تتربص الأقدار للضعفاء وتزيد همومهم بالاوجاع والالم وتصبح الحياة أمامهم مثل ثقب الابرة حتى الأنفاس يلتقطونها بصعوبة ويرتسم البؤس على وجوههم ولا تعرف حناجرهم سوى طعم المرارة وبريق من الاحزان يشع من عيونهم التى اثقلها السهر للبحث عن لقمة عيش تسد الافواه الجائعة أو متر قماش يستر الاجساد العارية. ولكن دائما الرياح تأتى بما لا تشتهى سفن الفقراء وقد تثقل همومهم لتأتى النهاية التى لا نهاية بعدها ويجتمع الفقر والموت والرحيل المفاجئ بسبب الاهمال واللامبالاة والتلاعب بأرواح الابرياء وتكون الطامة الكبرى عندما يخطف الموت الرهيب زوجة شابة لاتملك قوت يومها ويتعلق فى رقبتها اربعة اطفال ذهب عنهم ابوهم ليقضى بقية سنوات عمره خلف القضبان. مأساة حقيقية، كشفتها السيول الأخيرة التى ضربت محافظة أسيوط حيث يوجد أناس يعيشون حياة أشبه بالأموات ويفترشون الارض للنوم فى ايام الصقيع وينحشرون داخل غرفة لا تزيد مساحتها على خمسة امتار ايام الصيف دون نسمة هواء ومع ذلك يرتضون بما قسمه الله لهم. فقد فجرت واقعة مصرع «نهى محمد سيد 28 سنة» صعقا بالكهرباء الواقع المرير الذى تعيشه هذه الأسر.. ففى شقة متواضعة بمساكن الأربعين مكونة من حجرتين وصالة كانت تعيش نهى وأمها وشقيقتاها وشقيقاها ووالدها المريض بالسرطان وعندما طرق بابها أحد شباب المنطقة رحبت الأسرة به ورأت نهى أنها وسيلة لتخفيف الضغط عن أسرتها وتم الزواج لتنتقل الزوجة الشابة لمسكن الزوجية ولكن لم تسر الأمور على مايرام ودب الشجار بين الزوجين وتحاملت الزوجة على نفسها واكلت من ثرى الارض حتى لاتعود لمنزل والدها وتثقل كاهله بأعباء ابنائها الاربعة «داليا 10 سنوات» «ورحاب 6 سنوات» «وجنى ومحمد 3 سنوات» ولكن تفاقمت الأمور وانتهت بالطلاق. وبعدها، دخل الزوج السجن على ذمة إحدى القضايا وهنا لم تجد الزوجة مفرا من العودة من جديد لشقة ابيها وتزوج شقيقها فى الشقة نفسها وفكرت الزوجة الشابة فى البحث من جديد عن أى فرصة عمل تعينها على الإنفاق على نفسها وأطفالها حتى وجدت وظيفة عاملة بأحد المستشفيات الخاصة ومرت الأيام حتى قرر الشقيق الأصغر الزواج ولكن نظرا لضيق ذات اليد وعجزه عن تدبير مسكن آخر قام بتجهيز غرفة داخل شقة ابيه كى يتزوج بها ليعيش وزوجته وإخوته وأمه وأبوه وأخته وأطفالها الأربعة داخل هذه الشقة. ويروى شقيقها محمد يوم الحادث قائلا: مع هطول الأمطار الغزيرة وفى ظل إهمال المسئولين وترك الأسلاك بالشوارع عارية كانت المأساة حيث قام مدير المدرسة بإخراج التلاميذ خوفا من اشتداد الأمطار وفى أثناء عودة «رحاب 6 سنوات» بالصف الأول الابتدائى من مدرستها وانشغال امها فى العمل صدمها تروسيكل فقمنا بنقلها الى المستشفى واتصلت بأختى التى حضرت من عملها فى حالة فزع وانهيار بسبب خشيتها على ابنتها وهرولت خلفنا وكانت المأساة حيث اشتدت مياه الأمطار ومع وجود أسلاك عارية حدث ماس كهربائى انتقل من الأعمدة للأرض المحيطة وعند عبور أختى امسك بها الماس الكهربائى فظلت تستغيث ولكن الجميع خاف من الاقتراب حتى لايناله المصير نفسه، وبدأنا نجهز لها خشبة لدفعها مع الاتصال بمسئولى الكهرباء ولكن الأجل انتهى وظللنا نستغيث بالمسئولين لفصل التيار الكهربائى محاولين رفع جثتها لعدة ساعات لتصبح واقعة مصرعها حديث الشارع الأسيوطي. وتصرخ الأم المكلومة «لقد رحلت ابنتى تاركة وراءها كوم لحم يطاردهم المجهول».