان بالمجلس, والنتيجة أن هذه الشريحة احتلت مقاعد الحزب الوطني المنحل بالبرلمان مع بقية التيار الاسلامي, وهذا يفسر كيف حصل الاخوان علي01 ملايين صوت غير أن ذلك لم يكن تمثيلا حقيقيا للشعب المصري, فالاخوان والسلفيون لا يمثلون57% من الشعب أبدا وبأي حال. وأشار د. القاضي إلي أن المحكمة الدستورية العليا استندت في قرار حل البرلمان إلي أن نظام القائمة, وما شمله من أحزاب لا تمثل أكثر من3 ملايين مواطن في مواجهة المستقلين محدودي العدد بالمجلس, وهم يمثلون أكثر من05 مليون مواطن فهذه المعادلة ظالمة مع هذا الشعب, حيث لا توجد أحزاب حقيقية, ولا الناس يعرفون مرشحيها, وهو مفروضون عليهم ببرامج مجهولة لدي الجميع تقريبا, وعلينا ألا نقارن أنفسنا بالدول المتقدمة, فالنظام الفردي معمول به في بعض بلاد الشرق الأقصي والادني مثل الهند واغلب الدول العربية, وكل دول إفريقيا, بينما نظام القوائم معمول به في الدول الحزبية مثل أمريكا وإنجلترا وفرنسا, فالناس لديهم يختارون السياسات والاهداف القومية, ولكنهم لدينا يعتمدون في الاختيار علي الشخصيات والأسماء المعروفة أو العائلات والعصبيات والقبائلية لذلك فإن الإعلان الدستوري بتخصيصه ثلثي الأعضاء بنظام القائمة والثلث الفردي شابه خطأ كبير لأنه أدخل الأحزاب في الثلث أيضا, مع أن المجلس كله يمثل3% من الشعب المصري من حيث الواقع الحقيقي, وهو سر ارتياح الناس بحكم المحكمة الدستورية العليا, فإذا لم ينتبه المسئولون إلي هذا الخطأ فإنهم يتجاهلون إرادة شعب, ويجب عليهم أن يتعلموا من حكم الدستورية في عام 1987 بحل المجلس عندما طبقنا نظام القائمة النسبية, وهو المجلس المنتخب في عام 1985 برغم أن كثيرا من فقهاء القانون أكدوا أنه باطل لاخلاله بقواعد القانون, ومع ذلك لم نتعلم...!. قانون غير عادل وأشار أستاذ الاعلان والدعاية السياسية إلي أن قانون الانتخابات الحالي غير عادل ويتعارض مع المساواة السياسية, فالخلط بين القوائم النسبية والفردي تم عن جهالة أو سوء نية.. لا تعرف فاللجنة التشريعية التي شكلها المجلس العسكري في المزج بين النسبي والفردي يثير الدهشة والحزن أيضا, وهو نظام غير موجود عالميا وغريب جدا في الوقت نفسه, وهنا يجب أن نبادر بتشكيل لجنة قانونية سليمة لاختيار النظام المناسب للبيئة المصرية, وتعديل القانون الحالي علي هذا الأساس تمهيدا لإجراء انتخابات برلمانية جديدة مع نظام يتلاءم مع البيئة السياسية المصرية, وهو النظام الفردي, بحيث يكون هذا النظام قانونيا ودستوريا وآمنا لا تترتب عليه طعون, وهذا الشيء ينطبق علي مجلس الشوري الذي لابد أن يحل لأن العوار واحد. التمثيل النسبي ويري الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية أن التمثيل النسبي بالقائمة يعتبر أفضل في حالة وجود حياة حزبية مستقرة مع اختفاء ظاهرة المستقلين أي أن تكون الأحزاب قوية مؤثرة في المجتمع بما يجعلنا نستغني عن النظام الفردي, وهذا غير موجود للأسف, فالمصريون لا يميلون للحزبية كثيرا, ومعظمهم لا يشاركون في أي عمل حزبي. لذلك فإن الحل هو العودة مؤقتا للنظام الفردي حتي نعطي الفرصة للاحزاب لتأصيل جذورها بين المواطنين بفكرها وأهدافها, وليس بالاعتماد علي العلاقات الخاصة أو الأسرية والعائلية, وفي الوقت نفسه من حق المستقلين أن يشكلوا قوائم خاصة بهم إذا استمر نظام القوائم, وفي هذه الحالة يجب أن تكون القوائم 50 % من التمثيل البرلماني, وتعطي 50 % للفردي بلا اشتراك للاحزاب, ويجب في الوقت نفسه أن ندرك أن القوائم تحتاج ثقافة سياسية قد تكون معدومة لدي شرائح من المجتمع لأن القوائم تعتمد علي البرامج, وليس علي الأشخاص. وقال: إن النتائج والاحداث الحالية من حل لمجلس الشعب لا يجب أن تزعجنا لأننا في مرحلة الديمقراطية الحقيقية, والشعب حاليا يتعلم أصول السياسة, وفهم دور البرلمان, ويكتسب خبرة حقيقية من كل هذه الاحداث, فعلينا ألا نقلق من الأخطاء لأننا حديثو عهد بالديمقراطية والحياة السياسية في مصر لأول مرة. تركيبة المجتمع وتري الدكتورة عزة الخضري أستاذ الصحة النفسية أن تركيبة وظروف المجتمع المصري ومشكلاته تؤكد ضرورة الرجوع إلي النظام الفردي, فالمواطن لم يمارس حياة ديمقراطية من قبل, فالقائمة ربما تفرض علي الناخب اختيار أشخاص لا يقتنع بهم, ونتيجة لظروف الضغط العصبي والنفسي التي يمر بها الوطن أصبح المواطن لايتحمل أن يمثله من لا يعرفه, فهو يريد عضوا يرتبط به, ويتصل بمشكلاته, وليس مجرد صاحب كلمة بالبرلمان, لذلك فإن الحياة الحزبية لم تنجح في مصر, وحتي في حالة وجود الحزب الوطني المنحل لم يكن هناك إيمان كامل به إلا لأصحاب المصالح فقط, إضافة إلي تهميش الأحزاب الأخري. وأضافت أستاذ الصحة النفسية أن آمال الثوار مثلا كانت تتجه لبرلمان ثورة حقيقية تتناسب والاحداث إلا أن صدمتهم والشعب معهم في أن البرلمان في معظمه جاء من تيارات بعيدة عنهم نتيجة نظام القائمة, فأغلقت الفرص أمامهم تجاه نظام يحتاج إلي المال والتكتل والانتشار, ولعل هذا ما ظلم الثورة. وأشارت إلي أن النظام الفردي له عيوب أيضا, ولكنه ليس بهذه الدرجة لأنه يتيح الفرصة أيضا لأصحاب المال والنفوذ, ومن يدفعون بالخدمات والاعانات, فالمواطن الفقير المعدم يهمه أن يتلقي أي أموال لضمان طعام أولاده ليوم واحد, وهذا أقصي طموحاته, ولا يهمه من ينجح ويستغل أصحاب المال ذلك, ولكن الديمقراطية, وتحسن الأحوال لابد أن يصحح هذه الأوضاع, ويستيقظ الشعب مع الديمقراطية الحقيقية, لأنه لا أحد يستطيع أن يقدم عصا سحرية تحل كل المشكلات دفعة واحدة مهما كان الشعار الذي يرفعه.