بطلان أمريكيان خرجا للوجود من خلال تفاصيل وحكايات المعركة الانتخابية الأمريكية الأخيرة. البطل الأول كانت النخبة الأمريكية التى قد حرصت من اللحظة الأولى على أن تعلن عن موقف محدد ضد دونالد ترامب. وقَّع كُتَّاب أمريكا الكبار المعاصرون على بيان فى بداية الحملة. كان ضد ترامب على طول الخط وحذروا من انتخابه. ووصفوه بالرجل القادم من المجهول. أو الذى بدأ رحلة البيت الأبيض من العدم. وتوجهوا للناخب الأمريكى برجاء ألا يعطيه صوته. وقبل الانتخابات بيوم قال الكاتب الأمريكى المعروف توماس فريدمان: - ترامب مغترب عن كل ما هو عظيم فى أمريكا. وكان فريدمان يستخدم نفس التعبير الذى استخدمه ترامب ضد المهاجرين والمعوقين والمسلمين والمكسيكيين بالنسبة لموقفهم من أمريكا. البطل الثانى رجل الشارع. الذى حسم اللحظات الأخيرة فى المعركة لصالح ترامب ضد هيلارى كلينتون. سأنحى جانباً مشاعرى الشخصية. فليس لى صوت. ولا أحب أن أكون أمريكياً. ولا أحب سوى أن أكون مصرياً. لكن رجل الشارع أو ما أطلق عليه المحللون السياسيون والأكاديميون والمعلقون: شعبوية حملة ترامب، حسمت المعركة لصالحه ضد هيلارى كلينتون. وعن نفسى كإنسان راهن على الجماهير منذ لحظاته الأولى وحتى آخر لحظات عمره. أسعدنى كثيراً أن يحسم رجل الشارع أو المواطن العادى المعركة الانتخابية فى اللحظات الأخيرة. ولم أحزن كثيراً لعدم قدرة النخبة الأمريكية المعاصرة على قراءة تفاصيل الواقع، وبالتالى عجزها عن قيادة الرأى العام فى المعركة الانتخابية رغم أن النخبة تكون مؤهلة لأن تقول الكلمة الأساسية فى معارك الرأى العام. سألت نفسي: هل سيطل علينا من جديد زمن الجماهير؟ هل سيتسلم الإنسان العادى قيادة الرأى العام من النخبة ومن صناع الإعلام؟ ومن الذين يصدعوننا كل يوم وكل ليلة بأنهم هم الذين يتولون صياغة الرأى العام وقيادته وتوجيهه حسبما يرغبون وبالطريقة التى يريدونها. قد يرد عليَّ متابع بأن ترامب كان فى حملته الانتخابية شديد العداء للمسلمين. وأعدادهم ليست يسيرة فى أمريكا. وأنه هدد المهاجرين. بل قال إنه سيبنى سوراً سيفصل بلاده عن المكسيك. وكان كلامه عن الفقراء أقل من القليل. فضلاً عن أنه رجل آتٍ من دنيا رجال الأعمال وأصحاب المليارات. فى بيان أدباء أمريكا كلام عن إدارته لصالات قمار. وصفوه بالمقامر، وثمة كلام عن أمواله الطائلة التى لا يعرف عددها. ولا من أين أتت؟ ولا يستطيع أن يدافع عن مصادرها. فكيف حصد أصوات رجل الشارع بسهولة ويسر وبتلك المفاجأة التى لم يتوقعها أحد. علاقتى بالواقع الأمريكى نشأت واستمرت وتواصلت عبر النصوص الأدبية، بالتحديد الروائية منها المكتوبة عن أمريكا. تقدم صورة دقيقة للحياة اليومية. وأيضاً ما أسمعه من المصريين والعرب الذين عاشوا لفترات فى أمريكا. ولا يمكن أن أنسى مذكرات العرب الذين هاجروا إلى أمريكا أو عاشوا فيها لفترات طويلة. لا أنسى كتاب الدكتور زكى نجيب محمود، القديم: أيام فى أمريكا. ولا كتاب محمود السعدني، الساخر: أمريكا يا ويكا. ولا كتاب كامل زهيري: ممنوع الهمس. وأيضاً كتاب عادل حمودة الشهير: أمريكا الجنة والنار. أيضاً الأفلام السينمائية التى حاولت الكلام عن الحلم الأمريكي. والهجرة إلى أمريكا وعذاباتها ومشاكلها. لا يكفى أن ترفض التجربة الأمريكية. ولا أن تقول إنها أمة بلا حضارة. وأن كل ما قدمته للدنيا تجربة حياة فيها الكثير من الإيجابيات والقليل من السلبيات. خصوصاً أن ما من شاب أقابله فى مصر الآن – وقبل ذلك – إلا ويعتبر أن الهجرة لأمريكا غاية المراد من رب العباد. ويقضى حياته بطريقة تمكنه من هذه الهجرة فى لحظة من لحظات العمر. لم أعد أنزل لمنطقة وسط القاهرة مبكراً، بسبب تقدم العمر. ولكن عندما كنت أمارس هذه الهواية الجميلة. كنت أشاهد الطوابير أمام السفارة الأمريكية فى حى جاردن سيتى قبل أن يصبح الحى مغلقاً بالضبة والمفتاح كما هو الآن. كنت أشاهد الطوابير التى تقف منذ لحظات الفجر الأولي، حتى تأخذ دورها فى طلبات الحصول على تأشيرات لزيارة الولاياتالمتحدةالأمريكية. كل هذا وارد. وأكثر منه فى الواقع، بغض النظر عن الصورة السلبية لأمريكا فى مجمل الكتابات العربية. بل والعالمية أيضاً. وما زلت أذكر العبارة التى كتبها صلاح عبد الصبور فى أحد كتبه النثرية محاولاً أن يلخص التجربة الأمريكية بأنها تقوم على أن يبدو كل شئ أكبر من حجمه الطبيعى آلاف المرات. لكن السؤال الآن الذى كنت أحب أن أبدأ به: هل يمكن أن يعد انتخاب دونالد ترامب صفحة جديدة فى العلاقات المصرية الأمريكية؟ وإن أجبنا على هذا السؤال بنعم. مع أن الواقع ما زال مبكراً جداً قبل أن نصل إلى نعم هذه. فأعتقد أن هوامش الصفحة ربما كانت أهم من المتن. وأن ما يمكن أن ندونه على الهوامش لا بد أن يسبق المكتوب فى الصفحة نفسها. فالرئيس الأمريكى ليس مطلق اليدين. والمؤسسات ربما كانت أقوى منه. ومن صفاته الشخصية أنه صريح لحد الخشونة والصدام. وأن لغته خشبية صدامية تخلو من اعتبارات الدبلوماسية. من الهوامش التى لا بد أن نهتم بها أكثر من الصفحات، ما قاله ترامب من انتقال السفارة الأمريكية فى إسرائيل إلى القدس. وهو لم يدرك لحظتها مدى خطورة الكلام ولا ردود الفعل الناتجة عنه. أيضاً ما قاله قادة الكيان الصهيونى من أن مجئ ترامب يعنى انتهاء حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية إلى الأبد. لا بد أن يحرك القانون الموجود فى الكونجرس الأمريكى باعتبار الإخوان منظمة إرهابية. وهو القانون الذى أعلن أوباما أنه سيعترض عليه وسيستخدم الفيتو ضده فى حالة صدوره. على أمريكا فرض عين فى ظل قيادة جديدة أن تدعم مصر عسكرياً فى معركتها ضد الإرهاب فى سيناء والحدود مع ليبيا. ولا بد من إدراك أن دعم مصر اقتصادياً يعنى الرهان على استقرار المنطقة. وعلى أمريكا أن تضغط على بعض الحكومات التى تدعم الإرهاب مثل: قطروتركيا. خصوصاً الدور الذى تلعبه تركيا فى أوروبا الآن لصالح الإخوان. وهو دور لا يجب التقليل منه. لمزيد من مقالات يوسف القعيد