لم يكن الكاتب المسرحى الأيرلندى الشهير صموئيل بيكيت يعلم أن رائعته "فى انتظار جودو" ستجد فضاء عريضا كالشرق الأوسط يصبح فيه أبطاله فى حالة ترقب واستنفار أمام قدوم الرئيس الأمريكى الجديد لينقذ المنطقة من حلقات الدمار الجهنمية ويضع نهاية للصراع الأيديولوجى المفتوح .. إلا أن هذا "الجودو الأمريكى" - وفقا لنص بيكيت الفلسفى العميق - ليس من المتوقع مجيئه أو ظهوره فى الأفق خصوصا فى عقيدة "البطل الإيراني" فى هذا المشهد الكبير. ومع بدء فقرة المناظرات التليفزيونية السحرية بين مرشحى الرئاسة الأمريكية الجمهورى دونالد ترامب والديمقراطية هيلارى كلينتون على مدار الأسابيع الماضية، يعيش الشارع السياسى فى طهران حالة من الانقسام حول شكل ومصير العلاقات الأمريكيةالإيرانية والتى تسودها حالة الشد والجذب دائما، وذلك فور إعلان الفائز بالمكتب البيضاوى فى 8 نوفمبر المقبل، وفجر هذا الجدل رد الرئيس الإيرانى حسن روحانى على سؤال من أحد الرؤساء أثناء زيارته للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى عمن يفضل بين المرشحين المتنافسين عندما قال بوضوح :"هل اختار بين السيئ والأسوأ؟". فقد تعهد ترامب ب"تمزيق" الاتفاق النووى الإيرانى الذى خرج إلى النور فى يوليو الماضى فى حالة انتخابه رئيسا، حيث وصفه بأنه كان «الأسوأ فى التاريخ»، واستنكر بشدة منح الجانب الإيرانى 400 مليون دولار و1٫3 مليار دولار فوائد مستحقة من الأموال المجمدة منذ عام 1981 بعد الاتفاق، بينما اتخذت منافسته هيلارى زاوية الدفاع عن الاتفاق، وأكدت أن إيران كانت تبعد أسابيع فقط عن صنع قنبلة نووية حينما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية"، معتبرة أن الدبلوماسية هى التى منعت طهران من صنع القنبلة، وروضت الطموحات الإيرانية لامتلاك وتمرير برنامجها النووى. ومن واقع موقف الخصمين تجاه الملف الإيرانى، يحبّذ المتشددون فى طهران المزيد من المواجهة مع الغرب، ورأوا فى تصريحات ترامب فرصة لضرب الإصلاحيين فى مقتل وتشويه صورتهم باعتبار الاتفاق التاريخى أمرا سلبيا لبلادهم. وفى المقابل تنتاب الأصوات المعتدلة فى طهران حالة من التذبذب، إذ يرى البعض من مسئولين فى الدولة ونخب سياسية نافذة ورجال أعمال، أن هيلارى أكثر تفاهما وتقبلا للاتفاق ويمكن معها إيجاد "صيغة ما" للخروج من العزلة الاقتصادية، غير أن كتلة أخرى تتوجس من المرشحة الديمقراطية باعتبارها "سيدة العقوبات.. وسواء حاول الإيرانيون البحث عن وسيلة للتعامل والمناورة مع "أستاذ الصفقات" أو "سيدة العقوبات" .. تبدو النتيجة الأكثر توقعا وترجيحا بقراءة تاريخ الإدارة الأمريكية مع الخصم الإيرانى هى أن الأخير سيظل أسيرا لحالة انتظار «جودو الأمريكي» الذى لايأتى أبدا!