ليس واضحا إن كان ما يحدث فى الجزائر من تغيرات فى الفترة الأخيرة، والتى آخرها استقالة أو إقالة الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، أكبر الأحزاب وأقواها، يحقق المصالح العليا للدولة، أم أنه يخدم بالأساس، مصالح جماعات ضغط بعينها داخل السلطة، فى الجزائر وخارجها؟ ومع ذلك كله، وعلى الرغم من قناعتى الخاصة من أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عمّر فى الحكم وهو فى حلته المرضية فترة طويلة جعلت من تاريخه الكفاحى والدبلوماسى والسياسى نهبا لسماسرة السياسة داخل نظام الحكم، وهم أيضا المتحالفون مع رجال الأعمال على النهب المنظم وغير المنظم لكل خيرات البلاد، قلت رغم هذا كلّه، إلا أن الوقائع تكشف يوما بعد يوم على أن الرئيس بوتفليقة، يمثل صمام أمان أمام كل المحاولات التى كادت تعصف بالدولة من الأساس. المراقب للوضع فى الجزائر يتبيّن له أن قرارات بوتفليقة تأتى فى الغالب لتحسم الأمر فى قضايا محلّ خلاف بين أطراف متصارعة إلى درجة التكالب، أو تعمل على حماية المجتمع من تجاوزات تخالف المبادئ الكبرى التى تقوم عليها الدولة الجزائرية، وليس شرطا أن يتم الإعلان عنها أو حتى الإشارة إليها، ولكن يراها صاحب البصيرة فى النتائج المترتبة على مواقف هذا المسئول أو ذاك، على غرار ما حدث أمس الأول (السبت 22 أكتوبر الجاري) حين قدّم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطنى عمار سعيدانى استقالته من الحزب على خلفية حالته الصحية، والحقيقة أنه استقال لأسباب معروفة للجميع متعلقة بإحداثه فتنة عبر خطاب غير مسئول اتهم فيه المدير السابق للأمن الجزائرى «الجنرال توفيق» بأنه وراء كل المشكلات التى تحدث فى الجزائر، بما فى ذلك الأحداث التى وقعت السنة الماضية فى غرداية بين السكان المحليين من إباضية وسنة (مالكية)، وأيضا لطعنه فى التاريخ الثورى لعائلة عبد العزيز بلخادم أحد خصومه البارزين، ما يعنى دفع المشهد السياسى كله إلى حالة من الإرباك والفوضى، وتسفيه خطاب السلطة، وتحويلها إلى طرف فى تأجيج الصراع داخل الوطن، يضاف إلى هذا الخطأ السياسى الفادح، المتمثل فى انتقاده للرئيس محمود عباس لحضوره جنازة شيمون بيريز، ما اعتبر تدخلا فى الشأن الفلسطيني. يعزى بعض المراقبين استقالة سعيداني، إلى تقارب بين مؤسسة الرئاسة وبين المؤسسة الأمنية، خاصة القيادات المبعدة فى الفترة الأخيرة، غير أن كل المعطيات، إضافة إلى تسريبات من بعض المصادر المطلعة تشير إلى تغييرات كثيرة منتظرة سيحدثها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تشمل العديد من أجهزة الدولة بما فى ذلك المناصب العليا فى ميدان الرياضة، وبخصوص هذا الموضوع يدور الحديث حول تغيير وشيك لرئيس اتحاد الكرة الجزائرى محمد روراوة، إما بتقديم استقالته أو إبعاده، والسبب الظاهر للاستقالة أو للإبعاد أو التغيير المباشر، هو رد فعل الشارع الجزائرى والجمهور الرياضى بعد خيبة الأمل فى الفريق الوطنى نتيجة تعادله فى الجزائر مع نظيره الكاميروني، ثم الخلاف الواضح بين اللاعبين القدماء (جيل الثمانينيات تحديدا) وبين روراوة الذى وصل إلى درجة التلاسن عبر الفضائيات، لكن هناك أسبابا أخرى تراكمت لسنوات ذات طابع سياسي، وهى التى ستعجل فى رحيله، خاصة إذا خسر أو حتى تعادل الفريق الجزائرى مع نيجيريا فى بداية نوفمبر المقبل. ترى الأوساط السياسية، ناهيك عن الرياضية، أن روراوة، ورغم الانجازات التى حققها، يتصرف مثل الرئيس، بحيث يعتبر أنه صاحب السلطة المطلقة فى اختيار المدربين، حتى أنه غير سبعة مدربين تماما مثلما فعل الرئيس بوتفليقة بتغييره لسبع رؤساء حكومات خلال 17 سنة من حكمه للجزائر، وقد كلّف خزانة الدولة الجزائرية الكثير، كما أنه فشل فى اختياره لمعظم المدربين الأجانب، وأنه ضد الناخب المحلي، من ذلك استغنائه عن رابح سعدان، وأنه لم يتكمن من إنجاح الملف الجزائرى فى تنظيم كأس الأمم الإفريقية فى دورته الماضية، وأن الملاعب الجزائرية شهدت فى عهده فوضى شبه مطلقة ترتبت عليها عقوبات، ناهيك عن خلافاته مع اللاعبين فى المنتخب الوطني. الأسباب السابقة معروفة، وهى موجودة من سنوات، ولم تؤثر على مكانته، فما الذى جدّ هذه الأيام حتى يتحدث المراقبون فى الجزائر عن إبعاده؟ الذى جدّ هو تحوّل روراوة من رئيس اتحاد الكرة، إلى منافس للرئيس فى أمرين: الأول الانفراد فى اتخاذ القرارات دون الرجوع إلى الأسرة الرياضية، ولا حتى كبار المسئولين فى الدولة، حسب رأى خصومه، والثاني: وجوده فى منصبه فترة طويلة انتهت به إلى التراجع الفاشل وإبعاد الشباب، ومنافسته للرئيس ستكون الدافع من وراء إبعاده الوشيك، فى عملية استباق لرد الفعل الشعبية المنتظرة فى حال عدم تأهل الجزائر لكأس العالم، وقد يخلفه اللاعب رابح ماجر أو المدرب رابح سعدان، وكلاهما أثبت قدرته وتميزه فى مجاله. إذن الجزائر تتجه نحو تغييرات على نطاق واسع، وبغض النظر عن المجالات التى سيشملها التغيير، فإنها فى نظر عدد من المراقبين، مُقْدِمُة على مرحلة جديدة تٌولى فيها اهتماما لترتيب الجبهة الداخلية، استعداداً لتطورات الأحداث فى العالم، ومنها مخاطر التقسيم بعد إدخالها فى حرب أهلية كما تصنفها بعض مراكز الدراسات الأمريكية، لذلك فهى ستتجنب أى توترات داخلية من خلال إبعاد أو إقصاء أو تغيير المسئولين مهما كان موقعهم فى الدولة، ويبدو أن معظم القيادات الجزائرية مٌتفَهِّمَة لذلك، أما القلّة التى تخرج عن الخط، فهذه لا يقام لها وزن، مادامت شعبية عبد العزيز بوتفليقة قائمة رغم حالته الصحية. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه