احتل الجيش التركى بلدة بعشيقة شمالى العراق، التى استولى عليها تنظيم داعش عام 2014، وكانت العملية العسكرية التركية عبر الحدود العراقية تستهدف طرد تنظيم داعش من المواقع التى سيطرت عليها على بعد 15 كيلومترا شمال شرقى مدينة الموصل. وإضافة إلى الانخراط المباشر ضد داعش، يقوم الجيش التركى بتدريب وتسليح ما يسمى ب«الحشد الوطني»، وهى ميليشيا سنية، أنشأها أثيل النجيفي، الحاكم السابق لمحافظة نينوى، وهو مع عائلته المؤثرة، حليف وثيق لتركيا. ولا يخفى قادة الحشد الوطنى الرغبة فى السيطرة على الموصل، عاصمة داعش فى العراق حيث صرح قائد الحشد الوطنى، بأن «الموصل ملكنا، وإذا دخلناها، فستكون لنا». فى بلد يتقاتل فيه أفراد الميليشيات من أجل دين أو الإثنية أو السيطرة على الأراضى، يعمل الحشد الوطنى بالتعاون مع قوات البشمركة الكردية، جيش حكومة إقليم كردستان، ووفقًا لقائد البشمركة الكردية، والذى يتمركز فى جبل بعشيقة، فإن على القوات الكردية الاستيلاء على بلدة بعشيقة والتقدم نحو الموصل، ما يمهد الطريق لمقاتلى الحشد الوطنى المدعوم من أنقرة. وتتعقد إشكالية تحرير الموصل مع معرفة أن البرلمان العراقى، طرد النجيفي، الحاكم السابق لمحافظة نينوى واتهمه بالفساد والتواطؤ مع تنظيم داعش، لا يزال النجيفى مقيماً فى مدينة أربيل، عاصمة كردستان العراق. وقال النجيفى مبررًا علاقته الحالية مع حكومة كردستان: «علاقتنا مع إقليم كردستان ليست مثل قبل، فلدينا علاقة إيجابية اليوم مع الحكومة الكردية، ونحن الآن حلفاء مع عائلة مسعود بارزاني». وأضاف النجيفي: «ننتظر أن تقوم البيشمركة بدورها ثم يبدأ دورنا، خصوصاً أن نينوى، بعد التحرير، ستحذو حذو كردستان فى الانفصال التام والتمتع بحكم شبه ذاتى أيضاً»، ويعتبر النجيفى نفسه شكلاً من أشكال السلطة فى الموصل، خصوصاً بعد دخول تنظيم داعش. تريد تركيا الحفاظ على شكل من أشكال السلطة الإقليمية فى هذه الأجزاء، فى قول آخر، تحتاج تركيا للاعتماد على الحلفاء وحلفاء نموذجيين فى شمال العراق مثل البارزانى والنجيفي. ويأتى أصل الصراع الإقليمى فى عام 1994، حينما اندلعت حرب أهلية بين الفصيلين الكرديين الرئيسيين فى شمال العراق: الحزب الديمقراطى الكردستاني، وهو حزب سياسى من عشيرة البارزاني، والاتحاد الوطنى الكردستانى، الذى تحالف مع عدو إيرانوأنقرة اللدودين، حزب العمال الكردستانى، ومهدت تلك الحرب وسيلة لوجود تركى مفتوح المدى فى عدة مراكز شمالية عراقية فى إطار التعاون الضمنى والصريح تدريجياً مع الحزب الديمقراطى الكردستانى. واستفادت أنقرة على مر السنين من العلاقة الاقتصادية والسياسية المربحة مع حكومة إقليم كردستان، فقد قصفت أكثر من مرة الجماعات الكردية فى تركياوسوريا، بما فى ذلك وحدات حماية الشعب، وهى إحدى القوات البرية الرئيسية التى تقاتل داعش. وأدت رؤية أنقرة بأن قيام دولة كردية يشكل تهديداً بالنسبة إليها أكبر من تهديد داعش إلى التقريب بين داعش وتركيا، وقام الجيش التركى مع حلفائه العرب والتركمان الذين يقاتلون تحت لواء الجيش السورى الحر، فى 4 سبتمبر الماضى، بالسيطرة على الجبهة بين عزاز وجرابلس بعد الاستيلاء على 20 قرية كان داعش يسيطر عليها. فى قول محدد إن التدخل العسكرى التركى بالعراق، ونشر قوات بأطراف الموصل يأتى لتنفيذ استراتيجية أمريكية تركية خليجية، لتشكيل حلف سنى بالشرق الأوسط لمراقبة الساحتين العراقية والسورية، وتدريب العشائر السنية فى العراق لتشكيل قوات على غرار الحشد الشعبى لمنع التمدد الإيرانى والوقوف بوجه النفوذ الروسى فى المنطقة. وتسعى دول مجلس التعاون الخليجى، لتشكيل حلف عسكرى سنى بالشرق الأوسط بمشاركة تركيا الدولة السنية الأكثر نفوذاً بعد السعودية لمواجهة إيران وروسيا داخل العراقوسوريا واليمن بدعم أمريكى. ويأتى نشر قوات تركية شمال العراق، لمنع إيران من إرسال قوات إلى العراق ما يثير قلق دول الخليج ويسبب تهديداً لها، كما ترى الإدارة الأمريكية أن هزيمة داعش فى العراقوسوريا لايمكن تحقيقها دون دعم السنة بالشرق الأوسط، خصوصاً العشائر السنية بالعراقوسوريا، ويأتى ذلك بعقد اتفاقيات لإقامة حلف إسلامى سنى لمواجهة النفوذ الإيرانى، وتوجد لتركيا أجندة إضافية. يأتى الحلف التركى السعودى واشتداد أواصره الاستراتيجية مع مجلس التعاون الخليجى كإضافة جيواستراتيجية عملية، ويأتى دخول تركيا إلى الموصل ليضع المدينة تحت الوصاية التركية وبالتالى ستمنع تركيا اتحاد أكراد العراق، بأكراد سوريا وسيكون هذا ردا على إعلان كوباني، منطقة خاصة بالأكراد وكذلك تل أبيض. هكذا فى الاستراتيجية التركية تكون الموصل بداية تقسيم العراق، بالتالى ستستمر أنقرة فى الضغط لتحقيق منطقة عازلة فى الشمال السورى ليكون بداية تقسيم سوريا. لن تنسحب تركيا من العراق، فهى على اتفاق مع الولاياتالمتحدة والناتو حول هذه الخطوة، حيث لم يتبق لكردستان إلا المطارات العسكرية لتنفصل عن العراق وتلتحق بالناتو، علما بأن الاتفاق بين برزانى والرئيس التركى رجب طيب أردوغان أقرب لعملية تبادل بموجبها يحصل الأتراك على الموصل ويشاركون فى ثروات وإدارة كركوك مقابل موافقة أردوغان على إعلان كردستان العراق دولة كاملة السيادة حيث تم رفع العلم الكردى ولأول مرة فى تركيا عندما زار البرزانى تركيا فى سبتمبر الماضى. وإشكالية تحرير الموصل تأتى فى أنها على الأرجح تتطلب تقسيم العراقوسوريا. لمزيد من مقالات د.جهاد عودة;