( إن العوام - أوالدهماء أوالغوغاء - إذا اجتمعوا أفسدوا وإذا تفرقوا أصلحوا ) مقولة رائعة للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن جميع أصحاب وزوجات النبي صلي الله عليه وسلم . وهي مقولة لو طبقناها في ميادين كثيرة وظروف وأحوال وفتن عديدة خاصة أيام ما يسمي بالثورات الشعبية لما حدث ما حدث من خراب ودمار ، ولرضينا بالضرر الأقل والمصيبة الأهون دفعا ودرءا للمصائب الأكبر والأعظم . فالعامة ومن ليس لهم خبرة بالسياسة وتقلباتها والأعداء ومؤمراتهم والشعوب وعقلها الجمعي الذي يسهل تغييره وخداعه، لا يجوز بحال من الأحوال أن يقرروا مصائر الشعوب ، في الوقت الذي نُهيل فيه التراب علي العلماء - أقصد علماء الدين - والحكماء وأصحاب الاختصاص من أهل الديانة والأمانة . فهذا الأمر لا يمكن قبوله كما لا يقبل الواحد منا أن يذهب بولده المريض إلي طبيب تحت التجربة، ويترك طبيبا متمرسا شهد له أصحاب الاختصاص .فأصحاب الحرف والعمال وغير المتعلمين هم أهل فضل ومنفعة إذا انشغلوا بأعمالهم التي خُلقوا من أجلها ، أما أن يقفوا في الميادين ويقرروا من يأتي رئيسا أومن يأتي رئيسا للوزراء أويكون لهم الرأي في وضع القوانين وغيره من أمور العامة ، فلا يُمكن وصف ذلك إلا بهذا التعبير الخادع الذي أطلقته كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة وهو( الفوضي الخلاقة ) . واقحام العامة في تقرير مصائر الشعوب وتطاولهم علي القيادات - مهما اختلفنا معها وكرهنا تصرفاتهم هم ومن حولهم -هو بعينه ما دعت إليه بروتوكولات حكماء صهيون في كتابهم الشهير الذي كتب تقدمة وتعليقا عليه الأديب الراحل عباس محمود العقاد . أثارت كل هذه المقدمة في نفسي ما سمعته من أحدهم ممن حمل - بالكلام والرغي - لواء ثورة يناير علي عاتقه ، وهو يقول بعد خمس سنوات إنه كان يُفضل أن نصبر ونحاول التغيير السلمي بدلا من كل هذا الدمار . ويصف تراجعه ذلك بأنه ( حكمة بأثر رجعي ) . وقد نادي العلماء والمشايخ أيامها بالصبر وعدم الهرولة وراء دعاوي تجربة التغيير بغض النظر عن النتائج ، وقالوا إن الشعوب والضعفاء لا يتحملون التجارب ، فاتُهموا - وخاصة ممن اكتشف الحكمة بأثر رجعي - بأنهم عملاء لأمن الدولة وأنهم لا يفهمون في الأمور السياسية ويعيشون في عالم وظروف مضي عليه أكثر من ألف عام . حدث ما حدث وجرت المياه والأنهار بما جرت ولم نتعظ ، وما زالت (الرويبضات) تتكلم في أمور العامة ، وما زال العلماء مجبورون علي الصمت ، فهل تتحمل البلاد خمس سنوات أخري لكي نكتشف الحكمة بأثر رجعي ؟ [email protected] لمزيد من مقالات عبدالفتاح البطة;