كثير من الناس قد لا يعرف ما هو الوقف الخيري، رغم أنه قد يكون أحد المستفيدين من مال أوقفه صاحبه منذ مئات السنين، وكثير من أصحاب الملايين فى أيامنا هذه، قد لا يعرف أن عطف الأغنياء فى الماضى امتد لرعاية الكلاب الضالة والطيور، فكانت هناك الأوقاف التى يصرف من ريعها على رعاية الحيوانات، والأراضى التى يخصص جزء من ريعها لإطعام الطيور، التى لا تستطيع أن تهبط على الأرض، فكانت توضع الحبوب لها فوق المساجد وبجوار القباب، وأكثروا من الصدقات والعطف على الفقراء، وقضاء حوائج الأيتام، والقيام على الأرامل، وتطلعت أنفسهم لعمل يجرى به الثواب بعد الموت امتثالاً لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، وفى عصرنا تراجعت سنة الوقف ولم تعد هناك أوقاف جديدة. علماء الدين يطالبون بإحياء ونشر ثقافة الوقف، وتشجيع الأغنياء على وقف بعض أملاكهم، والمشاركة فى مجالات الخير مثل بناء المستشفيات والمدارس ورعاية الفقراء، كما طالبوا وسائل الإعلام بضرورة التوعية بمخاطر التعدى على الأوقاف، وأن تقوم الدولة بدورها فى سن القوانين وتغليظ عقوبة التعدى على أملاك الوقف، والعمل على رد الأوقاف المنهوبة، لتعود هذه الأملاك كما أوقفها أصحابها. وأوضح العلماء أن الوقف من الممكن أن يلعب دورا كبيرا فى سد حاجات الناس ودعم الدولة من خلال تنفيذ الكثير من المشروعات التى ترتبط بالصحة والتعليم ورعاية الأيتام والمحتاجين. ويقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الله عز وجل يقول «وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، والنبى الكريم صلى الله عليه وسلم يقول فى الحديث الشريف «خير الناس أنفعهم للناس»، موضحا أن الوقف الخيرى يعد من صور الخيرات لدى المسلمين، من عهد النبى الكريم صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، والوقف الخيرى يكون بمنزلة أن يوقف إنسان جزءا من أمواله النقدية أو العينية، على المصالح العامة للناس، أوعلى الفقراء أو على ذوى قرابته أو غير ذلك، وقد تسابق المهاجرون والأنصار على وجه الخصوص، ومن وسّع الله عليهم من الصحابة لعمل الوقف الخيرى . فريضة غائبة ويشير إلى أن هذا دليل على وجوب إحياء فريضة غائبة، وهى الوقف الخيري، لأن الوقف كان العماد فى بناء المساجد والأسبلة والمستشفيات وغيرها، وكان من الآثار الطيبة للوقف، أن عمل أهل العلم فى الوظائف الدينية، كالإمامة والخطابة والتدريس والقضاء فى استقلالية وكرامة وحرية، ولم يخضعوا لأموال الدولة، وكانت من موارد خزانة الدولة الريع والعائد من هذه الأوقاف، وكانت حاجات الناس ميسورة. نماذج متميزة وفى سياق متصل يوضح الدكتور عبد المقصود باشا، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الوقف لعب دورا كبيرا فى الحضارة الإسلامية، من خلال المساهمة فى بناء المساجد والمدارس ورعاية طلاب العلم وحفظة القرآن الكريم، وكانت هناك مساهمات متميزة من الأغنياء فى العصور السابقة، من خلال وقف بعض الأملاك للصالح العام، ومازال ريع هذه الأملاك يشكل مصدر الدخل الأساسي، لكثير من الفقراء والمحتاجين حتى اليوم، وفى عهد النبوة والخلفاء كان يتم وقف مناطق معينة، ليتحقق منها عائد يخصص لمصلحة المسلمين عامة، حتى إنه خصصت أماكن للإبل التى هى ملك الدولة، وكذلك الأغنام والخيول، وغير ذلك من الحيوانات، وكانت إسهامات المسلمين الأوائل فى الوقف متميزة، حتى هذا العهد الذى عاش فيه أجدادنا، وإذا تتبعنا أرض مصر فسوف نجد أن هناك ما يقرب من مليونى فدان، كانت وقفا على الصالح العام للمسلمين، رعاية لمصالحهم العامة. أوقاف للكلاب الضالة ويضيف أنه إذا نظرنا فى فترات التاريخ الإسلامى نجد العجب، وهى أمور قد لا يصدقها البعض فى العصر الحالي، وسوف نجد الأوقاف التى وقفت من أجل القطط والكلاب والحيوانات الضالة، التى لا تجد لنفسها مأوي، فقد تكفلت أوقاف الإسلام بحمايتها، كما أن الوقف لعب دورا أساسيا فى الحفاظ على الحياة الإنسانية، من خلال المستشفيات التى وقفت عليها الكثير من الأراضي، وكان المريض يدخل المستشفى للعلاج، فيجد كل سبل الرعاية، وبعد الخروج من المستشفي، يحصل على ملابس وأموال ليصرف منها على نفسه وأسرته، وهذه المساعدات كانت تستمر طوال الحياة. أسباب التراجع من جانبه أوضح الدكتور نبيل السمالوطى أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، أن ثلث أراضى مصر كانت وقفا، وكان الناس يتنافسون على الوقف، ولم يُترك باب من أبواب الخير إلا وقد تم الوقف له، حتى أن الناس فى العصور السابقة لم يجدوا بابا جديدا للوقف، فوقفوا بعض الأملاك لإطعام العصافير والكلاب الضالة، موضحا أن هناك أسبابا عديدة وراء تراجع الوقف، منها القانون الذى جعل هناك ناظرا واحدا لجميع الأوقاف، وجعل هناك حقا لناظر الوقف أن يغير جهة الصرف، رغم أنه من المعروف أن شرط الواقف كنص الشارع، ولا يصح تغيير الوصية الموقوف من أجلها. رسالة للأغنياء ويرى الدكتور السمالوطى أن كثيرا من الأغنياء حاليا، يُريدون أن يوقفوا بعض أملاكهم فى أوجه الخير، لكن هؤلاء يُريدون أن تذهب هذه الأوقاف فى الأمور التى وقفت من أجلها، والبعض قد يتراجع عن الوقف خوفا من تعرض هذه الأملاك للسرقة، وهناك كثير من القضايا التى تجعل البعض يتراجع عن الوقف، مشيرا إلى أنه رغم أن الوقف من إبداع الفكر الإسلامي، فإن الغرب أخذ بهذا النظام، وكثير من الجامعات بأمريكا وقف خيري. مقترحات من جانبه يرى الدكتور علوى أمين، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أن الوقف فى الوقت الحالى يحتاج إلى تطوير، بهدف أن تكون هناك رعاية لكل فئات المجتمع، ويقترح بأن يتم إنشاء صناديق معينة خاصة بمشروعات محددة، فيكون هناك صندوق لبناء المدارس، وصندوق لعلاج أمراض الكلى وأمراض السرطان، وصندوق لسداد الديون، وغيرها من الصناديق، وأن يكون هناك ناظر لكل صندوق، ويتم صرف هذه الأموال فى الأمور المحددة لها.